خالد هدوي
تعكس مطالبة الاتحاد العام التونسي للشغل (منظمة نقابية) بتنقيح قانون الوظيفة العمومية في تونس، في وقت تمر فيه البلاد بأزمة مالية خانقة، تصعيدا سياسيا بنكهة اجتماعية مطلبية للضغط على الرئيس التونسي قيس سعيّد في ظل توتر العلاقة بين المنظمة النقابية والسلطة.
ودعا الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد) إلى تنقيح قانون الوظيفة العمومية، في خطوة يرى مراقبون من خلالها أن المنظمة تمارس ضغطا نقابيا واجتماعيا من أجل لعب دور سياسي وكسب ودّ منظوريها، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمات مالية واقتصادية خانقة.
ويقول مراقبون سياسيون إن اتحاد الشغل يسعى لتوظيف كل التحركات في البلاد لتذكير مختلف الأطراف وخاصة الرئيس التونسي قيس سعيد بأن الاتحاد طرف رئيسي في الساحة السياسية.
ولا تفوت المنظمة النقابية أي فرصة للقفز من مجالها الاجتماعي والنقابي إلى دائرة المشهد السياسي في تونس، وكثيرا ما تتصرّف كحزب سياسي بالاستناد إلى خزان العمال والدفاع عن حقوق الشغّالين.
وطالبت المنظمة بتنقيح قانون الوظيفة العمومية في تونس، معتبرة أنه مطلب نقابي لأكثر من 10 سنوات.
وتعتبر قيادات اتحاد الشغل أن هناك مطالب سابقة لتوفير منحة بطالة للمعطّلين عن العمل وفتح باب التوظيف والقيام بالإصلاحات التشريعيّة الضّرورية على غرار تنقيح مجلّة الشغل وقانون الوظيفة العمومية وقانون الاستثمار واستعجال النظر في مشروع القانون المتعلّق بتشغيل المعطلين عن العمل ممّن طالت بطالتهم.
وأوضح الأمين العام المساعد المكلف بقطاع الوظيفة العمومية بالاتّحاد العام التونسي للشغل محمد الشابي أنّ “القانون العام للوظيفة العمومية يتضمن أكثر من 150 فصلا”، موضّحا أنّه “تمّ الاتفاق على أغلبها ومنها خاصة المتعلقة بالانتداب والترقية والعطل والزيادة في الرواتب”.
وأضاف الشابي في تصريح لإذاعة محلية أنّ “هناك نقاطا خلافية بقيت عالقة بخصوص تنقيح قانون الوظيفة العمومية منها ما طرحته رئاسة الحكومة حول مسألة تنقل الموظفين من مؤسسة إلى أخرى، إضافة إلى الحقّ النقابي والتفرغ له إلى جانب نقطة تقييم فعالية أداء الموظفين العموميين لدفعهم إلى الاجتهاد والتميز”.
وأوضح أنّه “رغم التقدم في جزء كبير من النقاط محل النقاش بين الاتحاد والحكومة تظل ما بين 5 إلى 6 نقاط خلافية دون اتفاق نهائي، بالتالي سيتم رفعها إلى اللجنة العليا للتفاوض المشتركة بين رئاسة الحكومة واتحاد الشغل لمزيد من التفاوض والتشاور حولها”.
وتمّ الأسبوع الماضي عقد جلسة بقصر الحكومة بالقصبة جمعت رئيسة الحكومة نجلاء بودن مع مجموعة من ممثلي الهيئة العامة للوظيفة العمومية لاستعراض تقدم عدد من المحاور المدرجة ضمن الإستراتيجية الوطنية لتحديث الوظيفة العمومية على غرار مراجعة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، وإرساء آليات التصرف التقديري في الموارد البشرية، وإدراج مواصفات الجودة في التكوين، وتطوير نظام تقييم الموظفين العموميين وبرنامج المراجعات الوظيفية.
اتحاد الشغل يسعى لتوظيف كل التحركات في البلاد لتذكير مختلف الأطراف وخاصة الرئيس التونسي بأن الاتحاد طرف رئيسي في الساحة السياسية
وأكّدت نجلاء بودن على “الأهمية التي يكتسيها إصلاح الوظيفة العمومية ضمن البرنامج الوطني للإصلاحات”، داعية إلى “ضرورة اختصار آجال تنفيذ مختلف مشاريع تحديث الوظيفة العمومية والعمل على تكريس المقاربة التشاركية خلال مراحل التصور والتنفيذ”.
وحرص الاتحاد على مدار الأشهر الماضية على توظيف الأزمات التي تواجهها البلاد للتسويق لفكرة أن السلطة السياسية القائمة عاجزة عن إدارة الوضع في البلاد، في الوقت الذي تحذر فيه الأوساط من أن النهج التصعيدي الذي تتبناه قيادة المنظمة النقابية لن يزيد الوضع العام إلا تأزما.
