رشا عما
صحفية مصرية
يبدو أنّ خارطة التحالفات الدولية ستشهد تغيرات جذرية خلال العام الجاري، نتيجة جملة من التداعيات التي تسهم بشكل كبير في رسم تحالفات جديدة، في مقدمتها الحرب الأوكرانية وما تبعها من أزمات، تتعلق بالاقتصاد في المقام الأول، ويبرز في صدارة تلك الخارطة الجديدة التوجه الأوروبي نحو الصين كشريك سياسي واقتصادي جديد، إلى جانب الولايات المتحدة التي ظلت دائماً الصديق الأقرب إلى المعسكر الأوروبي.
خلال الأسابيع الماضية، برزت الصين كمحور إقليمي ودولي يمكن الاعتماد عليه في حل الأزمة الأوكرانية، التي باتت أكثر تعقيداً في الوقت الراهن في ضوء التشاحن المتصاعد بين الولايات المتحدة والأوروبيين من جهة، وبين روسيا من جهة أخرى، إلى جانب قدرتها بالحفاظ على وضعها الاقتصادي في ضوء تبعات صعبة للأزمة على الاقتصاد العالمي، الأمر الذي جعلها بوصلة نظر أوروبا.
زيارة ماكرون التاريخية… ماذا في جعبته؟
وصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الصين اليوم، مصطحباً رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، في زيارة تستمر من 5 إلى 9 نيسان (أبريل) الجاري، يصفها مراقبون بأنّها تاريخية، وتسعى لفتح صفحة جديدة من التقارب بين الصين وأوروبا، خاصة في ضوء إعلان الصين عزمها التوسط لدى موسكو لحلّ الأزمة الأوكرانية دبلوماسياً.
وتتصدر الحرب في أوكرانيا أولوية الملفات التي سيناقشها ماكرون، بحسب ما أعلن الإليزيه، لكنّ المناقشات لا تخلو أيضاً من تنسيق التعاون المشترك بين البلدين، ولا سيّما في المجال الاقتصادي، خاصة أنّ توقيت الزيارة يتزامن مع توترات محلية كبيرة داخل فرنسا، فضلاً عن الأزمة الطاحنة التي يشهدها الاقتصاد العالمي.
وتقول الرئاسة الفرنسية: إنّ المباحثات في بداية نيسان (أبريل) “ستركز أيضاً على الأزمات الدولية في الشرق الأوسط وأفريقيا والتوترات في منطقة المحيطين الهندي والهادئ”.
وأضافت أنّ “إعادة فتح الصين بعد الجائحة يتيح الفرصة لإعادة إطلاق دينامية العلاقات الفرنسية ـالصينية على كل الأصعدة، في وقت تتطلب فيه التوترات والأزمات الدولية أكثر من أيّ وقت مضى إعطاء أفق لهذه الشراكة الاستراتيجية”.
وأوضح الإليزيه في بيانه أنّ الزيارة ستتضمن (3) محاور رئيسية؛ هي: القضايا الاستراتيجية والأزمات الدولية، والتعاون في مواجهة التحديات العالمية الكبرى، والعلاقات الاقتصادية.
وساطة صينية لإنهاء الحرب… كيف تراها أطراف النزاع؟
قبل أيام، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال لقاء جمعه في موسكو مع نظيره الصيني شي جين بينغ، أنّ خطة السلام الصينية الخاصة بأوكرانيا يمكن أن تكون أساساً لإنهاء الحرب الحالية، لكنّه اشترط أن تكون كييف إلى جانب حلفائها الأوروبيين مستعدين لذلك.
وكشفت الصين عن خطتها الشهر الماضي، لكنّها لم تدعُ روسيا بشكل صريح إلى الانسحاب من أوكرانيا، وتشمل الخطة، بحسب “BBC”، (12) نقطة، وتدعو إلى إجراء محادثات سلام، واحترام السيادة الوطنية، دون تقديم مقترحات محددة.
