كريتر نت – متابعات
عادت وتيرة الهجوم والهجوم المضاد بين قناة الجزيرة القطرية وإعلاميين محسوبين على الحكومة المصرية، بعد فترة هدوء شهدت فيها العلاقات ودا لافتا على أعلى المستويات بين القاهرة والدوحة، في موقف بدا فيه هذا الود الرسمي وكأنه معزول عن التراشق الإعلامي، أو أن جهات من الصف الثاني تتصرف دون الرجوع إلى أعلى المستويات.
وشنت القناة القطرية حملة إعلامية استهدفت التركيز على أوضاع السجون في مصر وألحقتها بأخرى اتهمت فيها الحكومة المصرية بتعطيل منح المعارضين أوراق الثبوت الخاصة بهم في الخارج، وقادت منصاتها الرقمية هجومًا على افتتاح المركز الثقافي الإسلامي في العاصمة الإدارية الجديدة قبل أيام، مع تسليطها الضوء على فشل النظام المصري في التعامل مع الأزمة الاقتصادية.
وقال الإعلامي المصري نشأت الديهي القريب من الحكومة عبر برنامجه “بالورقة والقلم” على فضائية “تين” الأحد إن “القناة القطرية تخالف المهنية بشكل فجّ وعميق، وتركز مع الدولة لإحداث حالة من التشكيك والتشويه فيما يجري في مصر”.
ووجه النائب البرلماني والإعلامي مصطفى بكري هجومًا لاذعا أيضا في برنامجه “حقائق وأسرار” على فضائية “صدى البلد” للإعلامي المصري أحمد طه مذيع قناة “الجزيرة مباشر مصر”، وقال إنه “باع ضميره ووطنه للخونة، بعدما بدأ مسيرته في إحدى القنوات المصرية”، على خلفية حلقة سلطت فيها قناة الجزيرة الضوء على ما وصفته بأنه انتهاكات في السجون المصرية.
ولم تكن هذه اللهجة موجودة في خطاب الإعلاميين المصريين الأشهر الماضية التي شهدت فيها العلاقات المشتركة تحسنا بين القاهرة والدوحة، في حين لم تغيّر الجزيرة سياستها بشكل كامل وحافظت على نبرة معارضة نسبيا، لكن هذه النبرة بدأت بالتصعيد في قنواتها ومواقعها الإلكترونية ومنصاتها الرقمية أخيرا.
ويبدو أن القناة القطرية حاولت العودة إلى البث من القاهرة دون أن توقف انتقاداتها تماما للنظام المصري وتحافظ على هامش لأحقيتها في توجيه انتقادات للأوضاع في مصر، لكن هذه الصيغة لم تقبل بها القاهرة.
وهدّأت الجزيرة من وتيرة الهجوم كمناورة تحقق بها هدفها العاجل في العودة، وعندما وجدت أن التهدئة قد تُفقدها قطاعات تستهدفها من الجمهور المعارض بدأت تعيد البوصلة تدريجيا نحو منهجها السابق وتقيس بموجبه مدى تقبل القاهرة له.
ويشير هجوم إعلاميين مصريين أخيرا على الجزيرة إلى أن القاهرة تتعامل مع الدوحة بالمثل، الهدوء مقابل الهدوء، والتصعيد يفضي إلى تصعيد، حيث اختفت تماما الانتقادات الموجهة إلى قطر الفترة الماضية وظهر خطاب إيجابي مبالغ فيه أحيانا.
ويفتح تهرب القيادة القطرية من مسؤوليتها عمّا تنشره وتبثّه القناة والتأكيد على وجود إدارة مستقلة لها الباب لإفساح المجال أمام الإعلام المصري لاستعادة خطابات الكراهية بالحجة ذاتها، وكأن الخلاف ليس بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وإنما بين صحافيين ووسائل إعلام من البلدين تبدو وكأنها لم تساير التغييرات الأخيرة.
وقال الإعلامي مصطفى بكري لـ”العرب” إن الجزيرة تشن حملة مسمومة وممنهجة ضد الدولة المصرية تناقض توجهات القيادة القطرية التي تتقارب سياسيًا مع القاهرة، وإن استيلاء مجموعة من عناصر تنظيم الإخوان على القناة يُصعّب مهمّة تعديل خطابها المُعادي لمصر، وليس خافيا أن الحملة أخذت تتصاعد مع زيادة الحديث عن الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في مصر منتصف العام المقبل.
