أحمد حرمل
ضجت المواقع الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي بالتصريحات والتحليلات والتسريبات حول نتائج حوار مسقط بين السعودية ومليشيات الحوثي واجتماعات الرياض التي يرعاها الأمير خالد بن عبدالعزيز وزير الدفاع السعودي بين أطراف الشرعية وقيادات سعودية .
ما تم تسريبه وما قاله فرج البحسني عضو مجلس القيادة الرئاسي لصحيفة “الشرق الأوسط” الجديد فيه هو انسحاب قوات التحالف وإعادة الإعمار وتعويض المتضررين أما بقية القضايا سبق وأن تم طرحها وجرى التوافق عليها في مرات سابقة وفي كل مرة كان الخلاف في التفاصيل فكل طرف كان له مفهوم ورؤية وآلية مختلفة عن الطرف الآخر .
فما الذي استجد وكيف نجحت المملكة العربية السعودية فيما فشل فيه المبعوث الأممي ؟
لم يكن الاتفاق السعودي الإيراني هو وحده من ساعد في نجاح مساعي المملكة العربية السعودية في التوصل إلى الإتفاق الذي تم نشر بنوده فقد تزامن الحوار الإيراني السعودي الذي احتضنته بغداد واستمر عامين مع حوارات اخرى بين المملكة العربية السعودية ومليشيات الحوثي في مسقط ولا ندري ما هو تفاصيل هذا الاتفاق الثنائى الذي جعل المملكة تتحول من طرف الى راعي ومن دولة عدوان إلى دولة صديقة .
فبعد أن توصلت المملكة الى اتفاق نهائي مع الحوثي بشان حدودها مع الشمال وكذلك بعد حصولها علي ضمانات لامنها بعد سحب قواتها من اليمن وإغلاق ملف الجرائم بحق المدنيين من قبل سلاح الجو السعودي مقابل إعادة الإعمار وصرف تعويضات لضحايا قصف الطائرات السعودية من المدنيين، نجحت في التوصل إلى اتفاق مع مليشيات الحوثي والشرعية باعتبارها راعي وليس طرفاً في الحرب وما كان لها أن تنجح لولا مصالحتها مع إيران برعاية صينية .
فهل تنجح المملكة في التوصل إلى اتفاق هدنة وإجراءات تعزيز الثقة للوصول إلى وقف نهائي للحرب وانخراط كافة الأطراف في تسوية سياسية تنجز كافة الملفات بما فيها القضية الجنوبية ؟
فمن خلال التجربة أن كافة المبادرات والاتفاقيات والتفاهمات التي ترعاها المملكة تكون نتيجتها الفشل لانها عادة ما تطرح حلول قياسا على النتائج بمعنى ادق تحلق على المشكلات ولا تغوص في أعماقها فعلى سبيل المثال المبادرة الخليجية بنيت على نتائج ثورة التغيير وتم تفصيلها على مقاس طرف وكانت تعتقد بأن مبادرتها ستجنب اليمن الانزلاق إلى حافة الحرب إلا أنها فشلت في ذلك وها هي الحرب تدخل عامها التاسع ، وكذلك الحال فشلت في الحصول على غطاء دولي لتدخلها في الحرب إلى جانب الشرعية من خلال قرارات مجلس الأمن التي حصلت عليها بطرق مختلفة ، وثالث هذا الفشل هو تعثر تنفيذ اتفاق الرياض الذي بني قياساً على نتائج المواجهات التي شهدتها عدن في أغسطس 2019 وعملت على تدارك هذا الفشل بمشاورات الرياض وهي الأخرى فشلت في تطبيق كامل بنودها .
ومن هذا المنطلق ومن خلال التجارب فان فشل كافة المبادرات التي تبنتها المملكة أمر بديهي لانها تتجاهل الأسباب الحقيقية لاي أزمة وتبني حلول قياساً على النتائج فتكون هذه الحلول عبارة عن مسكنات لا تحل الأزمات بل تعمل على ترحيلها .
