ضياء رشوان
نتابع معاً في المقال الحالي تحليل بعض مقومات وسمات إعلام جماعة الإخوان من خارج مصر، سواء كان إعلاماً تقليدياً أو على وسائل التواصل الاجتماعي، سواء قام به أعضاء الجماعة المنظمون بمختلف انقساماتها أو الملتحقة بهم من المنتمين لتيارات أخرى.
وما نتطرق إليه هنا
ونرجع هنا مباشرة إلى مهنة “الندابة” أو “المعددة” التي ظهرت في مصر لمدة طويلة وكذلك في بعض مناطق الجزيرة العربية وبعض مناطق الشام، ولا تزال توجد في بعض من دول إفريقيا جنوب الصحراء. وفي مصر الحالية تراجع وجود “المعددة” أو “الندابة” إلى حد كبير في المناطق الحضرية والمدن، وإن ظل لها وجود ملحوظ في بعض المناطق الريفية وخصوصاً في الصعيد جنوب البلاد. أما من هي “المعددة” أو “الندابة”، فيكفي أن نرجع إلى الكتاب المرجعي المهم الذي ألفه المفكر الموسوعي والعلامة الكبير أحمد أمين عام 1953، بعنوان “قاموس العادات والتعابير المصرية”، والذي يعرف به المرأة التي تمتهن هذه المهنة بأنها “امرأة تدعى للغناء في المآتم، وهي تستفسر أولاً عن الميت ومن هو، وعلى أي حال كان، وما فضائله ومزاياه، وتصوغ من كل ذلك كلاماً في “تعديدها” يثير كوامن النفوس، ولها لسان فصيح وقدرة تامة على الإبكاء، وبعضهن يصحبن معهن الدف، فيثرن بذلك دوافع اللطم على الوجوه”.
وبحسب أحمد أمين وكثير من علماء الاجتماع والتراث المصريين والعرب وكذلك المشاهدة العيانية، فإن “المعددة” أو “الندابة”، هي مهنة لبعض النساء وليست ممارسة طقوس حزن عادي طبيعي تمر به من تقوم بالندب بصوت عال في الجنائز، أو تلقى صارخة “العدودة” في ريف مصر الجنوبي والشمالي، وهي الكلام المنظوم في محاسن المتوفي. فمن تمتهن هذه المهنة هي امرأة تحترف استدرار البكاء والعويل في أحزان الآخرين، وتأخذ عن أدائها هذا أجراً نقدياً أو عينياً من أهل المتوفي الذين يستأجرونها للقيام بهذا الدور والمهنة.
فأما عن التشابه الشكلي والموضوعي بين “المعددة” أو “الندابة” والقائمين على إعلام الإخوان بكل صوره وأصنافه فهو متعدد الزوايا. فمن ناحية أولى، يلاحظ متتبع هذا الإعلام أن هؤلاء القائمين عليه يتبعون حرفياً في أدائهم سلوك “المعددة” أو “الندابة”، من حيث الاستمرار دون انقطاع في العويل والصراخ وافتعال الحزن والبكاء مع ارتفاع أو انخفاض في مستوى هذا الأداء المستمر. والفارق الموضوعي الوحيد هنا والمهم، هو أن “المعددة” أو “الندابة” الطبيعية لا تفتعل موت أحد أو تختلق جنازة لكي تمارس مهنتها، أما القائمين بإعلام الإخوان فلا يبحثون في بلدهم الأصلي مصر سوى عن السلبي من التطورات، مبالغين فيها إلى حد افتعال حالة الموت وسياق الجنازة، حتى يمارسوا ندبهم وبكائهم المفتعلين سعياً وراء الهدف الطبيعي لأصحاب هذه المهنة وهو دفع مشاهديهم ومتصفحيهم وقرائهم إلى مزيد من الحزن والعويل والصراخ.
من ناحية ثانية يتفق القائمون على إعلام الإخوان مع “المعددة” أو “الندابة” في تكرار الكلام المنظوم أو “العدودة” طوال كل حلقاتهم وبرامجهم، وهي المعادل للجنائز في حالة المهنة الأصلية، مفتعلين فيها من المضامين ما يخدم هدفهم النهائي السياسي وهو إشاعة حالة اليأس والحزن والغضب بين المصريين.
أما ما يختلف فيه إعلاميو الإخوان عن صاحبات المهنة الأصلية، فهو أنهم لا يرون في بلدهم – الذي يحاولون تصويره بأنه الميت – أي شيء إيجابي يذكرونه، فهم لا يرون ولا يعددون سوى السلبيات التي لا يتوقفون طوال ندبهم وعديدهم عن ذكرها والتركيز المفرط عليها.
ويتفق إعلاميو الإخوان مع “المعددة” أو “الندابة” أيضاً في أمرين آخرين: فكلاهما يتدرب على أدائه بصورة احترافية لكي يقنع من يرونه بصدق حزنه وولولته وندبه، وكلاهما أيضاً يتصنع في هذا الأداء أنه صاحب الحزن الفعلي والقريب ممن يندبه، وأنه يعبر عن مشاعر صادقة حقيقية وليس عن استئجار له لكي يقوم بهذا الدور.
وأما وجه التشابه الأخير والجوهري بين “معددات” وندابات إعلام الإخوان وبين صاحبات المهنة الأصلية، فهو أنهم يتقاضون مقابل هذه المهنة التي يحترفونها مقابلاً مادياً، لا يمكن مقارنته بالنذر اليسير من المال أو الطعام الذي تأخذه “المعددة” أو “الندابة” الطبيعية، فهم يتقاضون مباشرة أجوراً عالية للغاية فضلاً عما يتم إنفاقه على إعداد أستوديوهات ومنصات الندب والعديد، من محطات تليفزيونية ومواقع إلكترونية وصحف ومجلات مطبوعة، وهو ما لا تتطلبه المهنة الأصلية.
نقلاً عن “العين” الإخبارية