كريتر نت – متابعات
فشلت مساعي الوساطة التي تقودها الآلية الثلاثية في السودان المكونة من البعثة الأممية والاتحاد الأفريقي وإيغاد في أن تصل إلى تفاهمات لضم الكتلة الديمقراطية بقوى الحرية والتغيير إلى الاتفاق الإطاري، ما جعل أبواب التصعيد لرفض عملية التسوية السياسية مفتوحة على احتمالات متباينة خلال الفترة المقبلة، وفي ظل تحالفات عديدة من المتوقع أن تظهر تفاعلاتها بين قوى رافضة للاتفاق.
ومضت اللجنة المشتركة بين الأطراف الموقّعة على الاتفاق الإطاري في خطتها لصياغة بنود التسوية النهائية، وعقدت أول اجتماعاتها بالقصر الرئاسي في الخرطوم الخميس، وناقشت هيكل الاتفاق المنتظر التوقيع عليه في أبريل المقبل.
وأوضح المتحدث الرسمي باسم العملية السياسية خالد عمر يوسف أن اللجنة فرغت في اجتماعها من وضع مقترح مسودة قضيتي تنفيذ اتفاق جوبا لسلام السودان واستكمال السلام والعدالة، والعدالة الانتقالية.
وستواجه هذه الخطوات بعقبات لأن الأطراف الرئيسية الموقّعة على اتفاق جوبا للسلام ترفض الاتفاق الإطاري، ومن المستبعد الحصول على تطورات إيجابية في ملف السلام، وربما تتزايد الهواجس حيال انتكاسة بسبب الهشاشة الأمنية في بعض الأقاليم، خاصة إقليم دارفور الذي يضم الكتلة الأكبر من الحركات التي لها ثقل عسكري.
وأعلنت حركة جيش تحرير السودان بقيادة منِي أركو مناوي حاكم إقليم دارفور الأربعاء التعبئة للخروج إلى الشارع الأيام المقبلة رفضا للتوقيع على الاتفاق النهائي وتشكيل حكومة مدنية، وقررت الحركة تشكيل غرفة عمليات لخطواتها الجماهيرية.
وحسب مصادر مطلعة تواصلت معها “العرب” في دارفور يعاني الإقليم من استمرار التردي في الوضع الأمني، والأجواء باتت ممهدة لحدوث تمرد عسكري أو دخول الإقليم في فوضى جديدة قد تقوض نجاح الحكومة المنتظرة، فالفترة الماضية كانت شاهدة على استخدام السلاح بكثافة ولم يعد هناك وجود لسلطة القانون تقريبًا.
وأضافت المصادر ذاتها أن البلاد عرضة للدخول في فوضى شاملة حال جرى توقيع الاتفاق النهائي دون الوصول إلى حد أدنى من التوافق مع مجموعات لديها ظهير شعبي وعسكري، وأن غياب عناصر الأمن والقوات النظامية يشير إلى أن الساحة مفتوحة على جميع الاحتمالات مع انعدام وجود أثر لقوة الدولة في الشارع.
وتحدث عضو لجنة تفكيك النظام البائد اللواء عبدالله سليمان قبل أيام عن اجتماع عقدته المجموعة الرافضة للاتفاق الإطاري على صفحته بموقع فيسبوك، وقال إن الحركات تعتبر أن ما جرى إقصاء بعد تركهم حمل السلاح وانحيازهم للحلول السلمية.
وتشمل الخطة إعلان تمرد مسلح في شرق السودان، ورفض تسليم وزارات المالية والمعادن والشركة السودانية للموارد المعدنية، وإغلاق طرق قومية وإعادة تجربة اعتصام القصر إلى حين إسقاط الحكومة المدنية المنتظرة.
ويمكن للتقارب بين مكونات تحمل السلاح (أجهزة نظامية أو حركات مسلحة) أن يقضي على أيّ تفاهمات سياسية، وعدم وجود تعاون بين قوى إقليمية تضغط بقوة لإنجاح العملية السياسية وبين عناصر تدعمها يجعل تهديدات الصراع المسلح قائمة.