ومن خلال متابعتنا للحراك السياسي والدبلوماسي وكيف تم تحويل الحالة في اليمن من حالة حرب ناتجة عن انقلاب باستخدام القوة من قبل أحد الأطراف الى أزمة وتبني مبادرات على طريقة كل واحد يصلح سيارته تؤشر إلى نتيجة واحدة هي الفشل حتى وان حققت هدنة لفترة زمنية معينة تعود بعدها الأوضاع إلى ما كانت عليه وحينها سيكون موقف المملكة بأن ما يجري في اليمن هو شأن داخلي اليمنيين وحدهم هم المعني به وتدعو أطراف الصراع إلى العودة إلى الحوار .
ان إصرار المملكة التي تدير حوار غير مباشر بين الطرفين على قبول الشرعية بنتائج حوارها مع مليشيات الحوثي يذكرنا بالمبادرة الخليجية التي جرى طبخها مع عفاش بعد تعديل وتعديل مقابل بين الطرفين وفي الاخير تم تبنيها كما أرادها عفاش وتم فرضها على الأطراف الأخرى التي قبلتها على مضض فكانت نتيجتها هي الحرب التي نعيشها اليوم .
أما مليشيات الحوثي فحدث ولا حرج فهي تمتلك خبرة في التخلص من التزاماتها وتتبنى الشيء ونقيضه كما كان يفعله عفاش خلال فترة حكمة ، فحين تعلن موافقتها على الهدنة فهي بالأساس تحشد مقاتليها إلى الجبهات وحين تعلن التزامها بالاتفاقيات هي في الأساس تنتهك تلك الاتفاقيات واتفاق ستوكهولم بخصوص الحديدة شاهد على عدم التزام المليشيات بالاتفاقيات وكذلك الحال خرقها الهدنة وتصعيدها في الجبهات واستمرار مسيراتها وصواريخها في استهداف المواقع العسكرية والاحياء السكنية ، كل هذا هو تعبير واضح وصريح عن رغبتها في الاستمرار بخيار الحرب وعدم قناعتها بخيار السلام يدفعها في ذلك شعورها بالنصر على ما كانت تسميه العدوان وتنفيذ شروطها في الحوار مع المملكة وليس مع الشرعية كما كانت تقول ونجاحها في إيقاف تصدير النفط والغاز وتبني كل مطالبها وعكسها في بنود المبادرة التي كشف البحسني عنها كفتح المطارات والموانئ ودفع رواتب الموظفين وخروج قوات التحالف وما سبقها من فتح مطار صنعاء واعتماد الجوازات الصادرة من قبلها ، كل هذا يجعلها تتمادى في ارتكاب الجرائم وخرق الهدنة وانتهاك بنود الاتفاقيات كعادتها .
هل الاتفاق السعودي الإيراني على وقف الحرب وتوقيع اطراف الصراع كافي لوقف الحرب في اليمن ؟
إن أي مبادرة لإنهاء الحرب في اليمن وارساء سلام دائم تتبناها المملكة أو غيرها من الدول الإقليمية لا يمكن أن يكتب لها النجاح اذا لم تكن مستندة لموقف دولي حاسم ، ولذا فإن جهود المملكة بحاجة إلى موقف دولي جاد يتجاوز التأييد إلى خطوات عملية فاعلة خلافا للموقف الدولي الراهن من مليشيات الحوثي الذي غلب عليه طابع التراخي تارة تجاه تعنت المليشيات ورفضها لكل المقترحات والمبادرات الأممية وطابع التجاهل تارة أخرى تجاه جرائمها وانتهاكاتها التي لم يسلم منها حتى العاملين مع المنظمات الدولية .
فهل ستسمح الولايات المتحدة الأمريكية بانجاز تسوية سياسية تنهي الحرب وتحل كافة القضايا العالقة وتخرج اليمن من حالة الجمود السياسي والعسكري حالة اللا حرب وآللا سلم إلى حالة سلام دائم ؟
إن المتابع لتطورات المشهد السياسي والدبلوماسي الإقليمي والدولي وتداعيات حرب اوكرانيا وتنامي الدور الاقتصادي والسياسي للصين ونجاحها في رعاية اتفاق ايراني سعودي وانعكاس هذا الاتفاق على الأوضاع الداخلية للبلدان الاكثر سخونة في منطقة الشرق الأوسط واهمها اليمن وسوريا والعراق يجعل من غير المنطقي الحديث عن كل هذا بمعزل عن الموقف الأمريكي .
