كريتر نت – متابعات
يسخّر رواد الأعمال التونسيون الذكاء الاصطناعي لتزويد المزارعين بأدوات تقنية متطورة، وذلك بهدف دعم قطاع الزراعة الحيوي في مواجهة أزمة المياه المحتدمة في البلاد.
وتعيش تونس للعام الرابع على التوالي حالة من الجفاف. وقررت الحكومة تقنين إمدادات المياه وزادت أسعار الاستهلاك للمنازل والشركات وحظرت استخدام مياه الشرب في الزراعة حتى نهاية سبتمبر، إثر جفاف السدود وتوقّع مردود زراعي ضعيف.
وتحاول الشركات التونسية الناشئة التخفيف من حدّة الأزمة عبر تزويد المزارعين بالأدوات والتقنيات لتحديث عملياتهم الزراعية وإدارة محاصيلهم بكميات مياه أقل من المعتاد.
وقال ياسر بوعود الشريك المؤسس لشركة “حلول الزايرة”، المختصة في صناعة أنظمة التكنولوجيا الزراعية التي تشمل أجهزة الري الذكية وأجهزة استشعار التربة والطقس، “إننا نمر بكارثة لأن مواردنا المائية تنفد بالفعل. علينا أن ننتج المزيد بموارد أقل، وتصبح التكنولوجيا هنا الحل الوحيد”.
تأسست “حلول الزايرة” سنة 2016، واستقطبت ثلاثة وسبعين من أصحاب المزارع التي تتراوح مساحتها بين 4.5 و5 هكتارات. كما تتعامل مع حرفاء من خارج البلاد.
ويكلف نظامها حوالي 1500 دولار للمزارعين الصغار وأكثر من ذلك للمزارعين الكبار. ويحسّن هذا النظام التسميد والري والزراعة، ويتضمن تطبيقا للهاتف المحمول يوفر بيانات حول المحاصيل والطقس.
ويعتمده محمود بوعصيدة البالغ من العمر 47 عاما، الذي يمتلك مزرعة صغيرة في مدينة نابل شمال شرق البلاد. وقال إنه شهد ارتفاعا في محاصيله بنسبة 30 في المئة وإنه تمكن من خفض استهلاك المياه بنسبة 20 في المئة منذ أن اعتمد على هذا النظام سنة 2020.
وأضاف المزارع، الذي يزرع الحمضيات مع ثلاثة آخرين على قطعة أرض مساحتها 20 هكتارا، “يمكنني إدارة المزرعة بأكملها من خلال تطبيق على الهاتف المحمول. يمكن إتمام كل شيء هنا بلمسة واحدة، من الري والتسميد حتى الكشف عن أي تسرب في أنابيب المياه”.
ويقول رواد الأعمال إن التكنولوجيا تساعد المزارعين الذين يعانون من تبعات ندرة المياه في التعامل مع الجفاف، وتضاعف أرباحهم على المدى الطويل. لكن بعض المحللين يحذرون من أن الابتكارات التقنية قد تصرف الانتباه عن معالجة السبب الجذري للمشكلة.
وقال عادل بن يوسف، أستاذ الاقتصاد بجامعة نيس صوفيا أنتيبوليس في فرنسا والمفاوض السابق لتمويل المناخ في تونس، “ستقدم التكنولوجيا حلولا لكنها لن تكون كافية دون إصلاحات أخرى”.
ويرى في حديث لمؤسسة تومسون رويترز أن على الحكومة التونسية تحديث شبكات المياه المتداعية لتجنب التسرب والهدر، والاستفادة أكثر من مياه الصرف الصحي ومياه الأمطار لتلبية الطلب.
وقال مدير عام مكتب التخطيط والتوازنات المائية بوزارة الزراعة حمادي الحبيب في الشهر الماضي إن العديد من سدود تونس البالغ عددها 37 مستنفدة أو فارغة بسبب سنوات من الجفاف، حيث انخفضت السعة الإجمالية إلى حوالي مليار متر مكعب أو 30 في المئة من الحد الأقصى.
وحددت إحصاءات الوزارة أن ذلك أثر بشكل حاد على قطاع الزراعة، الذي يمثل حوالي 80 في المئة من استهلاك المياه في البلاد.
وحذّر اتحاد المزارعين على سبيل المثال من أن محصول الحبوب سيكون “كارثيا”، حيث من المتوقع أن ينخفض المحصول بمقدار الثلثين هذا العام إلى حوالي 200 ألف طن.
وقالت نائبة رئيس شركة تونس للتعاضد هاجر شباح إن “مزارعي الحبوب سيجدون أنفسهم في مأزق حقيقي هذا العام بسبب نقص المياه”.
وتستخدم شركة روبوكير الناشئة درونات تعمل بالذكاء الاصطناعي ومجهزة بكاميرات طيفية لتحديد هدر المياه واكتشاف الأمراض في النباتات والأشجار في منطقة لإنتاج زيت الزيتون خارج مدينة صفاقس (جنوب).
وقالت الشريكة المؤسسة لروبوكير إيمان الحبيري إن “الحد من إهدار المياه أثناء الري يبدو أمرا ملحا اليوم، حيث يعاني المزارعون من نقص المياه وتغير المناخ”. وتتعامل الشركة الناشئة حاليا مع ثلاثة زبائن تونسيين وواحد في المغرب.
ولا تقتصر أهداف الشركات التكنولوجية الناشئة في تونس على إيجاد حلول للمزارعين الذين يعانون من ندرة المياه، بل تشمل مساعدة السكان على نطاق أوسع حيث يشعرون بآثار الأزمة المتنامية.
وانطلقت الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه الشهر الماضي في قطع الإمدادات عن المواطنين من الساعة الـ9 مساءً حتى الساعة الـ4 صباحا، فيما مثل ضربة أخرى للجمهور الذي يعاني بالفعل من زيادات في أسعار الغذاء والوقود وتضخم متسارع يتجاوز 10 في المئة.
ويحصل المواطنون التونسيون حسب وزارة الزراعة على 420 مترا مكعبا من المياه سنويا مما يجعلهم تحت خط “الفقر المائي”.
وقالت الأمم المتحدة إن هذا يجعل تونس “دولة تعاني من ندرة المياه”.
وبدأت شركة كومولوس الناشئة في مجال “تكنولوجيا المياه” بإنشاء آلة تقول إنها يمكن أن تنتج ما يصل إلى 30 لترا من مياه الشرب يوميا باستخدام الطاقة الشمسية والرطوبة في الهواء لمواجهة الشح الحالي.
وقال الشريك المؤسس لكومولوس إيهاب التريكي إن لكومولوس زبائن، بدءا من الشركات التي تعتمد الآلات في مكاتبها وصولا إلى الفنادق والمدارس.
لكن حمادي الحبيب حذّر خلال الشهر الماضي من أن عدم اتخاذ الإجراء المناسب سيعني انعدام “مياه الشرب في أغسطس في الكثير من المدن التونسية، بما في ذلك العاصمة تونس”.
ويتوقع البنك الدولي أن تواجه تونس موجات جفاف أطول وأكثر تواترا وصعوبة في المستقبل مع ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض مستويات هطول الأمطار.
وترى إيمان الحبيري في التكنولوجيا إحدى طرق المقاومة. وقالت “علينا أن نتحرك بشكل أسرع مع اعتماد حلول فعالة لمواجهة أزمة لا مفر منها”.