وينص الإعلان الصيني الموجود على موقع وزارة الخارجية الصينية على احترام سيادة كل الدول، والتخلي عن عقلية الحرب الباردة، ولا يوجد هناك حل سهل لقضية معقدة، ووقف الأعمال العدائية، واستئناف محادثات السلام، وإيجاد حل للأزمة الإنسانية، وحماية المدنيين وتبادل أسرى الحرب، والحفاظ على سلامة المنشآت النووية، وتقليص الأخطار الاستراتيجية، وتسهيل تصدير الحبوب، ووقف العقوبات الأحادية الجانب، وتهيئة الظروف للدول النامية من أجل تعزيز اقتصاداتها وتحسين حياة شعوبها، والحفاظ على استقرار سلاسل الصناعة والتوريد، ودعم مرحلة إعادة الإعمار.
ومن جهتها، ترى أوروبا في الوساطة الصينية حلاً منطقياً للأزمة المتفاقمة في أوكرانيا، لكنّ الولايات المتحدة تبدو مترددة في قبول الوساطة، وقد انعكس ذلك من خلال تصريحات وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، حين قال: إنّ “الدعوة إلى وقف إطلاق النار قبل انسحاب روسيا ستدعم بشكل فعال الإقرار بالغزو الروسي”.
انقسام أوروبي حول الصين وتصادم مع واشنطن
في حين يرحب الاتحاد الأوروبي بخطوات الصين لحل الأزمة المحتدمة في أوكرانيا، إلا أنّه ما يزال يشهد انقساماً فيما يتعلق بفتح علاقات قوية للتعاون مع بكين.
وتقول الكاتبة السياسية دانة العنزي، في مقال كتبته لموقع (العربية) في 22 آذار (مارس) الماضي: إنّ “الانقسام (الأوروبي-الأوروبي)، و(الأوروبي -الأمريكي)، حول الصين ليس جديداً، إذ على الرغم من تحمس الأوروبيين للانضمام إلى ما يُدعى تحالف الديمقراطيات الذي دعا إليه الرئيس بايدن، والموجه بالأساس لاحتواء الصين، إلا أنّ الأوروبيين، وخاصة الدول الكبرى كفرنسا وألمانيا وإيطاليا، لديها مخاوفها، إضافة إلى أنّ الاستراتيجية التي تريد التعاطي بها مع الصين، تختلف تماماً عن مخاوف واستراتيجية واشنطن.
ووفق العنزي، “يعتبر الأوروبيون الصين مجرد تهديد كبير، وليس خطيراً، على استقلالية قرارهم الاقتصادي والقيم الغربية الليبرالية. وبالتالي، فأقصى ما يبغون هو تحجيم هذا التهديد بقدر ما، حيث يتجنبون تماماً الانخراط في صراع تصادمي حاد مع الصين كما أعربوا مراراً في السابق”.
بينما على الطرف الآخر، تعتبر واشنطن الصين أكبر تحدٍّ جيواستراتيجي للهيمنة الأمريكية في النظام الدولي، وتنخرط منذ إدارة الرئيس أوباما في حرب باردة متعددة الجبهات، لتقويض التحدي الصيني تماماً كما فعلت مع الاتحاد السوفييتي، وقد تتجه صوب صراع جيوسياسي وعسكري مدمر إذا استمرت وتيرة التصعيد، خصوصاً في تايوان وبحر الصين الجنوبي.
لماذا تتمسك أوروبا إذاً بالتقارب مع بكين؟
يرى الباحث في الشؤون السياسية، المقيم في ألمانيا، نبيل شبيب، أنّ “السياسات الأوروبية تجاه الصين تتميز بالمصالح الكبيرة المتبادلة”، ويشير في تصريحات لشبكة “سكاي نيوز” إلى جملة دوافع تقف وراء التوجه الأوروبي نحو الصين، أبرزها تحركات دولية في اتجاه توازن المصالح مع تشكل ملامح “التعددية القطبية”، أيضاً نجاح الوساطة الصينية في إنهاء الخلاف بين السعودية وإيران، الأمر الذي يمنحها ثقلاً كبيراً على مستوى العلاقات الدولية.
وبحسب شبيب، تبدو فرنسا حريصة على تأكيد دورها القيادي في أوروبا بمبادرتها توجيه أوروبا نحو الصين، وقد انعكس ذلك في طلب ماكرون مرافقة فون دير لاين حتى تكون الزيارة “أوروبية ـ صينية” وليست “فرنسية ـ صينية”.
كما تستهدف زيارة الرئيس الفرنسي معرفة الموقف الصيني حول الحرب في أوكرانيا، ومحاولة “تحييد الصين” بعد تصريحات روسية بشأن الأسلحة النووية.
المصدر حفريات