حامد فتحي
صحفي مصري
يرجح باحثون في ملف الإرهاب، أنّ التخادم بين جماعة الحوثيين وتنظيم القاعدة في اليمن بات أمراً مسلّماً به؛ لكثرة الشواهد الميدانية من جانب، ووجود الزعيم الفعلي لتنظيم القاعدة (لم يُعينه مجلس الشورى بعد) في إيران، سيف العدل.
شمل التخادم بين الجانبين العديد من المواقف منها؛ عمليات تبادل الأسرى المتعددة، وتنسيق العمليات العسكرية ضدّ الخصوم المشتركين (الشرعية والجنوبيين)، والانسحاب العسكري في مناطق لصالح الحوثيين، وتبادل المهارات العسكرية والتسليح والمعلومات والدعم المالي.
أدى ذلك التخادم إلى توترات داخلية في فرع تنظيم القاعدة في اليمن، الذي يقوده خالد باطرفي، المؤيد بشدة لسيف العدل، ونهجه القائم على التركيز على مبدأ الجهاد العالمي بدلاً من نهج المحلية الذي عززه سلفه أيمن الظواهري.
القيادة من طهران
يعود بداية التوافق بين تنظيم القاعدة والحوثيين في اليمن (تنظيم القاعدة في جزيرة العرب) إلى العام 2015، الذي شهد مقتل الزعيم البارز للتنظيم ناصر الوحيشي في غارة أمريكية بطائرة بدون طيار. وتحت إمرة الوحيشي اختطف التنظيم الملحق الثقافي الإيراني في صنعاء، نور أحمد نكباخت، بموافقة الظواهري عام 2013، بهدف مبادلته بقادة التنظيم الموجودين لدى إيران، منذ فرارهم من أفغانستان بعد سقوط حكم طالبان عام 2001.
ذكر الباحثان حسام ردمان وعاصم الصبري في دراسة بعنوان “القيادة من إيران: كيف استطاع سيف العدل التحكم بتنظيم القاعدة في اليمن؟”، أنّ القاعدة وإيران خاضا مفاوضات على مدى عامين إلى أن تم التوصل لصفقة تبادل أسرى في آذار (مارس) 2015؛ وافقت إيران بموجبها على إطلاق خمسة من كبار قيادات تنظيم القاعدة، بمن فيهم سيف العدل، مقابل تسليم الدبلوماسي الإيراني.
تقول الدراسة المنشورة في “مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية”: ما إن وصل القادة الجهاديون إلى المناطق الحدودية مع أفغانستان، حتى فاجأهم سيف العدل برغبته في البقاء داخل إيران وحصوله على دعم الإيرانيين لمواصلة تنظيم عمليات ضد المصالح الغربية. وشملت ترتيبات العدل مع الحرس الثوري الإيراني، منحه حرية الحركة التي تسمح له بترتيب لقاءات سرية مع قيادات الفروع، سواء لقاءات شخصية أو عبر معدات اتصال آمنة تم تزويده بها، وحمايته من ضربات الطائرات الأمريكية المسيرة.
ومن جانبها، تنفي إيران وجود سيف العدل على أراضيها، بينما تؤكد المصادر الأممية والغربية إقامته فيها. ويعني ما سبق أنّ التخادم بين تنظيم القاعدة في اليمن وجماعة الحوثيين مرتبط بوجود سيف العدل في إيران. لهذا يسعى العدل إلى إحكام سيطرته على التنظيم في اليمن انطلاقاً من تبنيه رؤية استهداف المصالح الغربية على غرار عمليات تنظيم القاعدة الأم في أوج قوته.
ويحتل تنظيم القاعدة في اليمن أهمية خاصة لسيف العدل، وصلت به إلى إرسال ابنه خالد إلى اليمن، والتدخل في ترفيع قيادات موالية له ولنهجه، بعد مقتل الوحيشي في 2015، والذي كان مرشحاً بقوة لقيادة تنظيم القاعدة الأم.
بناءً على ذلك، ولأهمية اليمن بشكلٍ خاص لسيف العدل، أرسل ابنه خالد ليكون قيادياً في التنظيم، وحشد الأتباع من الأجيال الجديدة لدعم نهج والده، وربما التمهيد لأن يكون اليمن مقر قيادة تنظيم القاعدة بزعامة سيف العدل، في ظل حالة السيولة الأمنية والطبيعة الجغرافية والقبلية في اليمن.
محطات التخادم
يقول الباحث المصري في الحركات الإسلامية والقضايا الأمنية، أحمد سلطان، إنّ خالد سيف العدل الملقب بـ” ابن المدني” يعمل على التغلغل في قلب تنظيم القاعدة باليمن واختراق مراكز القوى داخله وتوظيفها في مشروع والده، المتماهي مع الخط الإيراني. وأضاف لـ”حفريات” بأنّ نجل سيف العدل تأثر هو الآخر بـ”متلازمة طهران”، مثل والده، وجده (لوالدته) مصطفى حامد، وذلك يجعله يسير على الخط الموافق للتوجهات الإيرانية أو على الأقل الذي لا يتصادم معها، كما يفعل رواد اتجاه الجهاد العالمي في تنظيم القاعدة في اليمن، وعلى رأسهم خالد باطرفي.
وذكر سلطان بأنّه في عام 2015، نفذ تنظيم القاعدة في اليمن الذي يُطلق على نفسه اسم “أنصار الشريعة”، نحو 160 هجوماً ضد جماعة الحوثي، وبعد مرور 5 سنوات نفذ التنظيم حوالي 20 هجوماً فقط، بينما زادت نبرة التحريض في رسائله الدعائية التي يبثها ضد الجماعة.
