كريتر نت – متابعات
تعمل السعودية ومصر على إطلاق مشاريع عملاقة لتحلية المياه لمواجهة تفاقم أزمة شحّها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتشمل المشاريع إنشاء أنهار صناعية كبيرة على شاكلة النهر الصناعي العظيم الذي أقامه العقيد الليبي الراحل معمر القذافي في ثمانينات القرن الماضي.
ولمواجهة حاجتها المتزايدة من المياه، أعلنت السعودية في مارس الماضي أن رؤية 2030 لولي العهد الأمير محمد بن سلمان تشمل بناء مجرى مائي بعمق أربعة أمتار وعرض 11 مترا وطول 12 ألف كيلومتر، أي أنه سيصل ضعف طول نهر النيل الذي يعدّ الأطول في أفريقيا والأطول في العالم بعد الأمازون.
وصدر الإعلان عن هذا المشروع العملاق في البداية عن مقدّم برنامج “سين” الذي يعرض على قناة “إم بي سي” الفضائية أحمد الشقيري، الذي بدا متحمسا عند حديثه عن الأنابيب المقاومة للتآكل التي ستنقل المياه المحلاة إلى مدن المملكة، وتساعد على ري المشاريع الزراعية الواسعة، وتحول الصحراء إلى جنة خضراء.
وقال الشقيري إن “طول الأنابيب تحت المدن السعودية يبلغ 126 ألف كيلومتر، وستكون كمية المياه المنتجة يوميا 9.4 مليون متر مكعب”.
ورغم عدم الإعلان عن التفاصيل الأكبر بعد من جهة رسمية، إلا أنه يمكن القول إن الشقيري لم يكن ليتحدث عن مشروع خط الأنابيب دون موافقة الحكومة ودون ضوء أخضر من ولي العهد.
ونشر الشقيري، الذي عرف بتحمسه للمشاريع الكبرى التي ينفذها الأمير محمد بن سلمان وبينها هذا النهر الصناعي العظيم، تغريدة عن النهر قال فيها إن “كمية الجهد المبذولة لإنشاء أنهار تحت الأرض توفر لنا المياه في بيوتنا رغم أننا في منطقة أغلبها صحراء، هي نعمة وُلِدْتُ فيها، ومن كثرة الاعتياد عليها نسيتها واعتبرتها من المسلّمات. شكرا لكل من كانت له يد في أن نستيقظ من النوم ونجد الماء في البيت”.
لكن بعض الأسئلة تُطرح حول كلفة تحلية المياه على المستوى البيئي، حيث تنتج العملية على سبيل المثال كميات هائلة من المحلول الملحي التي تُضخ في البحر مرة أخرى. كما تحوم الشكوك حول البصمة الكربونية بسبب كمية الهيدروكربونات التي يتطلبها تشغيل المحطات. لكن الشقيري لم يتطرق إلى هذه الجوانب خلال برنامجه.
وللسعوديين خبرة طويلة وثرية في تحلية المياه. وتأسست المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة سنة 1974 لتلبية تزايد احتياجات المملكة المائية. وأنتجت المؤسسة بحلول 2021 حوالي 2.2 مليون متر مكعب من المياه المحلاة.
لكن ثقافة الحفاظ على المياه لم تشهد نفس القدر من التطور، فلم تبد المملكة أيّ خطط واضحة للمحافظة على المياه، ما دفع السعوديين إلى الإسراف في الاستهلاك. لكن الأمور قد تتغير، وخاصة إذا رأى ولي العهد حاجة جدية لإصدار قرار بوضع إستراتيجية للتقشف في المياه.
وفي مصر، أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسي في أبريل الماضي عن مشروع “أكبر نهر اصطناعي في العالم”. وسيوفر هذا النهر، رغم طوله الذي لا يتجاوز 114 كيلومترا، المياه لما يسمى بالدلتا الجديدة والتي يُقال إنها ستخلق 2.2 مليون فدان من الأراضي الزراعية لإنهاء اعتماد مصر على واردات الحبوب الأجنبية التي ارتفعت أسعارها نتيجة للحرب في أوكرانيا، وهي تعدّ اليوم أكبر مستورد لها في العالم.
ويتبع مشروع الدلتا الجديدة، الذي تبلغ تكلفته 5.25 مليار دولار، مشروع النهر الأخضر الاصطناعي الذي من المخطط أن يمر عبر العاصمة الإدارية الجديدة. وتبلغ كلفة العاصمة 58 مليار دولار. وقال موقع أخبار العمارة المصرية (إيجيبت آركيتكتشر نيوز) إن النهر الذي يبلغ طوله 35 كيلومترا سيتدفق عبر منتزه سيمتد على طول المدينة.
وأضاف الموقع “ستمتد الحديقة المركزية على مساحة 10 كيلومترات لتصبح أحد أكبر المنتزهات في العالم. وهي تعتبر المكون الرئيسي في الهيكل العمراني للعاصمة الإدارية الجديدة… وستتضمن هذه الحديقة شبكة متكاملة من الممرات للمشاة والدراجات ومجموعة متنوعة من المشاريع المميزة. وستُروى المساحات الخضراء داخل العاصمة بمخرجات محطات معالجة المياه”.
وتتعارض مشاريع السيسي الضخمة وتكاليفها الكبيرة مع عبء الديون الهائل المتراكم في البلاد.
وقال المحلل ماجد مندور في تصريح لموقع “عرب دايجست” إن نظام السيسي يقترب من نهاية الطريق فيما يتعلق بتمويل مشاريعه الضخمة التي تستنفد طاقة البلاد وإمكانياتها، في الوقت الذي يتحمل فيه المصريون العاديون أثقل الأعباء الاقتصادية ويعانون من عدم الاستقرار المتزايد في إمدادات المياه.
وتصبح تحلية المياه الحل الوحيد للتحديات والتهديدات التي تقوّض أمن المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وسيساعد استخدام مصادر الطاقة المتجددة (مثل الطاقة الشمسية) في عملية تحلية المياه على تقليل ضررها البيئي.