مسار عبد المحسن راضي
يبدو أن أقدام المجتمع الدولي، تعِبت من كُرة الحدث السوري، وقرَّرت إراحة سيقانِها المُتعبة، من كثرة الركض الروسي، في الملعب الأوكراني، ومتابعة مراقب الخط الصيني.
السيقان السياسيَّة للجامعة العربية، كانت البديل المنطقي، لتسجيل هدف استقرار المنطقة العربية، بالدولة السورية.
هذهِ اللغة الكرويَّة، تبدو مناسِبة جدّاً، لتفسيرِ قوَّة عضلات الجامعة العربيَّة، التي عانت من النَمَلِ، ولعقودٍ طويلة، نتيجة جلوسِها على مقعد التفسير الغربي، لقيمتِها، باعتبارها واحِدة من المنظمات الإقليمية: “إنَّها قريبة الروابط وتتأثر بالنظام الدولي المسيطر عليه من قوى مُحددة، والتي من المفترض أن تكون تابِعة لها”.
القمة العربية الثانية والثلاثون، الاعتيادية، والمزمع عقدها في المملكة العربية السعودية، في 19 مايو 2023، تبدو فُرصة واعِدة، لتقليل حِراك البُدلاء (المجتمع الدولي)، وتعويضه بأداءٍ أفضل، من قبل التشكيلة الأساسية (الدول العربية)، في الدوري السوري.
الأداء العربي، وحده، من سيمتلك اللياقة الأُممية لتسجيل دمشق في شِباك الاستقرار السياسي للمنطقة العربية. هذهِ اللياقة، ليست تعبيرا مجازيا، بل كلمات واضِحة جدّا، في ميثاق الأمم المتحدة، الفصل الثامن تحديدا (مواده من 52 إلى 54). فضلا عن أنّ النظام العالمي، بات يتجه نحو “الأقلَمة” بدل العولمة.
◙ العرب مطالبون اليوم بأن يستعيدوا، وبأسلوب عملي، سر نجاح وصمود مبادرة الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، بخصوص فلسطين
الدول العربية، وبحسب هذا الفصل الأممي، تستطيع أن تكون ربيعا، لتفاعلٍ سياسي صحي، بين الأنظمة العربية. هو يعطي وببساطة، جامعة الدول العربية كل الشرعيّة اللازمة لحلّ المسألة السوريّة. المعضلة الوحيدة، أنّ إنفاذ الحل، يحتاج إذنا من مجلس الأمن.
الإذن موجود كما يبدو، من قبل العُظمى الخمس. حتّى واشنطن، وهي أنشط الخماسي، في المنطقة العربية، والتي صرَّحت، بأنها لن تتعاطى مع النظام السوري، ولا تشجع على عودة العلاقات العربية معه، يبدو لِسانُها أفغانيّا! فقد حرصت الولايات المتحدة، وقبل انسحابها من كابول، وتركها لنظام طالبان، بالتوضيح، بأنها ستنخرط في مساع دبلوماسية “إقليميّة”، من أجل استقرارها.
هذا السماح من قبل القوة العظمى، هو “اضطرار اختياري”. الاختياريَّةُ فيه، أنّه لتوظيف الموارد، في مناطق أكثر أهمية بالنسبة إلى حِسابات واشنطن وبروكسل، ومن الممكن اختصارُها بكلماتٍ مفتاحيَّة: بكين، موسكو، كييف، تايبيه. أمّا الاضطرارية فيه؛ فإنَّ بعض دول المنطقة العربية المؤثِّرة، مثل المملكة العربية السعودية، قررت تنضيج سياساتِها الخارجيَّة، بتوفير موارد ثابتة لها.. أي إنّ المساعدات السعودية، والمنح التي ستقدّمها، باتت مشروطة برؤى سياسية وإستراتيجية، يجب أن تستجيب لها الدول المستفيدة.
المثال الصارخ على تداعيات عدم وجود موارد كافية للسياسات الخارجيَّة، نستطيع رؤيته في أداء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والذي يتخبط دائما في تصريحاتٍ ديغوليَّة – نسبة إلى الرئيس الفرنسي شارل ديغول – لكنه يسبب خسارات بيتانيَّة – نسبة إلى الجنرال الفرنسي فيليب بيتان الذي تعاون مع ألمانيا النازيَّة – لثقة بروكسل في سلوك الإليزيه.
مأزق السيد ماكرون، أو الرئيس “الإسفنجة” كما يوصف، أنّه يحاول في البيانات الرسميَّة، شحذ ميزانيَّة بلاده، بمداعبة ضريح الاستقلال الأوروبي عن واشنطن، كما حصل في رميه لورود تصريحاته الأخيرة، المقطوفة من حديقة زيارتِه إلى بكين.
