كريتر نت – متابعات
كتاب “روابط ممزقة” جهد دؤوب مشترك نهض به ثلاثة مؤلفين، الأول هو عبد الرحمن عيّاش باحث في “سينشري فاونديشن”، ومدير مجموعة العمل الخاصة بدراسة جماعة الإخوان المسلمين المصرية، ويُعتبر باحثًا متخصصًا في الحركات الإسلامية، وقد حاز العديد من الجوائز، ويُشار إلى كونه عضوًا سابقًا في جماعة الإخوان المسلمين. أما عمرو العفيفي، فطالب دكتوراه في جامعة “سيراكيوز” يبحث العلاقة بين الصدمات النفسية والمشاركة السياسية، وهو أيضًا مدير الأبحاث في “مبادرة الحرية”، حيث يُركز عمله على ظروف الاحتجاز، وكيف تؤثّر على السجناء السياسيين وذويهم. وأخيرًا نُهى عزت كاتبة وباحثة تُركز أعمالها على الجغرافيا السياسية، وعلم الاجتماع السياسي والتاريخي، خاصة المتعلق بمصر وتركيا وإيران.
أزمة وجودية للإخوان المسلمين
يبحر كتاب “روابط ممزقة” عميقًا في الأزمة التي عاشها الإخوان في العقد الماضي، ويتناول ذلك من زاوية فريدة تمزج المنظور الداخلي للجماعة، والتي قدمها عبد الرحمن عيّاش -العضو السابق في التنظيم- وتجارب المؤلفين الآخرين اللذين تأثّرا بشكلٍ مباشر بالتغيرات السياسية والاجتماعية التي حدثت في مصر منذ عام 2011، مع تبني نهجٍ أكاديمي تحليلي صارم للكُتاب الثلاثة خلال تأليف الكتاب لجعله منضبطًا علميًا.
يشرح عيّاش وعزت والعفيفي في هذا الكتاب كيف وصل التنظيم الإسلاموي الأكثر نفوذًا في العالم الحديث إلى هذه المرحلة من الأزمة الوجودية، ومستقبله المحتمل بعد ذلك. ولا شك أن هذا التحليل يتأثّر بتجاربهم الشخصية. على حد تعبير المؤلفين: لقد “نشأ جيلنا مؤمنًا برؤية الإخوان المسلمين، واكتشف واقعًا لا يرقى إلى المستوى المثالي”.
في بعض النواحي، لم تتعافَ جماعة الإخوان أبدًا من أزمات الشرعية والهوية التي أعقبت اغتيال مؤسّسها حسن البنا في عام 1949. لم يترك البنا وراءه تعليمات مفصّلة، بل إرشادات عامة فقط، ولم يأتِ مرشدٌ مثله للإخوان، يتمتع بكاريزما مماثلة لملء الفراغ الذي تركه البنا. الأجيال المتعاقبة فسّرت هذه المبادئ التوجيهية بشكلٍ مختلف.
وفقًا للكتاب، يواجه الإخوان اليوم ثلاث أزماتٍ كبرى: أزمة هوية، وأزمة شرعية، وأزمة عضوية. بعد مرور عقد على عام 2013 الذي أطيح فيه بمحمد مرسي، أحد عناصر جماعة الإخوان المسلمين الذي شغل منصب الرئيس المنتخب لمصر لمدة عام، لا يزال التنظيم ممزقًا تائهًا بين طريق مسدود في السياسة المصرية وأزمات مُعقدة داخل صفوفه. هذه الأزمات تظهر بجلاء على تحركات التنظيم وتصرفاته. وما لم تُحل، فإنها قد تهدِّد بقاء التنظيم وفعاليته. هذا هو التهديد الوجودي الأكبر الذي تواجهه جماعة الإخوان حتى الآن، وإذا فشلت عملية إعادة التشكيل الثالثة الجارية حاليًا في معالجة بعض هذه القضايا، فقد يكون محكومًا على الجماعة بالتيه والفوضى.
