كريتر نت – متابعات
تجد الولايات المتحدة نفسها في موضع رد الفعل على التطورات المتلاحقة التي تشهدها المنطقة ومركزها المملكة العربية السعودية وتوجهاتها، ويرى مراقبون أن واشنطن لا تملك ترف الخيار أو التأثير الكبير في التحول الذي تعيشه المملكة على مستوى سياستها الخارجية، وهي تحاول التكيف مع ما يجري.
وتحاول الولايات المتحدة الإيحاء للعالم بأن الأمور بينها والمملكة العربية السعودية على ما يرام، وأنها ليست بالسوء الذي يعتقده كثيرون، وهو ما يظهر من خلال تكثيف إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في الفترة الأخيرة اتصالاتها مع الرياض.
وأعلن البيت الأبيض أن مستشار الأمن القومي جيك سوليفان أجرى اتصالا هاتفيا الثلاثاء بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان حول التطورات الأخيرة في المنطقة لاسيما في علاقة بإيران، والخطوات الرامية إلى إنهاء الحرب في اليمن.
ويأتي الاتصال الذي أجراه سوليفان بعد أيام قليلة من زيارة غير معلنة مسبقا أجراها مدير وكالة الاستخبارات المركزية وليام بيرنز إلى الرياض، حيث التقى وفق التسريبات بالأمير محمد وعدد من المسؤولين السعوديين.
الاتصالات الأميركية بالسعودية اتخذت طابعا سياسيا وأمنيا بعد أن اقتصرت في إحدى الفترات على الجانب الأمني فقط
ويرى مراقبون أن هذه الاتصالات التي تتخذ طابعا سياسيا وأمنيا، بعد أن اقتصرت في إحدى الفترات على الجانب الأمني فقط، تعكس حرصا أميركيا على الحفاظ على العلاقة مع المملكة، وتفادي تعميق الفجوة بين الطرفين لتشابك مصالحهما في المنطقة والعالم.
وقد تجلى ذلك بشكل واضح حينما تعاطت واشنطن بهدوء لافت مؤخرا مع قرار السعودية وعدد من أعضاء تحالف أوبك+ بخفض إنتاج النفط بنحو مليون برميل يوميا، وذهب الرئيس بايدن حد القول “إن الخفض ليس بالسوء الذي تعتقدونه”.
ويشير المراقبون إلى أن ذلك لا يعني أن واشنطن راضية عما يحدث، لكنها تحاول أن تكتم “غيضها” حيال التوجهات السعودية لاسيما في علاقة باتباع الرياض سياسة مستقلة بعيدة عن أي تأثير أميركي في ما يتعلق بالتعامل مع حاجيات الأسواق العالمية من النفط، أو في ارتباط بالتقارب المسجل بينها والصين، والذي كان أحد أبرز تمظهراته نجاح بكين في الآونة الأخيرة في التوصل إلى اتفاق بين الرياض وطهران لإعادة العلاقات وهي عملية لم تشارك فيها الولايات المتحدة وإن أعلنت أنها كانت على علم بها.
ويقول المراقبون إن الولايات المتحدة تدرك أن أي خطوة تصعيدية من قبلها على المسار الذي تتخذه المملكة، سيفاقم الوضع سوءا، وقد ثبت بالكاشف لها أن الرياض ليست في وارد المساومة على خياراتها، وهو ما ظهر في قرارها العام الماضي تخفيض إنتاج النفط، والذي كان أثار حينها ردود فعل غاضبة من إدارة بايدن التي ذهبت حد التلويح بتقييم العلاقات وأعادت طرح تفعيل قانون نوبك، فيما لم تحرك الرياض ساكنة حيال الهجمة الأميركية.
وقال البيت الأبيض في بيان إن “سوليفان وولي العهد السعودي ناقشا التوجهات الأوسع نطاقا لوقف التصعيد في المنطقة بينما شددا على ضرورة الحفاظ على قوة ردع للتهديدات من إيران ومناطق أخرى”. ووفق البيان فقد أعاد “سوليفان التأكيد على التزام الرئيس بايدن الثابت بضمان عدم حصول إيران أبدا على سلاح نووي”.
وقالت السعودية وإيران إنهما ستبدآن الترتيبات لإعادة فتح السفارتين والقنصليات خلال شهرين كما ينص الاتفاق الذي توسطت فيه الصين. وكان وزيرا خارجية إيران أمير حسين عبداللهيان والسعودية الأمير فيصل بن فرحان اجتمعا في بكين الأسبوع الماضي بعدما اتفق البلدان على إنهاء القطيعة الدبلوماسية بعد سنوات من العداء الذي أجج صراعات في أنحاء الشرق الأوسط.
وينظر بعض الخبراء إلى الدور الذي لعبته بكين على أنه إشارة على تراجع نفوذ الولايات المتحدة لدى السعودية، التي يبدو أنها اهتزت ثقتها بالجانب الأميركي بسبب حزمة من القرارات والسياسات الخاطئة التي عمدت إليها واشنطن في السنوات الأخيرة من ذلك موقفها المتخاذل مع الرياض في ذروة تصعيد إيراني ضد المملكة.
ويقول متابعون للشأن الخليجي إن واشنطن لا تملك ترف الخيار في التعاطي مع السعودية، وهي تدرك أنها لن تستطيع فرملة اندفاعة المملكة والتي تبدو محسوبة بشكل جيد، لكن ذلك لا يمنع أنها ستحرص على إبداء امتعاضها وتحفظاتها خلال اتصالاتها مع القيادة والمسؤولين السعوديين.
وكان مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية قام الأسبوع الماضي بزيارة إلى السعودية في خضم جولة قادته أيضا إلى البحرين والمغرب.
وذكرت مصادر لوكالة رويترز أنّ الزيارة استهدفت “إظهار التزام الولايات المتحدة بالمصالح المشتركة، لاسيما في مجال مكافحة الإرهاب”. وقال مسؤول أميركي إن بيرنز زار الرياض “حيث التقى نظراءه في الاستخبارات وقادة البلاد بشأن المصالح المشتركة”.
وكشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” أنّ بيرنز أعرب خلال لقاءاته في الرياض عن إحباطه من السعودية، وفقا لأشخاص مُطلعين، حيث أخبر ولي العهد السعودي أنّ الولايات المتحدة شعرت بالصدمة من تقارب المملكة الأخير مع إيران وسوريا.
وبحسب هؤلاء الأشخاص، فقد أشار بيرنز إلى تحفظات بلاده من تقارب الرياض مع “الدول التي لا تزال تخضع لعقوبات شديدة من قِبل الغرب، والذي تمّ تحت رعاية المنافسين العالميين لواشنطن”.