وأضاف أن الشبكة تتبنى سياسة معادية للمصالح المصرية وتحاول بشتى الطرق إفساد العلاقة بين القاهرة والدوحة لصالح خدمة تنظيم الإخوان، وما تنشره من أكاذيب في حاجة إلى الرد عليه من جانب الإعلام المصري، وأن فضح عناصر المنظومة الإعلامية للجزيرة مهم لتعريف المواطنين بأبعاد الحملات التي تستهدف بلدهم.
وسبق للقيادة القطرية أن وظفت الجزيرة للضغط على حكومات وأنظمة عربية عديدة، وليس مستبعدا أن يرتبط تصعيد الهجوم حاليا بسعي الدوحة للحصول على المزيد من الاستثمارات النوعية والاستحواذ على أصول بعينها، تطرحها القاهرة للبيع لحل أزمتها الاقتصادية، خاصة بالمؤسسات التي تعود إلى الجيش المصري.
وجاء الهجوم المتبادل في وقت عقدت فيه مصر وقطر الاجتماع الأول للجنة العسكرية المشتركة في القاهرة أخيرا بمشاركة رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية الفريق أسامة عسكر، ورئيس أركان القوات المسلحة القطرية الفريق سالم بن حمد العقيل النابت، ناهيك عن سلسلة من الزيارات المتبادلة لمسؤولين كبار من البلدين.
وتتعمد شبكة الجزيرة كثيرا ترك مساحات للمناورة، فهي لم تغير سياستها بشكل كامل حيال مصر، وتكتفي بتهدئة خطابها وفسح المجال لإظهار وجهة النظر المصرية في تقاريرها بعد أن غابت بشكل كبير منذ القطيعة التي حدثت بين بعض الدول العربية والدوحة.
ولم توجّه القاهرة دفة الإعلام المصري ضد قطر وتحاشت أن تظهر في تناقض فاضح بين تصوراتها وتصرفاتها السياسية وألزمت جميع الإعلاميين في المحطات والصحف التابعة للحكومة بتجنب توجيه انتقادات إلى قطر.
وفطنت دوائر مصرية إلى أن الجزيرة تحاول حصد مكاسب عودة العلاقات مع الدوحة والترويج لإمكانية عودتها إلى البث من القاهرة بلا تغير كبير في سياستها التحريرية، ما قاد إلى تجميد فتح مكتبها في القاهرة.
وأكد الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية ماهر فرغلي أن موضوع عودة قناة الجزيرة معقد وقد تراجع الحديث عنه، ما يشي بأن استعادة العلاقات بين القاهرة والدوحة لا تزال مهزوزة مع إدراك مصر أن قطر مازالت تموّل مراكز الفكر والقنوات الإخوانية الموجودة في الخارج.
وذكر فرغلي في تصريح لـ”العرب” أن “سياسة الجزيرة تجاه مصر تؤشر على وجود أذرع قطرية تعمل على تخريب العلاقة مع القاهرة، وأن قناة ‘الجزيرة مباشر مصر’ لم تتوقف لحظة عن الهجوم على الدولة المصرية، لكن النبرة اختلفت في باقي المنصات قبل أن تتزايد وتيرة الهجوم مؤخرا”.
ولفت إلى أن القاهرة تدرك حجم سيطرة تنظيم الإخوان على القناة وتغاضت عن هذا الملف ضمن مباحثات عودة العلاقات مع الدوحة وتلقت ردوداً من الدوحة بأن للقناة سياسة مستقلة، غير أن استمرار الهجوم جعل هناك إمكانية لوجود ردود مصرية.
ورفضت القاهرة الإفراج عن ثلاثة من صحافيي الجزيرة اتهموا في قضايا تتعلق بنشر أخبار كاذبة، وهو ما يفسر جانبا من تصعيد القناة القطرية لهجتها للضغط على مصر بعد أن قامت سلطاتها بإطلاق سراح أحد صحافيي القناة في سبتمبر الماضي.