كريتر نت – متابعات
تحمل قراءة صندوق النقد الدولي الحالية لمدى مواءمة الإجراءات التي قامت بها القاهرة لخطته أخبارا وتوقعات مختلطة فيها الإيجابي ومنها السلبي الناجم عن التردد الحكومي، فيما تنتظر الحكومة المصرية توصيات أكثر تشددا خاصة ما تعلق منها بدور الجيش في الاقتصاد.
يأتي هذا في وقت يقول فيه مراقبون إن على القيادة المصرية أن تستعد لهزة اجتماعية مرافقة في ظل توالي الضغوط الاقتصادية، فقد تجد نفسها أمام توصيات جديدة من الصندوق ربما أكثر تشددا من سابقاتها.وحاولت الحكومة المصرية التكيف مع توصيات الصندوق لتعزيز إصلاحاتها الاقتصادية، غير أن النتائج التي تمخضت عنها إجراءاتها منذ اتفاقها الأخير مع صندوق النقد وحتى الآن لا تشير إلى التزامها التام بكل الشروط.
وتحدد المراجعة الجديدة واتفاقها مع شروط الصندوق المقدمة للحكومة طبيعة الخطوات المقبلة، والتي من المنتظر أن تحوي تحفظات على طريقة البطء التي تسير بها القاهرة، وتصل أحيانا إلى المراوغة في قضايا رفع الدعم نهائيا وسعر الصرف المرن للعملات الأجنبية، وعدم اتخاذ ما يلزم للحد من دور الجيش في الاقتصاد.
وقال متحدث باسم صندوق النقد الدولي الخميس إن “الاستعدادات للمراجعة الأولى لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المصري بدأت وسيعلن موعد وصول بعثة المراجعة عند الاتفاق مع السلطات”.
وكان صندوق النقد وافق في ديسمبر الماضي على قرض تسهيل ممتد قيمته ثلاثة مليارات دولار لمصر التي تتعرض لضغوط مالية حادة منذ أن كشفت التداعيات الاقتصادية للحرب في أوكرانيا المشكلات المالية التي تعاني منها منذ فترة طويلة.
وتقدم الأموال في إطار برنامج مدته 46 شهرا يخضع لثماني مراجعات، أولاها بدأت في منتصف مارس الجاري وفقا لتقرير خبراء الصندوق الذي نشر في ديسمبر الماضي، وذلك تمهيدا لتحويل ثانية شرائح القرض إلى مصر وقيمتها 347 مليون دولار.
وتشمل المراجعة سعر الصرف المرن والاحتياطيات الدولية من النقد الأجنبي وعجز الموازنة العامة للدولة ومستويات الدين العام وتقييم الأداء وفقا للمعايير الهيكلية، وتعزيز دور القطاع الخاص، وما يتعلق بتهيئة الأجواء الاقتصادية للمستثمرين.
ويقول خبراء إن القاهرة قطعت شوطا جيدا في عدد من هذه البنود، لكنها ليست كافية في نظر الصندوق، حيث شابتها تشوهات عند التطبيق، ما يضع الحكومة المصرية تحت طائلة اللوم وتأخير الشريحة الثانية إلى حين التيقن من الوفاء تماما بالتوصيات.
ومن بين الالتزامات التي تعهدت بها مصر للحصول على القرض التحول إلى نظام سعر الصرف المرن والقيام بإصلاحات هيكلية واسعة للحد من دور الدولة في الاقتصاد.
وفقد الجنيه المصري ما يقرب من 50 في المئة من قيمته خلال العام الماضي بعد ثلاثة تخفيضات متتالية (ويتراوح سعر الدولار بين 30.75 و30.95 جنيه الآن) لم تفلح في القضاء على السوق الموازية (السوداء) التي يزيد فيها سعر الدولار بنحو خمسة جنيهات، ويقبل عليه تجار توقعا لزيادة جديدة قريبا.
وتعرض الجنيه المصري إلى عدة ضغوط لأسباب متباينة، منها التأخير في عمليات بيع متوقعة لأصول مملوكة للدولة، واستمرار تجارة العملة بعيدا عن المصارف الرسمية، وعجز الحكومة عن توفير ما تحتاجه عمليات الاستيراد من عملات أجنبية.