وقال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة التونسية رافع الطبيب “ما لاحظناه في الفترة الأخيرة أن الاتحاد العام التونسي للشغل أصبح الاتحاد العام للموظفين، وغير موجود في القطاع الخاص”.
وأضاف لـ”العرب” أن “الاتحاد يعتبر أن تنقيح قانون الوظيفة العمومية هو الورقة الوحيدة لدفع منظوريه، ولم يعد يملك شعبية في الشارع ولا مساندة دولية، بل إن الشارع أصبح يشكّك في موقف المنظّمة، وخطاب الرابع مارس الماضي الأمين العام نورالدين الطبوبي كان له دور في ضرب اتحاد الشغل وفقد إثر ذلك الموقف مساندة جماهير عريضة”.
واعتبر رافع الطبيب أنه “لا يمكن الحديث عن تنقيح قانون الوظيفة العمومية في ظل الأزمات الخانقة التي تعيشها البلاد، فضلا عن وجود التزامات مع الممولين الدوليين، ومن غير المعقول أن يتمتع صنف كبير من الموظفين بـ17 راتبا شهريا في السنة”.
وأكّد أنه “لا حديث عن تنقيح قانون الوظيفة دون تقييم للمردودية في العمل، واتحاد الشغل لن يتمكن من تحقيق مبتغاه، كما أن الإدارة تحولت إلى ورم كبير”.
وتؤكد شخصيات سياسية أن المنظمة النقابية غير معنية بلعب دور سياسي نظرا إلى طبيعة دورها الاجتماعي، وأن على الاتحاد أن يغير البوصلة ويركز على دوره النقابي والتفاوض مع الحكومة بشكل مباشر بدل الهجوم عليها في الاجتماعات ووسائل الإعلام.
وتساءل ناجي جلول رئيس الائتلاف الوطني التونسي “متى لم يبحث اتحاد الشغل عن لعب دور سياسي؟ حيث أقحمه التوافق القائم بين حركة النهضة وحركة نداء تونس في سنة 2013، ودائما ما يقول إنه يلعب دورا وطنيا في البلاد”.
وقال في تصريح لـ”العرب” إن “اتحاد الشغل بقي في دوره التقليدي وهو منظمة نقابية مسيّسة، وآن الأوان لإنهاء دوره السياسي والاقتصار على لعب دوره الاجتماعي”.
وأردف جلول “الاقتصاد التونسي الآن لا يخلق فرص عمل، وهناك مشكلة في كتلة الأجور نظرا إلى العدد الضخم من الموظفين في القطاع العام، وتم إغراق الإدارة التونسية بالانتدابات العشوائية في فترة حكم الترويكا، وهذا ما يستدعي القيام بمراجعات جذرية”.
حكومة بودن تخطط لتقليص كتلة الأجور إلى 12.9 في المئة من الناتج الإجمالي للبلاد في أفق 2025 عبر حزمة خطوات
ومنذ 25 يوليو 2021 اعتمد الاتحاد العام التونسي للشغل إستراتيجية مزدوجة في علاقته بالتغيير الذي قاده الرئيس سعيد بإنهاء عمل البرلمان ولاحقا من خلال اتخاذ إجراءات تضع سلطة القرار بيده.
ودعمت المنظمة ما قام به سعيد من إنهاء لعمل البرلمان ووصفت تلك الخطوة بأنها ضرورية وأنها مطلب شعبي، غير أنها ظلت تناكف هذا التغيير من أجل البحث عن دور سياسي في المرحلة الجديدة.
وتواجه تونس أزمة مالية واقتصادية خانقة، وهي تسعى للحصول على تسهيلات للاقتراض من صندوق النقد الدولي من أجل تجاوز هذه الأزمة في ظل انعدام الخيارات.
وتعوّل تونس على موافقة الصندوق على منحها قرضا بقيمة 1.9 مليار دولار لإصلاح توازناتها المالية وتمويل ميزانيتها وفتح الآفاق لإبرام اتفاقات مالية مع أطراف مانحة أخرى، مقابل الالتزام بحزمة إصلاحات تشمل نظام الدعم والمؤسسات العمومية المتعثرة والتحكم في كتلة الرواتب وغيرها من الإصلاحات الأخرى.
وتخطط حكومة بودن لتقليص كتلة الأجور إلى 12.9 في المئة من الناتج الإجمالي للبلاد في أفق 2025 عبر حزمة خطوات، ضمنتها في إطار برنامج الإصلاح الذي تتفاوض بشأنه مع الممولين، من بينها الاقتصار على الانتدابات في القطاعات ذات الأولوية.
وستكتفي الحكومة بالانتدابات الجديدة في قطاعي الصحة والتعليم في وقت ستعمل فيه على إيقاف العمل بصيغة التعاقد بعقود طويلة الأجل مع عمال الحضائر سواء على المستوى الوطني أو الجهوي أو المحلي أو على مستوى المؤسسات العمومية.
المصدر العرب اللندنية