◙ الدولة السورية، وهي من الأعضاء المؤسسين للجامعة العربية، لا يمكن تركها لرياح المرحلة الانتقالية التي يعيشها النظام العالمي
دافع الاضطرار الأهم، أنّ جميع القوى العظمى، المشكِّلة لمجلس الأمن، تشبه مجلسا إمبراطوريا، متأثّرا بالتجربة الإمبراطورية البريطانية، ذات الطبيعة “الاختيارية”.. أي قبول الخصوم قبل الحُلفاء، بالعقل الإمبراطوري، وقدرته على أداء التوازنات.
هذه الطبيعة الاختيارية، لم تعُد متوفِّرة اليوم. لا بدَّ إذاً من تجديدِها، قبل الانطِلاق لتأسيس منتظمات جديدة للنظام العالمي، أي الانتقال من نظام القطب الواحد، إلى نظام الأقطاب المتعدّدة.
الانتقال من نظام عالمي إلى آخر، يحتاج اختبارا، لقياس قُدرة أقاليم العالم أو عدم قُدرتِها على الانتقال.
أحد علماء النُظم الفرعية (الإقليمية)، قدَّم تعريفاً من خمسة شروط – يضيء سياق الطرح – لكي تستحق أي منطقة في العالم اعتبارها إقليما.
الدول العربية وللأسف لا تمتلك ثلاثة من هذه الشروط – بسبب تدخلات القوى العظمى – فهي تفتقد إلى اتباع: “نفس السلوك السياسي والمواقف، الاعتماد السياسي المتبادل، والاعتماد الاقتصادي المتبادل”.
نستطيع القول وبمنطق لا بأس به، إن عودة الدولة السورية إلى مقعدها في الجامعة العربيَّة، ومشاركة دول المنطقة في تأهيل سوريا، ستحدّد قيمة المنطقة (تعبير آخر للإقليم) العربية في: “معادلة توازن القوَّة عند المستوى العالمي”. وهي خطوة مهمة جدّا في “تشكيل الاقتصاد الاجتماعي والأقدار السياسية في الدول التي تشكِّلها”.
◙ القمة العربية الثانية والثلاثون، الاعتيادية، والمزمع عقدها في المملكة العربية السعودية، في 19 مايو 2023، تبدو فُرصة واعِدة، لتقليل حِراك البُدلاء (المجتمع الدولي)، وتعويضه بأداءٍ أفضل.
مصلحة العرب، شعوبا وأنظمة، في قمة مايو القادمة، هي التركيز على المسألة الفلسطينية، السورية، والسودانية معا، وعدم التعكز على الأولى. غالبا ما كانت فلسطين، كارت بلانش، يكفي نثريات الشرعيَّة القوميَّة للأنظمة العربية، ويؤجِّل مدفوعات سياسة داخلية رشيدة، وخارجية متوازنة.
العرب مطالبون اليوم بأن يستعيدوا، وبأسلوب عملي، سر نجاح وصمود مبادرة الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، بخصوص فلسطين. تلك التي أُعلِن عنها، في قمَّة بيروت (مارس 2002).
حسب تقدير الكثيرين، فإنّ تلك المبادرة كانت استجابة عقلانية ورؤية واقعيَّة لقدرة الدول العربية على توظيف الموارد الحقيقية التي تمتلكها، لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
الدولة السورية، وهي من الأعضاء المؤسسين للجامعة العربية، لا يمكن تركها لرياح المرحلة الانتقالية التي يعيشها النظام العالمي. جميع الدول المؤسسة للجامعة العربيَّة، عموماً، تحتلُ ما يشبهُ مواقع العُرى الوثقى، في المنطقة العربيَّة، ولها دور مؤثِّر في المشرق منها، وقريبة من التواصل مع قارات العالم المختلفة بصيغ أكثر تنوّعا من مغربه. طبعا، لا يُنقِصُ ذلك، من أهمية المغرب العربي، ولو بمقدار خردلة.
قمة مايو القادمة، مهمة جدّاً. هي ستكون قمَّة أولى ثانية (الأولى قمة أنشاص/ الإسكندرية في مايو 1946)، لبداية عمل حقيقي للجامعة العربية، لذا فإنَّ على الدول العربية ألا توظِّف النجاح المرتقب للقمَّة لإعادة تعبئة رصيدها الدولي، فنجاح أعمال القمَّة – الورقة السورية تحديدا – هو الخطوة الأولى في تحويل الكامن العربي إلى مُمكِنات إقليميَّة ودوليَّة، ومسمار صغير في نعشِ تغيير خرائط المنطقة.
نقلاً عن صحيفة العرب