وقال الخبير الاقتصادي ياسر عمارة إن المراجعة المرتقبة ستتضمن تقديرات متفاوتة كي يكون هناك توازن في البرنامج الذي يخضع لرقابة الصندوق، ومن أبرز الإيجابيات انخفاض الدين الخارجي بنحو 728 مليون دولار في الربع الأول من العام الجاري، والتي سيرجعها الصندوق إلى الاستقرار النسبي في سعر العملة.
وأوضح لـ”العرب” أنه “بالرغم من الانخفاض الكبير في سعر صرف الجنيه الذي ترتب عليه ازدياد معدلات التضخم، فإن خبراء الاقتصاد لا يلتفتون إلى ذلك كثيرا، باعتبار أن تفعيل سياسة سعر الصرف المرن هو الذي يحدد سعر العملة، والصندوق يتوقع أن تنخفض معدلات التضخم في البلاد خلال العام الجاري”.
وأكد أن أبرز السلبيات تكمن في تأخر مصر في إنجاز برنامج الطروحات الحكومية وبيع شركات الجيش، ويعتبر هذا الجزء من أساسيات الإصلاح الاقتصادي بجانب رفع الدعم عن منتجات البترول ورغيف الخبز (العيش).
وتخشى السلطات المصرية رفع الدعم تماما عن الخبز حاليا مع تردي الأوضاع الاقتصادية، فالناس يرون أن رفع الدعم عن أي سلعة يزيد الأعباء على كاهلهم، وهو ما ظهر عقب التحريك الأخير في أسعار البنزين، كما يخشى مواطنون زيادة أسعار السولار لأن ذلك يؤدي إلى ارتفاع أسعار الكثير من السلع المرتفعة بطبْعها.
وقررت القاهرة إسناد بيع شركتي صافي ووطنية التابعتين للجيش إلى بنوك استثمار، وهي خطوة لا تُرضي الصندوق مع عدم ظهور بوادر مبشرة حولهما، فالمفاوضات معقدة بين مستثمرين خليجيين ومستشاري البيع على الحصص والأسعار.
50 في المئة فقدها الجنيه المصري من قيمته خلال العام الماضي بعد ثلاثة تخفيضات متتالية ويتراوح سعر الدولار بين 30.75 و30.95 جنيه الآن
وتحاول الحكومة المصرية البحث عن بدائل خوفا من أن يؤدي التعثر في عمليات بيع بعض الشركات لمستثمرين عرب إلى عدم قدرتها على التحكم في أسعار العملات الأجنبية أو زيادة أسعارها، ما يعني تصاعدا في حدة الأزمة الاقتصادية.
وأشارت بلومبرغ إلى ارتفاع عقود مقايضات التخلف عن السداد للديون المصرية بأسرع وتيرة في جميع أنحاء العالم بعد الإكوادور، وظهرت بوادر الضيق في سوق السندات، وهناك أخطار انخفاض آخر لقيمة الجنيه، وشكوك حول تقدم القاهرة في متابعة مبيعات الأصول والتزامها سعر صرف أكثر مرونة.
ورفعت بعض البنوك المصرية أسعار الفائدة، وقدمت شهادات وصلت إلى 25 في المئة، على أمل دفع المواطنين نحو وضع ودائعهم في البنوك وتحفيزهم على تغيير ما يملكونه من عملات أجنبية في السوق الرسمية.
ولفت صندوق النقد إلى أن مصر تواجه فجوة تمويلية قيمتها 17 مليار دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة، ويمثل قرضه الأخير البالغ ثلاثة مليارات دولار أقل من 20 في المئة من هذه الفجوة، ومن المتوقع سداد الباقي من الدائنين متعددي الأطراف ومؤسسات دولية أخرى، من بينها البنك الدولي والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وعائدات بيع الأصول المملوكة للدولة.
ووافق البنك الدولي قبل أيام على إطار شراكة قُطرية جديدة مع مصر للسنوات المالية 2023 – 2027 تحصل القاهرة من خلاله على تمويل بقيمة سبعة مليارات دولار.
وذكر البيان أن الإطار يتضمن تقديم مليار دولار سنويا من البنك الدولي للإنشاء والتعمير ونحو ملياري دولار أثناء فترة الشراكة بأكملها من مؤسسة التمويل الدولية، لدعم جهود مصر في تهيئة الظروف الملائمة لتحقيق تنمية خضراء قادرة على الصمود وشاملة للجميع، ويضع هذا الإطار المواطن في صميم إستراتيجيته.