إضافة إلى ذلك، يُسلّط الكتاب الضوءَ على الكيفية التي تواجه بها جماعة الإخوان المسلمين، وهي منظمة وحركة اجتماعية وسياسية، أسوأ حملة مضادة بهذه القوة تمر بها في تاريخها، وكيف تشكِّل ديناميتها الداخلية مستقبلها. من جانبٍ آخر، يحلل الكتاب سمة مهمة لدى التنظيم وهي القدرة على التكيّف، ويحاول المؤلفون الثلاثة تشريحها وفهمها، ويرون أن القدرة على التكيف تجعل من السابق لأوانه كتابة نعي للحركة، رغم وجود أعضائها الأكثر نشاطًا إما خلف القضبان، وإما يعيشون في منفى لا يرحم.
ماذا نعني بـ “الإخوان”
بدلًا من النظر حصريًا -مثل العديد من الأعمال الأخرى- على الشطر الخاص بـ”المسلمين” من اسم جماعة “الإخوان المسلمين”، يُركز الكتاب على جانب “الإخوان”، الشطر الأول من الاسم. إن التفاعلات بين الأعضاء وقادتهم، والشعور بالأخوة بين الأعضاء العاديين، وشعور الأتباع بأنهم جزء من عائلة ممتدة توفر الأمن والدعم هي أكثر أهمية للتحليل من الدين. أخذ هذه المعلومات غير القابلة للقياس في الاعتبار يقود إلى فهمٍ أفضل للديناميات الداخلية للجماعة، وعمليات صنع القرار.
من خلال المقدمة الطويلة التي صاغها عيّاش تبدأ رحلتنا داخل التنظيم. وعلى الرغم من أن المؤلف حضر اجتماعه الأسبوعي الأخير فيما يُعرف بـ”الأسرة” في ديسمبر 2010، فإن جماعة الإخوان المسلمين لا تزال تستحوذ على جزءٍ كبيرٍ من اهتمامه الشخصي، فضلًا على اهتمامه المهني كصحفي وباحث.
يتذكّر عياش ما يلي:
“لقد وفَّرت جماعة الإخوان مجتمعًا لي، وللعديد من الشباب المصريين الآخرين. نشأ بعضهم ليكون لديهم أشكال عدة من الارتباط بالجماعة، وصعد آخرون ليصبحوا أعضاء رفيعي المستوى وقادة من المستوى المتوسط. تمنح جماعة الإخوان المسلمين أعضاءها دائرة اجتماعية آمنة، ومصدر رزق. إذا كنت عضوًا وأيضًا صاحب عمل أو طبيبًا أو محاسبًا أو مهندسًا أو (خاصة) محاميًا، فسوف تضمن الزبائن. وإلى جانب فوائد عضوية الإخوان، تأتي المخاطر: فالأخ (بلغة الجماعة) يعرف أنه من المحتمل أن يعتقل في مرحلةٍ ما. ويعلم أيضًا أن أسرته ستحظى برعاية جيدة أثناء احتجازه. اعتاد الإخوان على تزويد عائلات المعتقلين بالرواتب نفسها التي كان يتقاضاها مُعيلهم قبل الاعتقال، والحفاظ على نمط الحياة الذي اعتادت عليه هذه العائلات، وحتى دفع تكاليف مدارس أطفالهم الخاصة”.
ورغم المقاطع التي يمكن للقارئ أن يشعر فيها بالحنين إلى الماضي، والتسامح مع عيوب الإخوان، والتي تظهر في بعض الأحيان في الكتاب، فإن الأخ السابق (عياش) وزملاءه قادرون على وصف التنظيم بعقلانية. ويبرز المؤلفون أنه لا يمكن لأي عضو أن يصف جماعة الإخوان بأنها مجرد حزب سياسي أو حركة اجتماعية أو طائفة دينية، فهي كل ما سبق. في الواقع، من أجل إعادة تأسيس ما وصفه بـ”أستاذية العالم”، أنشأ البنا عمدًا نظام الدعم الشامل لجماعة الإخوان المسلمين لتحقيق هذه الأهداف.
كعضو شاب في التنظيم -الذي عرفه منذ طفولته- يتذكّر عيّاش ما يعنيه أن تكون مُحاطًا بهذا النظام الشامل حتى في أوقات التغيير والشدّة. ففي عام 2004، على سبيل المثال، فرض مكتب الإرشاد، وهو أعلى كيان تنفيذي في جماعة الإخوان، ما يُسمى بإعلان الهوية، الذي بموجبه سيبدأ الأعضاء استخدام اسم جماعة الإخوان المسلمين علنًا. وحتى ذلك الحين، كانت الجماعات التابعة للإخوان تستخدم أسماء مستعارة.
