كريتر نت – متابعات
حولت مليشيات الحوثي المدعومة من إيران، الأراضي الزراعية في الكثير من المحافظات اليمنية، خصوصا الساحل الغربي من أراضٍ تنبض بالحياة، إلى قاحلة وحقول للألغام تحصد أرواح المدنيين من المزارعين وغيرهم من سالكي الطرقات دون تمييز، أشواك تقتل الحياة وتعرقل تطبيع الأوضاع في الساحل الغربي والسهل التهامي.
الكثير من المزارعين الذين أجبروا على النزوح القسري من قبل مليشيات الحوثي وتركوا أراضيهم ومعداتهم الزراعية المقدرة بملايين الريالات، وبعد عودة الكثيرين بعد تحرير القوات المشتركة لمناطقهم، استقبلتهم الألغام الحوثية لتزيد من مرارة المعاناة والحرمان وإنهاء أحلام العودة للحياة الطبيعية.
عدد من النازحين العائدين لقراهم في ريف حيس ومناطق الساحل الغربي والسهل التهامي، قرروا استصلاح أراضيهم من أجل البدء في النشاط الزراعي، غير مدركين حجم الخطر والكارثة التي توجد تحت تربة أراضيهم.
المزارعون وقعوا فريسة في شِباك الألغام الحوثية التي زُرعت بعشوائية ووحشية في أراضيهم دون أدنى وازع ديني أو أخلاقي. تلك الأجسام الخطيرة تسببت في خسائر كبيرة في صفوف المزراعين، منهم من لقى حتفه ومنهم من أصبح معاقاً وقعيداً وفاقداً للحركة دون أي ذنب.
حقول تنشر الموت
منير قُليب، في مقتبل شبابه، من أهالي منطقة باب الّلفج شمال مدينة حيس، عاد إلى مزرعته التي حرم من خيرها لسنوات بسبب الحرب الحوثية. وأثناء ما كان يعمل في أرضه واستصلاحها تفاجأ بلغم أرضي زرعته الميليشيات الإرهابية، انفجر اللغم متسبباً في بتر يده اليسرى، ليصبح الشاب الطامح في عودة الحياة معاقاً وغير قادرعلى العمل، بعد أن تحولت أرضه إلى حقل مخيف ينشر الموت.
الشاب “منير” يحمل معاناة الحزن، فهو المعيل الوحيد لأسرته وتحدث لـ”نيوزيمن” بنبرة مؤلمة: “الحوثي بدل ما يزرع الخضروات، زرع لنا الموت في أراضينا، أنا فقدت جزءا من جسدي (يدي) ولا أستطيع أن أعمل في أرضي بعد إعاقتي”.
ويضيف متحسراً على الإعاقة التي ستلازمه مدى الحياة، قائلاً: “أنا الآن أصبحت معاقا، والحوثي دمر مستقبلي وأنا في عز شبابي أعمل في الزراعة وأعيل اُسرتي وأولادي”، مختتماً حديثه: “مع هذه المعاناة لم تلتفت لنا أي منظمة أو جهات حكومية، المفروض يعطونا راتبا أو أي شيء من أجل أن نعيل بها أسرنا، إحنا أصبحنا ضحية لهذه الحرب ولا أحد يشعر بمعاناتنا”.
كابوس يؤرق الحياة
بعد تكرار حوادث الألغام وتزايد أعداد الضحايا في المناطق المحررة، يتخوف المزارعون من عودتهم إلى مزارعهم وأراضيهم بسبب كمية الألغام التي زرعتها مليشيات الحوثي قُبيل فرارها من تلك المناطق التي كانت تسيطر عليها سابقاً، في جنوب الحديدة.
بالرغم من أن الفرق الهندسية التابعة للقوات المشتركة وفرق مشروع مسام السعودي، حققت نجاحاً كبيراً في مختلف المناطق المحررة، واستطاعت انتشال ملايين الألغام والعبوات والذخائر غير المنفجرة والتي زرعتها المليشيات في مناطق شاسعة بالساحل الغربي.
إلا أن تلك الألغام الحوثية لا تزال تشكل كابوساً يؤرق حياة آلاف المدنيين، خصوصاً في المناطق التي تم تحريرها مؤخراً جنوبي الحديدة وغربي تعز، وبدأت تدب الحياة من جديد بعد إزالة الألغام وتطهير الطرقات والمزارع والأحياء السكنية.