كلنا يعرف أن الولايات المتحدة الأمريكية التي تبنت مشروع الشرق الأوسط الجديد وتعثر عليها تنفيذه بسب دخولها مستنقع العراق وافغانستان اعتقدت بأن ثورات الربيع العربي هي بوابتها لتنفيذ هذا المشروع دون كلفة الا أن الرياح لم تات بما تشتهي سفينة الولايات المتحدة الأمريكية .
إن مشروع الشرق الأوسط الجديد وفقاً لرؤية الولايات المتحدة الأمريكية تم تقسيمه إلى ثلاث مراحل على النحو التالي :
المرحلة الأولى هي الفوضى الخلاقة وهذه المرحلة تنقسم إلى شقين .
الشق الأول هو الفوضى وهذا الشق تم تنفيذه بأدوات محلية عن طريق ثورات الربيع العربي حيث شهدت بلدان الربيعي العربي حالة من الفوضى العارمة في مختلف مناحي الحياة ولا زالت قائمة حتى اليوم .
الشق الثاني هو الخلاقة بمعنى أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها وجدت بأن ثورات الربيع العربي حققت ما كانت تخطط له من فوضى دون أي كلفة خلقت لها فرص لإسقاط الأنظمة وفرص الحصول على صفقات بيع أسلحة وفرص تفكيك القوى السياسية في تلك البلدان وفرص تأسيس أدواتها وبالتالي إعادة رسم موازين القوى في إطار كل بلد على حده من خلال اضعاف القوى السياسية الحاكمة وتفكيكها ودعم قوى سياسية أخرى كانت تعاني من قهر وتسلط الأنظمة الحاكمة في بلدان الربيع العربي وكذا تأسيس قوى جديدة صنعتها هي واوجدتها من العدم واستطاعت إيجاد توازن الضعف بحيث لا تتمكن اي منها حسم الصراع وبالتالي يؤدي هذا إلى اطالت أمد الصراع وتصل الأطراف المتصارعة إلى قناعة بأن تعقيد الاوضاع وصعوبتها وكارثية تداعياتها فاقت قدرتها على الحل ولذا فإن وجود مبادرة خارجية بات ضرورة .
المرحلة الثالثة هي مرحلة إعادة التركيب، هذا المرحلة شهدت تطورات لم تكن بالحسبان وأبرزها حرب اوكرانيا وما أنتجته من افرازات أهمها التقارب الروسي الصيني وتنامي الاقتصاد للصين وازدياد نفوذها في العديد من البلدان وخروج المملكة العربية عن النص واتخاذها عدد من الخطوات بما يخدم مصالحها ومصالح البلدان التي تربطها بها مصالح مشتركة وعلى وجه الخصوص البلدان المصدرة للنفط “أوبك+” ومؤخراً نجاح الصين في رعاية اتفاق سعودي أيراني .
كل هذا التطورات خلق واقع جديد ومثلت بداية النهاية للنظام الدولي ذات القطب الواحد وإيجاد نظام دولي جديد لا تمثل فيه الولايات المتحدة شرطي العالم وهذا يعني بأن إعادة التركيب في مناطق النزاع وإعادة رسم خارطة العالم الجديد بما فيها الشرق الأوسط لم يعد بيد الولايات المتحدة الأمريكية وكل هذه المعطيات يجعلنا نتوقع بأن الولايات المتحدة ستعرقل التوصل إلى اتفاق نهائي يؤدي إلى إيقاف الحرب في اليمن والدخول في عملية سياسية للوصول إلى سلام دائم .
وأمام كل هذا التداخل وتقاطع المصالح يجعلنا نتساءل هل اجتماع الرياض وحوار مسقط سيؤدي إلى استمرار التفكيك القائم وتثبيته أم إعادة التركيب ؟ .