فعلى سبيل المثال، أطلق طلاب الإخوان في الجامعة على أنفسهم اسم “طلاب التيار الإسلامي”. بالطبع، كانت السلطات المصرية تعرف أنهم يتبعون جماعة الإخوان، لكن استخدام اسم مختلف أبقى على فكرة أن التنظيم ليس لديه طموحات سياسية مصرية علنية. ولكن بعد إعلان الهوية، وقّع هؤلاء الطلاب على منشوراتهم باسم “طلاب الإخوان المسلمين”.
القدرة على التكيف وخيبة الأمل
في الوقت نفسه تقريبًا، بدأ الإخوان في الاستفادة من الإنترنت. قاد الأعضاء الشباب مبادرة تبني تقنيات الاتصالات الجديدة هذه، حيث كان الإخوان في البداية بطيئين في تبنيها. ومع ذلك، كان هناك عدد قليل من القادة في جماعة الإخوان الذين رأوا في عالم التدوين فرصة لإنعاش الجماعة:
“في عام 2007، طلب مني خالد حمزة، خبير إعلامي في جماعة الإخوان، أن أعمل تحت إمرته في “إخوان ويب” (ikhwanweb.com)، الموقع الرسمي للإخوان باللغة الإنجليزية، في الحملة ضد إحالة المدنيين إلى المحاكمات العسكرية. كان الشاطر وغيره من قادة الإخوان قد أحيلوا للتو إلى محاكماتٍ عسكرية، وحشدت جماعة الإخوان المدافعين عن حقوق الإنسان، ومنظمات المجتمع المدني، وعلماء الإسلام في جميع أنحاء العالم، للتنديد بهذه المحاكمات. كنت في السابعة عشرة من عمري فقط، وكنت على وشك مقابلة رمزي كلارك -شخصية مثيرة للجدل، وناقد بارز للسياسة الخارجية الأمريكية، وشغل منصب المدعي العام الأمريكي في السابق- عند وصوله إلى مصر لدعم قضية الإخوان من خلال مراقبة المحاكمة (التي منعته السلطات المصرية من حضورها)”.
نجحت الحملة في جذب انتباه المجتمع المدني إلى الأزمة التي حلّت بجماعة الإخوان. لكنها سّلطت الضوء أيضًا على بعض أفكار الجماعة الأكثر إثارة للجدل، التي عبرت عنها في ذلك العام في أول برنامج حزبي لها على الإطلاق”.
في بعض الأقسام الأكثر إثارة للاهتمام في هذه الرواية الشخصية، يشرح عيّاش بداية مشاعر خيبة الأمل تجاه جماعة الإخوان. بعض الأفكار التي انتشرت في عام 2010، مثل اقتراح إنشاء مجلس منتخب من علماء الدين لمراجعة التشريعات، وتنحية النساء والمسيحيين من رئاسة الدولة ورئاسة الوزراء، تسببت في خلاف كبير داخل جماعة الإخوان المسلمين، حيث اختلفت معهم بشدة، وكتبت تدوينات تنتقد المنصة، التي التقطتها وسائل الإعلام الوطنية.
لم يمر سلوك التفكير الحر هذا من دون أن يلاحظه أحد، وبعد بضعة أشهر استدعى محمد مرسي -الذي كان آنذاك عضوًا في مكتب الإرشاد في الجماعة، ورئيس لجنتها السياسية- عيَّاش إلى مكتبه:
“إذا كانت لديك تفضيلات أخرى، فإن المساحة مفتوحة [لترك جماعة الإخوان والانضمام إلى جماعات أخرى] لكن مصر بحاجة إلى جهدك وطاقتك”.
كان الاجتماع هو المرة الأولى التي يفكّر فيها في ترك جماعة الإخوان. غادر جماعة الإخوان المسلمين، ثم انتقل في عام 2013، من مصر، للعيش في تركيا.
