دنيز رحمة فخري
بات مؤكداً أن رئيس مجلس النواب نبيه بري لن يدعو إلى جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية في المدى المنظور، على عكس ما تردد سابقاً عن احتمال عقد جلسة بعد عيد الفطر.
وتؤكد مصادر عين التينة، حيث المقر الرسمي لرئيس المجلس النيابي، أن أية دعوة لن توجَّه إلى النواب إلا إذا شعر بري بأن الجلسة ستكون حاسمة، ولن يتكرر فيها المشهد نفسه الذي حصل خلال الجلسات الـ11 السابقة التي لم تنتج رئيساً.
الجمود الرئاسي مرجح أن يستمر، وهو ما عكسه كلام رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، الذي اعتبر أن “لا انفراج قريباً في ملف الاستحقاق الرئاسي”، فيما تؤكد أوساط مقربة من “حزب الله” لـ”اندبندنت عربية” الاستمرار بدعم رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية حتى إيصاله إلى القصر الجمهوري، ولو طال الزمن لسنوات.
عبر عن ذلك بوضوح نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم، مختصراً المعركة بين مرشحين، فرنجية والفراغ، وغرد “البلد أمام مرشحين، أحدهما جدي والآخر هو الفراغ”.
وإذا كانت المساعي الداخلية مغلقة وسط محاولات مستمرة لتوحيد المعارضة حول مرشح واحد، فإن الاتكال على مبادرة خارجية تبدد، في ظل استمرار مستشار الرئيس الفرنسي باتريك دوريل في مسعاه لتأمين ظروف نجاح مرشح “حزب الله”، على رغم البيان التوضيحي للخارجية الفرنسية في مقابل التباين بين فرنسا والدول الأربع التي شاركت في اللقاء الخماسي في باريس، وهي الولايات المتحدة والسعودية وقطر ومصر.
وكشفت مصادر دبلوماسية عن أن الموفد القطري سيزور لبنان في أول أسبوع من شهر مايو (أيار) المقبل، بعد الزيارة الاستطلاعية السابقة، في محاولة جديدة لتأمين اتفاق بين “حزب الله” وحلفائه من جهة، والقوى السيادية في المعارضة من جهة أخرى على اسم قائد الجيش جوزف عون.
وأكدت المصادر أن لا موعد محدداً بعد لاجتماع جديد للدول الخمس، طالما التباين مستمر حول الملف الرئاسي، وكشفت عن أن الاجتماع إذا حصل فسيكون بعد القمة العربية في الرياض، بالتالي فإن الأسابيع القليلة المقبلة ستكون حاسمة في شأن مصير فرنجية، “فإما يسقط خياره نهائياً أو يمر بـ’تطنيش عربي‘ ويصبح رئيساً”.
محاولات فرنسا
لا مؤشرات توحي بتراجع الجانب الفرنسي عن التسوية التي توصل مرشح “حزب الله” إلى رئاسة الجمهورية.
وكشفت مصادر دبلوماسية في فرنسا عن أن باريس مستمرة في العمل على تأمين نجاح وصول فرنجية إلى قصر بعبدا، طالما هو الخيار الوحيد حتى الآن المرضي عنه من قبل “حزب الله”، وطالما لا مرشح آخر تتوحد حوله المعارضة، وهي مصرة على نجاح المقايضة القائمة على رئيس قريب من الحزب في مقابل رئيس حكومة ترضى عنه المعارضة وهو السفير السابق نواف سلام، علماً بأن أي تعليق لم يصدر عن سلام نفسه، وسط تساؤلات عن مدى موافقته على الطرح الفرنسي.
ونشطت دوائر قصر الإليزيه خلال الأسابيع الأخيرة في اتجاه قوى المعارضة في محاولة لحلحلة العقدة المسيحية التي تعوق وصول فرنجية، فاستقبل مستشار ماكرون رئيس حزب “الكتائب” النائب سامي الجميل بفرنسا في محاولة لم تنجح لإقناعه، بعد لقاء جمعه أيضاً برئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط للغرض نفسه، وسجل في باريس أيضاً لقاء مع عضو كتلة “التيار الوطني الحر” النائب سيمون أبي رميا، الذي يقف تياره ضد وصول فرنجية.
كما التقت السفيرة الفرنسية لدى بيروت آن غريو رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع بمقر الحزب لمدة ساعتين، وجددت طرح مقايضة تكون “القوات اللبنانية” جزءاً منها بمكاسب وزارية، وقوبلت برفض جعجع.
وفي محاولة جديدة لتليين موقفه تلقى جعجع اتصالاً هاتفياً من مرجعية كبيرة بوزارة الخارجية الفرنسية، تلا اللقاء مع السفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو، ورفضت مصادر مقربة من جعجع الكشف عن هوية المتصل، مشيرة إلى أنها سمعت الجواب نفسه عن “استحالة القبول بأي مرشح لمحور الممانعة” لأسباب عدة عددها جعجع للمتصل الفرنسي.
