هشام الشبيلي صحافي ومصور يمني
في رحلتي البحث والانتظار الطويلتين، ومن على سرير المرض تلتقط السبعينية مريم محمد أنفاسها والدموع تنهمر من عينيها على وجهها المليء بالتجاعيد والشوق والحنين.
وبغريزة الأمومة تتحدث عما لحق بها من تداعيات نفسية وصحية طوال ثمانية أعوام، عقب اختطاف الحوثيين ولدها الصحافي عبدالخالق عمران، والحكم عليه أخيراً بالإعدام .
تقول والدة الأسير المغيب منذ 2015 إنها لم ترَ ولدها منذ خمس سنوات، وإن الحوثيين لم يسمحوا لها بزيارته منذ تلك الفترة، ولمرتين متتاليتين أرجعوها من بوابة سجن الأمن السياسي.
وأضافت “قطعت مسافات طويلة من مسقط رأسي من ريف محافظة ذمار الواقعة جنوب العاصمة اليمنية صنعاء، والتي تبعد قرابة 195 كيلومتراً، وعلى كرسي متحرك كنت أذهب كي أرى ولدي عبدالخالق، ولكن من دون جدوى. بعدها لزمت بيتي بعد أن أقعدني المرض. التهابات في الدم وهشاشة في العظام دفعتني هي الأخرى إلى الاكتفاء بسماع صوت عبدالخالق عبر الهاتف المحمول متى سمح له الاتصال بعائلته والذي لا يتجاوز دقائق محدودة”.
لكنها في حديثها تقول إن “الحوثيين منعوا عن ولدها عبدالخالق الاتصال ولم تعد تسمع صوته منذ عام”.
وفاة والد عبدالخالق
وفي الوقت الذي كانت فيه مريم تخوض معركة البحث عن ولدها المغيب قسراً في سجون الميليشيات الحوثية حمل القدر خبراً صادماً، إذ غيب الموت والد عبدالخالق ورحل إلى ربه مثقلاً بالحنين إلى ولده المختطف، الذي لم يلتقه منذ سبع سنوات.
لكن الآن حين الحديث مع الخالة مريم لا يفصلنا سوى ساعات فقط عن وصول عبدالخالق إلى أسرته التي تحلق روحها استعداداً للقائه، بعد تأكد أنباء شموله ضمن صفقة تبادل الأسرى، إذ تقول والدته بمشاعر الأمومة ترافقها الدموع “نريده أن يصل إلينا ونحن وقلوبنا له”.
ويتحدث عبدالكريم، شقيق الصحافي عبدالخالق عمران “أشعر بفرحة لا توصف، فبعد ساعات سألتقي أخي الغائب عني منذ ثماني سنوات. سيكون عيدنا عيدين هذه المرة، بل سيكون العيد الكبير الغائب عنا منذ سنوات”.
السبعينية آمنة صالح هي الأخرى والدة الصحافي توفيق المنصوري، الذي يقبع في سجون الحوثيين، منذ ثماني سنوات مفعمة بالتضحية والأمل، فمع بدء العد التنازلي لإطلاق سراحه ضمن صفقة التبادل في مرحلتها الثانية، بين الحكومة الشرعية والحوثيين في محافظة مأرب زارتها “اندبندنت عربية” في أحد مخيمات النزوح وأوضحت أنها طيلة ثماني سنوات عاشت تفاصيل مليئة بالأوجاع والمتاعب، نتيجة اختطاف ابنها في يونيو (حزيران) من عام 2015 وموت والده وأمنيته رؤية ولده، لكنها اليوم تترقب لحظة عودته بفرحة كبيرة، وتؤمل في القدرة على التماسك وحضور مراسم الاستقبال لحظة وصول ابنها الغائب.
وضاح المنصوري شقيق توفيق يقول في حديثه لـ”اندبندنت عربية” إن والده قبل وفاته ظل يتردد على أبواب سجون الحوثيين بصنعاء، يبحث عن ولده حتى يئس، إذ كانت الميليشيات تخفيه وزملاءه بين كل فترة وأخرى، ففي إحدى المرات أخفتهم لما يزيد على أربعة أشهر تقريباً، وكانت تمنع الزيارات عنهم وترفض السماح للأهالي حتى بإدخال العلاج أو الملابس.
تعذيب أمام الأهل
وفي إحدى الزيارات تم الاعتداء على توفيق أمام والديه وزوجته، عندما كانوا يكلمونه من خلف الحاجز الحديدي المخصص للزيارات، وتم ضربه وسحبه وشتمه من قبل سجانين اثنين، وهي الحادثة التي قال شقيقه إنها تسببت برعب وخوف أن يحل به في السجن مكروه ينهي حياته، حتى ظلت والدته تقول “هذا الاعتداء والضرب أمامنا، فكيف يعملون به عندما يكونون في الزنازين”، بحسب شقيقه الذي أكد أن ذلك المواقف وسواه “جر كثيراً من المعاناة، أدت إلى تدهور صحة والدي ووالدتي، وفي نهاية عام 2016 تعرض والدي لجلطة كادت تفقده النظر، ولكن بفضل الله أسعفناه وتعافى، وبحسب ما تحدث الدكتور عن أسبابها، هي نتيجة لتعرض والدي لصدمة قوية أثرت فيه نفسياً وصحياً”.
أما آخر زيارة لتوفيق فكانت 2017 ولم تسمح بعدها الميليشيات “على رغم أن والدي ووالدتي كانا يقفان أمام بوابة سجن الأمن السياسي – الذي كان توفيق وزملاؤه مختطفين فيه – من الصباح إلى ما بعد العصر، وغيرهم كثير من الأسر، ويرجعون إلى البيت من دون أن يروه”.
في يونيو 2020 توفي والد توفيق ولم يرَ ابنه ولم يسمع صوته، وكانت الميليشيات الحوثية قد أصدرت أوامر بإعدام توفيق وزملائه قبل موت الراحل بشهرين، في أبريل (نيسان) 2020، متأثراً بظروفه الصحية التي تفاقمت بأسفه على غموض مصير ابنه بعد صدور الحكم بإعدامه.
واختطفت ميليشيات الحوثي تسعة صحافيين أفرج عن خمسة في صفقة التبادل الأولى التي جرت بين الحكومة اليمنية والحوثيين في 2020 وأطلق على أثرها أكثر من ألف أسير ومحتجز، وتعد أكبر صفقة تبادل بين الطرفين منذ اندلاع الحرب، كان من ضمنها عدد من الصحافيين كانوا في سجون الحوثيين.
وأصدرت الميليشيات أحكاماً بالإعدام عبر محاكمها في صنعاء في حق الصحافيين الأربعة المتبقين في سجونها وهم عبدالخالق عمران وتوفيق المنصوري وحارث حميد وأكرم الوليدي، بتهم ملفقة من بينها “التجسس لصالح التحالف” وهي في العادة تهم تطلقها الجماعة لكل المناوئين لها.
وتشمل عملية تبادل الأسرى والمعتقلين الأخيرة إطلاق الصحافيين المحكوم عليهم بالإعدام.
المصدر اندبندنت عربية