بداية جديدة
قرية بيت بيش الواقعة شمال حيس التي كانت في مقدمة الجبهة وخط نار مع الميليشيات الحوثية، حيث عمدت هذه الميليشيات الإرهابية على تفخيخ كافة منازلها والمزارع ونشرت الكثير من شبكات الألغام والمتفجرات بهدف قتل الحياة وإفشال أية جهود لإعادتها.
وبعد تحريرها وتأمينها في نوفمبر 2021م، شرعت الفرق الهندسية بعملية تطهير واسعة لانتزاع أشواك الموت الحوثية، وتأمين عودة الأسر النازحة إليها.
اليوم أصبحت القرية شبه مؤمنة بالكامل وعاد الأهالي إلى منازلهم وأراضيهم الزراعية، بدأت الحياة تدب من جديد بعد أن كانت القرية مكانا مخيفا ومهجورا بسبب الألغام التي كانت تهدد كل شيء حي.
يقول عدد من الأهالي لـ”نيوزيمن”: بداية عودتنا كانت الحياة مخيفة وحركتنا محصورة ودقيقة ولا نستطيع حتى التوجه إلى أراضينا الزراعية التي تعد مصدر دخل رئيسي لتوفير لقمة العيش. حوادث متكررة تعرض لها الأطفال والنساء والرجال في مزارعهم، ولكن بعد دخول الفرق الهندسية وبدء عملية تطهير ونزع حقول الموت الحوثية بدأنا نعود إلى حياتنا تدريجيا وأصبحت أراضينا الزراعية تنبض بالحياة من جديد، واليوم نجني من الأراضي المطهرة مختلف أنواع الحبوب.
تطهير 250 مزرعة
أواخر فبراير الماضي، أعلن المشروع السعودي لنزع الألغام في اليمن (مسام)، عودة الحياة لأكثر من 250 مزرعة في الساحل الغربي، بعد تطهيرها من ألغام ميليشيا الحوثي الانقلابية.
وبين المهندس سامي سعيد حيمد، قائد الفريق 26 مسام، أن فريقه عمل في المديريات المحررة في محافظة الحديدة وأساساً في الخوخة وحيس، مؤكداً أن الحديدة عانت كمنطقة زراعية ورعي وصيد من ويلات الألغام كثيراً، حيث تعطلت مصادر رزق المدنيين في هذه المناطق بسبب كثرة وعشوائية الألغام.
وأوضح حيمد أن محافظة الحديدة شهدت العديد من حالات الإصابات بالألغام، حيث فقد ما يناهز 393 شخصاً حياتهم سنة 2022، وفقد مسام 4 شهداء و3 جرحى سنة 2022 في محافظة الحديدة في إطار مهمته الإنسانية في مكافحة الألغام، لافتاً أن التدخل الإنساني لفرق مسام في هذه المحافظة قلل من عدد الضحايا بسبب هذه العلب الغادرة، ولم تسجل أي حالة إصابة منذ بداية عام 2023 حتى الآن في صفوف المدنيين في المناطق التي تمكنت فرق مسام من الوصول إليها.
تكافح الفرق الهندسية في مختلف الأراضي الزراعية، في رسالة سامية هدفها إعادة الحياة وتطبيع الأوضاع ومساعدة الأسر على النهوض من جديد. جهود تستحق الشكر لقيادة المملكة العربية السعودية على دعمها المستمر لمشروع مسام في مشوار كفاحه الإنساني بقوة واقتدار ضد الألغام في اليمن.
في الوقت الذي يعمل فيه فريق مشروع “مسام” لنزع الألغام في اليمن بكامل طاقته ويواصل عملياته لتنظيف البلاد من الألغام التي زرعتها ميليشيات الحوثي الانقلابية، ليصل عدد الألغام التي انتزعها منذ بدء عمله في 2018 إلى نحو 389,706 ألغام مضادة للأفراد والدبابات وعبوات ناسفة وذخائر غير منفجرة، ووصل إجمالي الأراضي التي تم تطهيرها 44,850,678 مترا مربعا.