وأفاد الباحث المصري، بأنّ هناك اتفاقاً بين القاعدة والحوثيين، على وقف القتال بينهما والدخول في حالة هدنة، وتقاسم النفوذ بينهما في مناطق نشاطهما إلى جانب التعاون الأمني والاستخباري. وتابع بأنّ الطرفين أبرما سلسلة صفقات لتبادل الأسرى، بصورة سرية وعلنية، أسفرت عن إطلاق سراح مئات من مقاتلي القاعدة، ليتمكن التنظيم من تعويض خسائره وترميم شبكاته البشرية المتضررة جراء حملات مكافحة الإرهاب المتواصلة.
يقول أحمد سلطان: “نجحت جماعة الحوثي في استقاء الخبرة الإيرانية وتوظيفها لاستخدام تنظيم القاعدة، واستفادت الجماعة من ذلك في العديد من المناسبات كان آخرها تسليم مديرية الصومعة في محافظة البيضاء لها دون قتال”.
تبعاً لهذا التخادم، وهيمنة رؤية الجهاد العالمي التي يتبناها سيف العدل، يركز تنظيم القاعدة في اليمن على استهداف القوى العسكرية والأمنية في المحافظات الجنوبية اليمنية، وهي قوات الشرعية بمختلف تفرعاتها، والقوات المسلحة الجنوبية التي تتبع المجلس الانتقالي الجنوبي، فضلاً عن المصالح الغربية.
وشهدت المحافظات الجنوبية خصوصاً في شبوة وحضرموت وأبين العديد من عمليات التنظيم التي استهدفت الكوادر العسكرية والقوات الأمنية، بينما قادت القوات العسكرية الجنوبية وقوات الشرعية بدعم من التحالف العربي سلسلة عمليات عسكرية ضد التنظيم.
التنظيم والسيولة الإقليمية
كانت القوات الجنوبية حققت نجاحات في مواجهة تنظيم القاعدة، الذي يتخذ من المحافظات الجنوبية مسرحاً لعملياته، بعد دعوة التنظيم أفراده لاستهدافها. في سياق متصل، تتهم القيادات الجنوبية تنظيم القاعدة وجماعة الإخوان المسلمين (حزب التجمع اليمني للإصلاح) بالعمل سوياً ضد الجنوب العربي.
وتستشهد القيادات الجنوبية بتكثيف التنظيم عملياته العسكرية في محافظة شبوة إبان السيطرة الأولى لقوات النخبة الشبوانية عليها، ثمّ خفوت عملياته بعد سيطرة حزب الإصلاح عليها، ليعاود التنظيم استئناف نشاطه بعد رجوع المحافظة لسيطرة قوات دفاع شبوة الجنوبية.
وفي ظل السيولة السياسية التي يشهدها الإقليم عقب توقيع الاتفاق السعودي الإيراني في بكين، ووصول وفد سعودي – عماني إلى صنعاء للتفاوض مع الحوثيين، من المرجح أنّ يصبح تنظيم القاعدة في اليمن في وضع أشد صعوبةً.
سيلقي التوصل لاتفاق بين الحوثيين والشرعية – التحالف العربي، بظلاله على علاقة الحوثيين وتنظيم القاعدة، وهو الأمر المتوقع بين الرياض وطهران، في حالة قيادات القاعدة التي تقيم على أراضي الأخيرة. وكانت المملكة مارست ضعوطاً في عام 2003 على طهران، إلى جانب ضغوط غربية، ما جعلها تعتقل قيادات تنظيم القاعدة، وتحد من نشاطهم.
وفي حديثه لـ”حفريات” حذر الصحفي والباحث اليمني في قضايا الأمن، حسام ردمان، من أنّ انتهاج تنظيم القاعدة في اليمن رؤية سيف العدل التي تقوم على استهداف المصالح الغربية والسعودية والإماراتية في اليمن، سيمثل عنصر تهديد حقيقياً لجهود الحفاظ على الهدنة في البلاد.
ومن جانب آخر، سيتأثر تنظيم القاعدة في اليمن سلباً بالحرب الشاملة التي تشنها الحكومة الفيدرالية الصومالية ضد حركة الشباب المجاهدين، التي تعتبر الفرع الأكبر والأقوى والأثرى من بين فروع تنظيم القاعدة العالمي.
ويؤكد باحثون في قضايا الأمن في الصومال بأنّ حركة الشباب التي كانت تجني نحو 100 – 150 مليون دولار من العائدات سنوياً حتى قبيل الحرب الشاملة ضدها، كانت تموّل تنظيم القاعدة في اليمن.
كانت طهران ألقت القبض على محمد صلاح الدين زيدان، المكنى بسيف العدل، والضابط السابق في الجيش المصري، في 2003، وأطلقت سراحه في عام 2015 بعد صفقة بين تنظيم القاعدة وإيران والحوثيين، ويعتقد أنّ سيف العدل لا يزال مقيماً في إيران ويخضع لبعض القيود.
وبعد مقتل زعيم القاعدة السابق، أيمن الظواهري في تموز (يوليو) الماضي، بات سيف العدل المرشح الأبرز لقيادة التنظيم، رغم معارضة العديد من قيادات التنظيم، لكونه مقيماً في إيران.
المصدر حفريات