واعتذر رئيس حزب “القوات اللبنانية” عن عدم تلبية دعوة تلقاها إلى زيارة باريس. وكان موقفاً عالي السقف لجعجع ضد فرنسا واتهمها بخوض معركة إيصال فرنجية بصفقة مع “حزب الله”، “على خلفية مصالح اقتصادية تبدأ في مرفأ بيروت وتنتهي في مرفأ طرابلس مروراً بشركة توتال”.
وكشفت مصادر دبلوماسية في باريس عن أن فرنسا فوجئت بكلام جعجع وعبرت عن استيائها من موقفه.
أميركا تنتقد الطرح الفرنسي
بالتزامن مع المساعي الفرنسية لتحريك الجمود الرئاسي بطرح المقايضة بين فرنجية وسلام، انشغلت الأوساط اللبنانية بتفسير الكلام الذي صدر عن وزارة الخارجية الفرنسية، الذي أعلنت فيه أن “لا مرشح مفضلاً لدى فرنسا، داعية اللبنانيين إلى اختيار قادتهم”.
وكشفت مصادر الوفد النيابي الذي زار واشنطن أخيراً عن أن بيان الخارجية الفرنسية صدر بعد اتصال هاتفي بين الجانبين الأميركي والفرنسي عبر خلاله الأميركيون عن استيائهم للمسار الذي سلكته المساعي الفرنسية، وما اعتبروه تمادياً فرنسياً للوكالة التي أعطيت لهم من قبل واشنطن.
كما اعتبر الجانب الأميركي أن دعم مرشح معين يعد خرقاً للسيادة اللبنانية وتدخلاً في شؤونه، وطلبوا من الفرنسيين ألا يستمروا في التسوية القائمة على المقايضة بين مرشح لـ”حزب الله” للرئاسة في مقابل مرشح للمعارضة لرئاسة الحكومة، مع التذكير بأن توكيلهم بالملف اللبناني لا يعني تبني مرشح ضد آخر.
ونقل الوفد النيابي اللبناني تأكيداً أميركياً بأن الولايات المتحدة لا يمكن أن تتحمل مسؤولية فرض رئيس على اللبنانيين، وهي منسجمة في هذا الموقف مع السعودية، وهم لا يريدون التدخل كما لا يريدون غيرهم أن يتدخل، ويرددون عبارة واحدة “ساعدوا أنفسكم لنساعدكم”.
ولم يدخل المسؤولون الأميركيون مع الوفد النيابي اللبناني بلعبة الأسماء، علماً بأن اسم قائد الجيش العماد جوزف عون ورد في بعض اللقاءات في إطار السؤال عن حظوظه وعقدة التعديل.
اتجاهات المعارضة
في موازاة الحراك الخارجي تنشط اتصالات داخلية داخل المعارضة بحثاً عن حل للأزمة الرئاسية، ومساعي التوافق لا تزال في بداياتها.
وكشفت مصادر نيابية عن اتصالات ثنائية تحصل بعيداً من الإعلام على خط كليمنصو – معراب (جنبلاط – جعجع)، وأخرى بين الكتل والأحزاب والمستقلين للاتفاق على مرشح واحد.
وينشط في هذا السياق النائب المستقل غسان سكاف، الذي أعلن مبادرة يتم العمل عليها تقوم على منع تعطيل النصاب بإيجاد مرشحين، مرشح من كل فريق، فيكون فرنجية مرشح الحزب وحلفائه، في مقابل مرشح تختاره قوى المعارضة، أو يحظى بتأييد وازن من قبلها، مما يجعل تعطيل النصاب أمراً صعباً.
ويؤكد سكاف في تصريح خاص أنه في ظل وجود فريقين متساويين بالعدد، وكتلة مترددة من 30 نائباً، سيعمل كل فريق على تأمين فرص نجاح مرشحه، عبر إقناع المترددين من جهة والالتزام باللعبة الديمقراطية من جهة أخرى.
سكاف الذي استهل لقاءاته مع رئيس حزب القوات اللبنانية، سعياً إلى تسويق مبادرته، وسيستكملها بلقاءات مع جميع القوى ومن بينها الرئيس نبيه بري ونواب من “حزب الله”، يؤكد أن حظوظ هذه المبادرة عالية، وأنه “آن الأوان للانتقال إلى فصل جديد حيث لا شعارات فيه ولا أوراق بيضاء ولا تعطيل، بالتالي ستكون الكرة في ملعب المترددين من النواب الذين عليهم حسم موقفهم واختيار الأنسب لإنقاذ لبنان”.
المصدر اندبندنت عربية