الإخوان في المنفى
واليوم، تفرّق شمل قادة وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين المصرية، ويحيا جزء كبير منهم في تركيا -حيث يوجد ما لا يقل عن 15000- وفي دول الخليج والسودان، وبريطانيا وأماكن أخرى. وأضحى التنظيم ممزقًا وهائمًا، أكثر مما كان عليه في أي وقتٍ مضى في تاريخه الذي يمتد لأربعةٍ وتسعين عامًا.
ومع ذلك ورغم أزماتهم غير المسبوقة، يشير المؤلفون إلى أن التكوين الاجتماعي والسياسي الإسلامي للتنظيم ما زال جزءًا لا مفرّ منه من التفاعلات والسياسات في الشرق الأوسط وخارجه. في السنوات التي سبقت عام 2011، ناقش المثقفون المصريون بحماس الدراسات التي توقعت أفول “الإسلام السياسي”. تخيّلت مجموعة متنوعة من الباحثين، بمن فيهم آصف بيات وجيل كيبيل وأوليفييه روي، “عالم ما بعد الإسلاموية”، عالمٌ يتخلى فيه الإسلاميون عن المثالية لمصلحة البرجماتية، تاركين منظماتهم والعمل “خارج إطار الحركات”. ووفقًا لهذا المنظور، كان الإسلاميون يتراجعون عن المجال العام للتركيز على التديّن الشخصي، أو أنهم ببساطة لم يعودوا ذوي صلة بها. بعد أقل من عقد من نشر هؤلاء الباحثين لأفكارهم، أصبح الإسلاميون، بألوانهم المختلفة، لاعبين رئيسيين وحصلوا على أصوات عشرات الملايين، ولهم تأثير هائل على السياسة المعاصرة في العديد من البلدان العربية. يظهر هذا الكتاب أن التشكيلات الاجتماعية والسياسية الإسلامية ليست حيّة ونابضة بالحياة فحسب، بل إنها قد تظل قادرة أيضًا على التأثير على حاضر المنطقة ومستقبلها.
أزمات عميقة تواجه الجماعة
تناول الكتاب أزماتٍ ثلاثًا تواجه التنظيم، هي: الهوية، والشرعية، والعضوية. يناقش الفصل الأول أزمة هوية جماعة الإخوان، ويُلقي الضوء على التطور التاريخي للجماعة، وكيف تحوّلت في ظل موجات مختلفة من القمع والسياقات السياسية المتغيّرة. بدءًا من تأسيس البنا للتنظيم في العام 1928، ويتتبع الفصل المنعطفات الحرجة التي تفاعل فيها الإخوان مع التغيرات الاجتماعية والسياسية.
أما أزمة الشرعية لجماعة الإخوان المسلمين، فيناقشها الفصل الثاني من خلال تقديم روايات عن حملة المواجهة الأمنية من الحكومة المصرية التي تعرضت لها الجماعة في عام 2013 وكيف تعاملت جماعة الإخوان، كتنظيم، مع فراغ قيادتها. استنادًا إلى مقابلاتٍ عدة مع قادة وأعضاء حاليين وسابقين في جماعة الإخوان المسلمين، يحلِّل الفصل الصراعات على السلطة داخل الجماعة، وكيف حاولت الإجابة على أسئلة العنف ووجودها الدولي والانقسامات الداخلية حول السلطة والموارد. يسرد الفصل الثاني بالتفصيل وجهات النظر المختلفة للفصائل المتنافسة داخل قيادة جماعة الإخوان، وكيف تمكّن فصيل واحد من السيطرة على الجماعة، من خلال مجموعة معقدة من التحركات الأيديولوجية والمالية والتنظيمية.
