كريتر نت – متابعات
أصدر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون توجيهات تمنع تمجيد السياسيين في الإعلام. وقد وجه تبون توصية إلى الوزراء والمسؤولين تقضي بالتوقف عن استخدام تعبيرات سياسية تربط كل منجز أو نشاط بالرئيس وتؤشر على التملق السياسي، كما أمر الوزراء بالتوقف عن إطلاق وعود كاذبة.
وأكد بيان للرئاسة، صدر عقب اجتماع لمجلس الوزراء الاثنين، أن “رئيس الجمهورية أمر بالامتناع نهائيا عن الاستعمال المبالغ فيه لعبارات سياسية نمطية تمجد الشخصيات عبر وسائل الإعلام، توحي بأن كل نشاط حكومي مهما كان نوعه هو بتوجيه من رئيس الجمهورية”، على خلفية بروز ظاهرة تصريحات لوزراء ومسؤولين تصور أي نشاط يقومون به على أنه بتوجيهات من الرئيس الجزائري نفسه أو تطبيق لبرنامجه. وهو ما اعتبر استدعاء لصيغ الولاء والتملق السياسي للرئيس، والتي سادت في عهد الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة وكانت سببا في انتفاضة 2019.
وكانت مبادرة وصفت بـ“الشخصية والمعزولة” من مسؤولي جامعة باتنة1، الذين كرّموا عبدالمجيد تبون بواسطة لوحة تحمل صورته، قد أثارت سخرية بالغة على مواقع التواصل الاجتماعي في فبراير الماضي وأعادت إلى أذهان الجزائريين “حقبة مشينة”، ما استوجب تدخل رئاسة الجمهورية.
وأصدرت المديرية العامة للاتصال في رئاسة الجمهورية الجزائرية بيانا عبر منصاتها الإلكترونية وحساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، تندد وتتبرأ فيه من “واقعة” التكريم الذي حظي به الرئيس الجزائري في جامعة محافظة باتنة (400 كلم شرق الجزائر)؛ وكان التكريم عبارة عن لوحة مرسوم فيها الرئيس، وهي الطريقة نفسها التي كان الجزائريون يستهجنونها إبان حقبة بوتفليقة، خاصة خلال عهدته الرابعة (2014 – 2019) عندما كان يعاني المرض، إذ كان غائباً ولكنه دائم الحضور عبر لوحات تحمل صورته، وهو ما كان يطلق عليه الجزائريون تسمية “الكادر” (الصورة).
ووصف بيان المديرية تصرّف الجامعة بـ“السيء” و“الذي لا يمت بصلة لطريقة تفكير السيّد رئيس الجمهورية، ولا بالتقاليد التي يعمل على ترسيخها منذ توليه رئاسة الجمهورية، في إطار جزائر جديدة، وهو الذي طلب في خطاب التنصيب (عام 2019) سحب لقب ‘الفخامة’ واستبداله بوصف ‘السيد’، وبالتالي سقوط كل تصرفات وسلوكات التملّق”. وحسب البيان فإن “عهد التملق والتفخيم قد انتهى وأنه الآن لا سيد إلا الشعب”.
واعتبرت الرئاسة أن “التصرف يعيد إلى أذهان الجزائريين حقبة مشينة”، في إشارة إلى فترة حكم الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة.
ويأتي هذا “التكريم” المرفوض قبل أقل من عامين على نهاية عهدة الرئيس تبون في ديسمبر 2024، ووسط صعود بعض الأصوات الداعية إلى ترشيحه لعهدة ثانية، إلا أن بعض هذه الأصوات راحت تكرر ما كان يحدث مع بوتفليقة غداة كل موعد انتخابي.
ولم يتعود الجزائريون على بيانات تندّد بتكريم رئيسهم صادرة من رأس السلطة التنفيذية على هذا النحو طيلة السنوات الماضية.
الرئاسة أكدت أن “التصرف يعيد إلى أذهان الجزائريين حقبة مشينة”، في إشارة إلى فترة حكم الرئيس الراحل بوتفليقة
وجاءت تعليقات الناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي مستنكرة لما يقوم به منظمو مؤتمرات التملق من محاولات لركوب الموجة مبكرا استعدادا للحملة الانتخابية الرئاسية وتمهيدا لولاية رئاسية ثانية للرئيس تبون وكسب المصالح دون إدراك لعواقب مثل هذه المغامرة التي كانت أحد أسباب انتفاضة الشارع في 2019.
