منير أديب
6 سنوات مرت على إعلان حركة حماس فك ارتباطها بجماعة الإخوان الإرهابية ضمن وثيقة من 42 بندًا، إلا أن الواقع يشهد بخلاف ذلك.
فالحركة الفلسطينية تعتبر نفسها أحد المكونات العضوية للتنظيم الإرهابي من خلال تأييدها لجبهة الإخوان في إسطنبول بزعامة محمود حسين ومبايعتها لجبهة إبراهيم منير بلندن في نفس الوقت.
وثيقة إصدار حماس، التي أطلقتها في عام 1988 نصت على أنها جناح من أجنحة جماعة الإخوان الإرهابية؛ فرهنت نفسها بالتنظيم وبعدها تخلّت عنها في مؤتمر عام عقدته في 1 مايو/أيار من عام 2017، خاصة بعد سقوط التنظيم في الدول التي صعد فيها إلى السلطة وبخاصة في مصر، وهنا لم تُرد الحركة في فلسطين أن تتحمل فشل التنظيم في مصر
فمنذ إعلان الحركة فك ارتباطها بالإخوان، وهي دائمة الاتصال بالتنظيم وقادته في إسطنبول ولندن وأوروبا، سواء من خلال تنسيق المواقف أو العمل وفق أجندة التنظيم “الساقط” في مصر، وهو ما يؤكد خدعة الحركة فك ارتباطها بالجماعة الأم، وأنه مجرد محاولة لإعادة إنتاج الحركة والتنظيم معًا.
ولا تُريد حماس أن تتحمل فشل التنظيم في مصر، خاصة وأنها قد تدخل في انتخابات قادمة أمام حركة فتح، ولذلك تخشى أن ينسحب هذا الفشل عليها داخل فلسطين مع أي مسار ديمقراطي هي نفسها لا تسمح به بعد انقلابها على الشرعية وسيطرتها على قطاع غزة قبل ستة عشر عامًا.
أسباب فك الارتباط
المغزى الأساسي من وراء فك ارتباط حماس بجماعة الإخوان الإرهابية، هو تحرر الحركة من الفشل الذي منيت به الجماعة في مصر بعد الثورة عليها في 30 يونيو/حزيران عام 2013، وبالتالي قامت بحذف عبارة أنها جناح ضمن أجنحة الإخوان المسلمين من وثيقة النشأة حتى تظل حرة، كما تدعي!
ورغم أن الوثيقة لم يعد فيها ما يُشير إلى العلاقة السابقة بين الحركة والتنظيم، فإن العلاقة ظلت كما هي دون أي تغيير طرأ عليها، بل زاد التنسيق بين الجماعة وقياداتها من جانب والحركة من جانب آخر، وبدا أن فك الارتباط مجرد خدعة أرادت الحركة من ورائها عدم تحمل تبعات الأداء الفاشل والفاشي للتنظيم في الدول التي يتواجد فيها.
لقد نشأت حركة حماس في رحم تنظيم الإخوان الإرهابي، ولا يمكن فك الارتباط بينهما نظرًا للوشائج التي تربطهما، ويُضاف لهذا وذاك أن الحركة ما زالت مخلصة لأفكار مؤسسي التنظيم وقادته، بل وتقوم بتدريس مناهج الإخوان الإرهابية وأفكارهم داخل محاضنها التربوية، فالتعديل فقط أجري على الورق ومسامع من حضروا هذا المؤتمر قبل سنوات.
وما من مناسبة عامة أو خاصة لجماعة الإخوان الإرهابية أو للحركة إلا ويُشاركان بعضهما البعض، فلم تختف الأحضان أو عبارات التأييد والمواقف بينهما، فضلًا عن الدعم الذي تقدمه الجماعة للحركة سواء على المستوى السياسي أو الإعلامي أو دعم الأموال، وهو ما يؤكد على أن فك الارتباط كان صوريًا ولم يكن واقعيًا.
الحركة ما زالت تعتبر نفسها جزءا من التنظيم ولم تصرح أو تُدلي خلال السنوات السابقة بما يدل على أنها باتت منفصلة، وبالتالي يجوز لها أن تختلف مع الجماعة، ولكنها ظلت ملازمة لكل مواقفها ومؤيدة لكل القرارات التي تصدر عنها والعكس صحيح.
مواقف دعم الإخوان
رغم فك حركة حماس ارتباطها بجماعة الإخوان الإرهابية، فإنها أعلنت تأييدها لجبهة محمود حسين في إسطنبول، وفي نفس الوقت أعلنت مبايعة جبهة الراحل إبراهيم منير بعد تنصيب الدكتور صلاح عبدالحق، قائمًا بعمل مرشد الإخوان قبل أقل من شهر !