ويناقش الفصل الثالث أزمة عضوية جماعة الإخوان المسلمين، أي نزوح الأعضاء النشطين من صفوفها. ويستند الفصل إلى مقابلاتٍ مع أعضاء حاليين وسابقين في جماعة الإخوان، حيث وجهت لهم أسئلة حول التجربة التي عايشوها كون العضو، أخًا أو أختًا في الجماعة، في أعقاب أحداث رابعة في أغسطس 2013، بما في ذلك في المنفى الذي أعقب ذلك. ولأزمة العضوية هذه جانبان رئيسيان: أولًا، التنظيم غير قادر على توفير جيلٍ من الأعضاء بالطريقة نفسها التي كانت عليها للأجيال السابقة. وثانيًا، يمر الأعضاء أنفسهم بسلسلةٍ من الأزمات المتداخلة والمستمرة التي يفرضها كلٌّ من جماعة الإخوان ونظام الرئيس عبد الفتاح السيسي الحالي في مصر. ومن نواحٍ كثيرةٍ، فإن أزمة العضوية هي نتيجة لأزمتي الهوية والشرعية. لقد ترك الناس التنظيم لأسبابٍ متنوعة. يقول البعض إن جماعة الإخوان المسلمين “ليست إخوانية بما فيه الكفاية”. وفقد آخرون الثقة في القيادة. تركها البعض لأنهم أكثر أيديولوجية من الإخوان، فيما وجد آخرون أن جماعة الإخوان مفرطة في الأيديولوجية.
ووفقًا للمؤلفين الثلاثة، فإن أزمة العضوية هي مظهر من مظاهر أزمتي الشرعية والهوية اللتين نوقشتا في الفصلين السابقين. في هذه اللحظة الانتقالية، ضاع الكثير في محاولة الحفاظ على قدسية التنظيم وتلبية احتياجات الإخوة والأخوات وعائلاتهم.
الخطوط الفاصلة بين ما هو شخصي وما هو سياسي أو تنظيمي لم تعد واضحة، وكثيرًا ما تدفع الفئات الأكثر ضعفًا الثمن. وتتعامل جماعة الإخوان مع جيل عانى من محنة، كما كان يتعامل كبار الأعضاء، وبالتالي تتحدى الادّعاءات التقليدية بالشرعية القائمة على المحنة. وعلاوة على ذلك، أدّى السياق الاجتماعي والسياسي المتغيّر إلى تقليص فعالية آلياتها التقليدية في التجنيد والاحتفاظ بالأعضاء.
من بين الأفكار المهمة، التي يشاركهم فيها مراقبو جماعة الإخوان الأكثر حساسية، أن تجارب وتحديات الأعضاء أنفسهم، عبر مختلف الدول، ربما تكون الآن متباينة للغاية، بحيث لا يمكن وضعها في سلة واحدة.
بناءً على مقابلات مع أعضاء حاليين وسابقين في جماعة الإخوان المسلمين حول تجربتهم الحيّة كأخوة أو أخوات في أعقاب أحداث رابعة مباشرة، وتجاربهم في المنفى بعد ذلك، يقدم الفصل قصة مرتبة ترتيبًا زمنيًا لبعض أهم اللحظات في حياتهم، وبالتالي داخل المنظمة.
الخلاصة
يلخص عنوان الخاتمة “لم تُهزم، ولكن لا طريق إلى النصر” بشكلٍ جيد الوضع الحالي لجماعة الإخوان المسلمين، ومحتويات “روابط ممزقة”. فهم جماعة الإخوان المسلمين يعني فهم كيف صمدت وتغيَّرت خلال موجات القمع المتتالية، وكيف أثّرت هذه التطورات بشكلٍ مختلف على التنظيم وأعضائه. وقد أثّرت موجات المواجهة الأمنية على كيف ينظر التنظيم إلى نفسه، وكيف يتصرّف، وكيف يُجنّد الأعضاء ويحتفظ بهم. إن تعقيد دراسة التنظيم، من نواحٍ كثيرةٍ، يُظهر تعقيد فهم المشاركة السياسية والاجتماعية في السياقات الاستبدادية، وشكل من أشكال القدرة السياسية ما بعد الاستعمارية التي كانت قادرة على الصمود أمام عقود من التدقيق الأمني الرسمي.
لقد تجاوزت جماعة الإخوان المسلمين المصرية الخطوط الفاصلة بين المشاركة السياسية، والإصلاح الاجتماعي والأخلاقي، والدعوة الدينية. وفي مصر، امتدت أنشطتها إلى الترشُّح للنقابات المهنية، وتقديم ملاحظات وملخصات دراسية لطلاب الجامعات بأسعار اقتصادية، وتوفير احتياجات الفقراء، وعقد اجتماعات أسبوعية مع الأعضاء يقرأون فيها النصوص الدينية من أجل التنمية الروحية والاجتماعية. أن تكون عضوًا يعني أن تكون مُحاطًا بحياة تبدو أكثر نشاطًا وذات مغزى من متوسط الحياة المتاحة لمعظم المصريين.