وأعادت الحادثة إلى الأذهان ما لا يريد الجزائريون تكراره في زمن ما يسمى “الجزائر الجديدة”، ولقيت استهجاناً شديدا من فئات اجتماعية واسعة، خاصة من أساتذة الجامعات الذين نددوا بالإساءة إلى الحرم الجامعي بهذه الطريقة، مؤكدين أن “الجامعة حاضنة العلم والبحوث المفيدة للوطن وللناس وليست مرتعاً للتملق والتكريمات من دون معنى”.
وقال البروفسور العربي فرحاتي، أستاذ التعليم العالي في جامعة باتنة سابقاً، “ماذا دهاك يا جامعة باتنة1 أن تكرري هذه ‘التبهدايل’؟ ألم تتعلمي من تجربتك في ترشيح #الكادر لـ#العهدة_الخامسة للرئاسيات وقد انتكستِ بعدها وصرتِ محل استهتار العام والخاص حين انتهى الأمر إلى ما انتهى إليه، ونددنا يومها بذلك التصرف خارج إرادة الأساتذة، واليوم تكررين الأمر وتسارعين لذات التصرف غير المسؤول في تكريم الرئيس في غياب استشارة الأساتذة على الأقل”!
وتساءل فرحاتي “هل وظيفتك هي تكريم الرؤساء وترشيح رؤساء واستحضار ‘كادراتهم’؟ ألم تتعلمي الدرس من الضجة التي أثارتها مبادرات الجلفة بترشيح الرئيس قبل الأوان؟ والضجة التي أثارتها إحدى الجامعات بتنظيم ملتقى إنجازات الرئيس وقد ألغي بأمر من الرئاسة! وكذلك ما أثاره سؤال الدكتوراه مؤخرا من سخرية وتهكم في إحدى الكليات بقسنطينة ووصفه بالشيتة حتى في طريق الامتحان؟ فلماذا هذه الطريقة في التكريم حتى أتتك مذمة من المكرَّمين أنفسهم؟ فرغم أنني تقاعدت منذ مدة من هذه الجامعة إلا أنه يحز في نفسي أن تصير الجامعة التي قضيت فيها ما يقرب من أربعين سنة إلى هذا الحضيض والانهيار في التفكير والتصرف”. وختم الأستاذ الجامعي “#أنقذوا_ جامعتنا يا منقذين فإنني أغار عليها”.
الحادثة أعادت إلى الأذهان ما لا يريد الجزائريون تكراره في زمن ما يسمى “الجزائر الجديدة”
وفي ديسمبر الماضي تدخلت جهات محسوبة على السلطة في الجزائر لإلغاء ملتقى “التحليل السوسيولوجي لخطاب الرئيس عبدالمجيد تبون في القمة العربية”، تحت تأثير موجة غضب وسخرية على شبكات التواصل الاجتماعي، تجاه ما اعتُبر محاولة مفضوحة للتسلق السياسي.
واضطر منظمو ملتقى “التحليل السوسيولوجي لخطاب رئيس الجمهورية في القمة العربية” إلى إلغائه، انصياعا لأوامر وصفت بـ”الفوقية”، وتلافيا لأي تداعيات يمكن أن تفرزها موجة الغضب والاستياء على شبكات التواصل الاجتماعي، من عودة ما أسمته بـ”ممارسات حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة”.
وضجت مواقع التواصل الجزائرية بتعليقات الغاضبين، التي امتزجت بالسخرية والتحذير من إحياء ممارسات سياسية سابقة، أثبتت فشلها.
وتساءل “هل يمكن أن يتصور أحدنا جامعة أميركية أو بريطانية أو يابانية أو كورية شمالية أو صينية أو رواندية أو سودانية تنظم ملتقى علميا للتحليل السوسيولوجي لكلمة ألقاها رئيس البلاد؟
وتابع حميدة في تدوينته على فيسبوك “كنا في سنوات السبعينات والثمانينات من القرن الماضي نسمع ونشاهد على قناة التلفزيون الوحيدة الواحدة كيف يتجند الوزراء والمسؤولون في الحزب والدولة في حملات وزيارات واجتماعات لا تنتهي من أجل ‘شرح خطاب الرئيس’ للمناضلين والمواطنين الأميين، لكني لا أذكر يوما أن جامعة من الجامعات نظمت ملتقى ‘للتحليل السوسيولوجي لكلمة الرئيس’! في الواقع، إذا كان هناك أمر ملح فهو ضرورة إجراء تحليل نفسي فوري وعميق لكل من اقترح ووافق وشارك ونظم ملتقى ‘التحليل السوسيولوجي لكلمة الرئيس في القمة العربية”.