فقد ظهر أحد قيادات حركة حماس في أحد المؤتمرات التي عقدها محمود حسين قبل أكثر من عام عبر تقنية زوم، بما يدل على أمرين أولهما أن الحركة تؤيد نهج محمود حسين وجبهته والأهم والأخطر أنها ما زالت تُدعم التنظيم ومتداخله في الأمور التنظيمية التي تخصه، وربما مواقفها هذه لم تكن استثناءً ولكنها قائمة منذ فك الارتباط قبل سبع سنوات.
فرغم أنها أعلنت تأييدها لمحمود حسين وجبهته إلا أنها بايعت الجبهة المناوئة بعد تنصيب الدكتور صلاح عبدالحق، قائمًا بعمل مرشد الإخوان، وهو يحمل دلالتين، أولهما تناقض الحركة فهي تؤيد الشيء ونقيضة في نفس الوقت، فضلًا على أنها ما زالت على الولاء التنظيمي وأنها جزء من التنظيم الدولي لجماعة الإخوان الإرهابية بدليل على أنها تبايع وتؤيد جبهات الإخوان المتناحرة.
من دلائل العلاقة الوثيقة التي ما زالت بين الحركة والتنظيم، أن ثمة مناقشات دائمة حول المواقف وترتيب لم يختف رغم إعلان فك الارتباط، فبعد جنازة يوسف القرضاوي، الزعيم الروحي للحركة والتي حضرتها قيادات الحركة، دار حوار طويل بين قيادات الحركة، خالد مشعل وإسماعيل أبو هنية وموسى أبو مرزوق، مع الراحل إبراهيم منير، أمين عام التنظيم الدولي، بما يُعطي انطباعًا يتوافق مع واقع الحركة التي ما زالت على ارتباطها، فضلًا عن التأييد السابق لـ”منير” قبل وفاته في الخلاف مع محمود حسين.
هذا الدعم استمر بعد ذلك حيث إن الحركة أرسلت بصورة سرية دعما وتأييدا للقائم بأعمال المرشد الجديد الدكتور صلاح عبدالحق فور تنصيبه، واختارت الحركة أن يكون ذلك بصورة سريّة كشفته لنا مصادرنا داخل التنظيم.
يذكر أن جماعة الإخوان الإرهابية تًحافظ على علاقتها بحماس وتبادلها نفس الشعور والمواقف، فقد زار محمود حسين، القائم بعمل مرشد الإخوان جبهة إسطنبول ضمن وفد مرافق له، خالد مشعل لتهنئته بفوزه برئاسة مكتب حماس بالخارج في أبريل/نيسان من العام 2021، وبعد عدة أيام تواصل معه إبراهيم منير بعدما أدرك تحركات محمود حسين، ورغم ذلك قبل مشعل تأييد إحدى الجبهتين ومبايعته للجبهة الأخرى!
وحدة الأهداف والمصير
من يعتقد أن حركة حماس انفصلت بصورة كاملة عن جماعة الإخوان الإرهابية فهو واهن، حتى الانفصال لم يكن جزئيًا ولم تظهر ملامحه الكلية ولن تظهر لعدة أسباب منها، أن الحركة تربت على أفكار مؤسسي التنظيم.
وصارت هذه الأفكار جزءا من المكون الفكري والتربوي للجماعة، وبالتالي أي حديث عن انفصال سياسي أو تنظيمي أو حركي لا تدعمه الأفكار التي يؤمن بها كلاهما.
حركة حماس تعتبر نفسها جزء من المكون الأساسي للإخوان، كما أن الجماعة تفخر بوجودها، وترى أن فلسطين قضية التنظيم الكبرى، وبالتالي يأتي الدعم من هذه الصورة، ولكن مع وجود الأهداف المشتركة والمصير الواحد بين الحركة والتنظيم كل منهما يُريد أن يتحرك في مسار يُحقق للآخر بعض المكاسب.
وبدا ذلك بصورة واضحة من قبول حماس لدعم إيران لها، وشكرها من قبل للحركة الحوثية على لسان قادتها وتكريم المحسوبين على الحركة الانقلابية داخل قطاع غزة، وهنا تُريد أن تفصل في العلاقة بين الجماعة التي لا تُمانع من إقامة علاقة مع إيران ودولة الخميني التي أنشأت أذرعا مسلحة في المنطقة بهدف ضرب استقرارها.
ببساطة مكر الحركة وخداها لن ينطلي على المتابعين والمراقبين لسلوك الجماعة الأم ولا ابنها الشرعي، فمواقف كل منهما لم تتغير كما أن مصيرهما المشترك ربما يُشكك في أي ادعاء.. صحيح لا نريد انقلابا في المواقف من قبل الحركة ولكن على الأقل يكون هناك تباين في المواقف وهذا لم يظهر ولن يظهر بما يؤكد أن فك الارتباط هو مجرد خدعة لا يمكن تصديقها.
وفي النهاية لم يكن هناك تباين في المواقف، وهذا لم يظهر ولن يظهر، بما يؤكد أن فك الارتباط هو مجرد خدعة لا يمكن تصديقها.
المصدر “العين” الإخبارية