وتحاط العملية السياسية بكمّاشة ثلاثية، طرفها الأول في إقليم دارفور حال حدوث تمرّد مسلح إذا كانت هناك رغبة وفعل سياسي حقيقي تقدم عليه الحركات، والثاني في إقليم الشرق ويقوده مجلس نظارات البجا، والثالث التوتر الحاصل في الخرطوم من منسوبي النظام السابق وقوى اليسار المعارضة للاتفاق.
ورغم أن فرص استخدام السلاح صعبة في السودان، إلا أن الخوف يكمن في أن البيئة قد تمهد لذلك بسبب الاحتقان المتزايد بين جماعات تحمل السلاح وبين قوى مدنية وقّعت على الاتفاق الإطاري، وفي القلب منها المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، والتعويل حاليا على قدرة الأطراف الراعية للعملية السياسية تحجيم تحركات تقود إلى إفشاله إذا نفذت الوعود بإقرار عقوبات على الأطراف المعرقلة للاتفاق.
وقال المحامي ورئيس لجنة التحقيق في فض اعتصام القصر نبيل أديب إنه من الصعب فرض رؤية واحدة للفترة الانتقالية المقبلة، ومن الصعب أيضا القيام بتمرد مسلح لا يخدم الحركات، والوصول إلى اتفاق هو السبيل الوحيد لتمرير ما تبقى من المرحلة الانتقالية.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الخلاف بين الكتلة الديمقراطية والمجلس المركزي ليست كبيرة حال جرى التوافق على عدم إقرار دستور جديد ولو مؤقتًا والاعتماد على الوثيقة الدستورية، فذلك سيكون مخرجا مناسبا للأزمة، إلى جانب عدم السماح أن يهيمن المجلس المركزي على هياكل السلطة، وهو جزء من الجسم السياسي الراغب في التحول الديمقراطي.
وشدد أديب، الذي ترأس اللجنة التي صاغت رؤية الكتلة الديمقراطية للحل في ورشة القاهرة، على أن الخطورة الحالية تنبع من الهشاشة الأمنية التي ستكون نقطة ضعف للعملية السياسية، فالقوى الموقعة على الاتفاق لا بد أن تكون واعية لخطورة حدوث انتكاسة يتوقعها البعض لأن فلول النظام السابق لديها إمكانية للتحرك، بالتوازي مع معارضي الاتفاق الإطاري.
وغاب عن توقيع الاتفاق قوى “الحرية والتغيير – الكتلة الديمقراطية” وتضم حركات مسلحة وقوى مدنية، إضافة إلى الحزب الشيوعي ولجان المقاومة (نشطاء)، وتجمّع المهنيين السودانيين، ومجموعات كانت جزءا من النظام البائد حتى سقوطه.
وأشار أستاذ العلوم السياسية بجامعة أفريقيا الدولية محمد خليفة صديق إلى أن الحديث عن تمرّد مسلح هدفه الضغط للدفع باتجاه ضم الكتلة الديمقراطية إلى العملية السياسية وفقًا لشروطها، ما يتماشى مع تصريحات مماثلة صدرت عن رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبدالفتاح البرهان تحدث فيها عن أمله أن يكون الاتفاق شاملا.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن الحركات لا تملك القوة المسلحة التي تستطيع من خلالها عرقلة المسارات السياسية، ووجود مناوي في دارفور بصفته حاكما للإقليم ساهم في ذوبان قواته بين المواطنين، وإذا فكّر في حمل السلاح سيواجه باعتراضات، باعتباره المسؤول الأمني الأول واشتباكه مع قوات نظامية انتحار سياسي.
ولفت إلى أن وجود جيوش الحركات في الخرطوم ليس مؤشراً جيداً وهي توظف للضغط السياسي، لكن تلك العناصر تحت سيطرة قوات الجيش ولن تتمكن من التحرك بمفردها، ولا بد من إرغامها على العودة إلى مناطقها في الولايات المختلفة حتى لا تظل مهددا رئيسيا للانتقال الديمقراطي.