ومع ذلك، نما التنظيم بشكلٍ متفاوت للغاية، مما ساهم فيما أسميناه أزمة الهوية. كلما أغلقت الدولة بابًا، رأى الإخوان في تنظيماتٍ أخرى في المجتمع (الجامعات والنقابات، من بين أمورٍ أخرى) نافذة بديلة. كان الرد على ذلك يتمثل في “أسلوب العمل” الذي تنتهجه الجماعة، وبالنظر إلى مجموعة التحديات والتهديدات المستمرة التي كان عليها مواجهتها، من يمكنه إلقاء اللوم عليها؟ لكن هذه الاستراتيجية، على المدى الطويل، منعت جماعة الإخوان من الحصول على اعترافٍ إيجابي بها أو بأهدافها.
إن وصول الإخوان إلى القرى البعيدة في مصر وأكثر من ثمانين دولة حول العالم يخلق شعورًا بين أفراد التنظيم بأنه تنظيم لا يُقهر. خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2012، كان لجماعة الإخوان ممثلون في كل دائرة انتخابية في جميع أنحاء مصر. وقد أتاح لهم وجودهم بإعلان نتائج الانتخابات -فوز مرسي- بدقة كبيرة، قبل وقتٍ طويل من قيام هيئة الانتخابات المصرية بإعلانها. ومع ذلك، يبقى السؤال ما إذا كان هذا الشعور بالمناعة هو أسطورة أكثر من واقع.
في مصر، سوف تستمر جماعة الإخوان المسلمين في اكتساب القوة الشعبية، لأنها تستفيد من أشياء لم تتمكّن أي جماعة أخرى من الاستفادة منها على نحو فعّال. أولًا، تقوم جماعة الإخوان المسلمين على الدين والحنين الديني، وهذه استراتيجية استخدمتها الدولة في عهد السيسي أيضًا. ثانيًا، تتبنى جماعة الإخوان خطاب المظلومية، والمعاملة اللا إنسانية التي يتعرضون لها من قبل الدولة، وتدعم هذا الخطاب بشكلٍ متزايد بين الدائرة الآخذة في الاتساع لضحايا الدولة الاقتصاديين والسياسيين. وأخيرًا، تلعب جماعة الإخوان المسلمين على أحلام الطبقة الوسطى في مصر بأن تكون ذات صلة ومسموعة ومدعومة. وفي غياب مجتمع مدني حقيقي أو إمكانية مشاركة سياسية ذات مغزى يمكن أن تجذب الطبقة الوسطى، لن يكون هناك مكان لملايين المصريين لممارسة العمل السياسي والاجتماعي سوى الانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين وأمثالها.
ليس هناك شك في أن الطريقة التي تتعامل بها الدولة مع جماعة الإخوان المسلمين قد قلّصت قدرات التجنيد لدى الجماعة، لكن التاريخ يشير إلى أن الانتكاسة ستكون مؤقتة. إن أسباب شعبية جماعة الإخوان المسلمين متأصلة في إخفاقات الدولة في التعامل مع مشكلات المجتمع، ولا يمكن الحفاظ على النهج الأمني إلى ما لا نهاية. لذلك، عندما تخفّف الدولة قبضتها على سكان مصر، فإن المدرسة الفكرية التي أسّسها حسن البنا المتجذرة في قرون من الفكر السياسي الإسلامي، ستجد جمهورًا جديدًا تعرف كيف تخاطبه، والأعداء القدامى أنفسهم الذين تعرف كيف تصبر عليهم، وربما تكون قد تعلّمت كيف تتفوق عليهم بشكلٍ أفضل.
“روابط ممزقة” كتاب مثير للاهتمام يُركّز على معنى ومغزى الشطر الأول من اسم جماعة “الإخوان المسلمين”، ما يثري فهم القرّاء بشأن تعقيد التنظيم، والأزمات التي يعيشها اليوم، والدور الذي قد لا يزال قادرًا على القيام به في المستقبل.
المصدر “عين أوروبية على التطرف”