إسحق كفير
بعد فترةٍ وجيزة من هجمات 11 سبتمبر، أعلن الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش: “نحن نكافح الفقر لأن الأمل حلٌ للإرهاب”. في ذلك الوقت، كان الباحثون ينتقدون رغبة بوش في ربط الحرمان الاقتصادي بالإرهاب، زاعمين أنه لا يوجد سوى القليل من الأدلة التجريبية لدعم مثل هذا الرأي. وكانت الأدلة المتاحة على قلتها ضعيفة واختزالية وتتجاهل الاعتبارات السياسية، وعوامل الدفع والجذب التي تدفع الشباب للانضمام إلى تنظيم القاعدة.
غير أنه في ظلِّ تكاثر الجماعات السلفية الجهادية، في جميع أنحاء القارة الإفريقية في السنوات القليلة الماضية، ربما يكون من المفيد إعادة النظر في العلاقة بين الفقر والإرهاب، خاصة وأن هناك الآن الكثير من الأدلة التي تشير إلى أن الفقر هو أداة تجنيد أقوى من الأيديولوجيا أو الدين.
أحد الأسباب التي جعلت تنظيم القاعدة، ولاحقًا داعش، يتمتع بجاذبيةٍ محدودة في إفريقيا هو أن السلفية كانت غائبة إلى حدٍّ كبير طوال معظم تاريخ القارة. بدأ التحوّل في الممارسات والشعائر الدينية في الستينيات والسبعينيات. في ذلك الوقت، اخترقت القارة حركات إصلاحية أو إحيائية مقرها الخليج وجنوب آسيا، مثل جماعة التبليغ، حاملة معها أفكارًا وموارد جديدة. كان الهدف الرسمي هو التثقيف، وتوفير الخدمات الاجتماعية، وتحدي الظلم. ومع ذلك، فإن وجودهم غيَّر فعليًا الطريقة التي كان يُمارس بها الإسلام في إفريقيا، التي كانت في السابق أكثر ميلًا للصوفية.
الجهاديون يتبنون أجندة العولمة المحلية/الإقليمية
شجعت الحركات الإصلاحية سكان المنطقة على تحدي القيادة المحلية، ما أدّى إلى ظهور أجندة إسلاموية إفريقية. وقد استندت جماعات مثل حركة الشباب (الصومال)، وبوكو حرام (نيجيريا والنيجر وتشاد)، وجماعة نُصرة الإسلام والمسلمين (مالي)، وأهل السنة والجماعة (موزمبيق)، وولاية غرب إفريقيا التابعة لتنظيم داعش، وولاية الصحراء الكبرى التابعة لتنظيم داعش، إلى العمل الذي قامت به الحركاتُ الإصلاحية وكشفت عن فشل الحكومات في معالجة المظالم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية طويلة الأجل.
ولأن التكيَّف والابتكارات الأيديولوجية هي السمات الرئيسة للجماعات الإرهابية، فإن العديد من الجماعات السلفية/الجهادية العاملة في جميع أنحاء القارة تتبنى حاليًا أجندات عولمحلية (عولمة إقليمية) تلقى قبولًا لدى الشباب الذين يعمُّ بينهم سخطٌ على الواقع الاجتماعي.
بشكلٍ أكثر تحديدًا، بدأت هذه الجماعات في اكتساب زخم بمجرد تكييفها لرسائل تنظيمي القاعدة وداعش. وإدراكًا منه للتغير الحاصل في المشهد السلفي والجهادي، كيّف زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري نهجه بما يناسب الجماعات المحلية. لم يعد يتطلع إلى إملاء أجندة القاعدة أو أيديولوجيتها، واختار بدلًا من ذلك عقد شراكاتٍ، وإقامة علاقاتٍ تتبنى فيها الجماعات المحلية فكر تنظيم القاعدة، وفي المقابل، يمكنها استخدام اسم تنظيم القاعدة.
وقد أخذت الجماعات السلفية والجهادية المحلية أيديولوجية القاعدة وداعش، والرسائل القومية (العابرة للقومية)، وادّعاء أن المسلمين عليهم واجب تجاه الأمة الإسلامية، ودمجت المظالم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المحلية في برنامجها. وسعت لاستغلال الفقر والفساد، ونقص الاستثمار، لتجنيد الأتباع.
تقوم هذه الجماعات إما بتحفيز الناس عن طريق تقديم المال، أو مداهمة القرى واختطاف الأطفال وتجنيدهم قسرًا وتلقينهم. كما تدعي أنه بإمكان المجندين، من خلال العضوية، المساعدة في تشكيل مجتمعٍ أفضل، مجتمع قائم على الإسلام، وخالٍ من الفساد وسوء المعاملة.
هناك عاملان آخران ساعدا هذه الجماعات على النمو. أولًا، استغلال المناطق التي تكون فيها سيطرة الدولة محدودة. حدث هذا في نيجيريا حيث تمكَّنت بوكو حرام من استغلال الفقر والبطالة والأميّة وضعف الهياكل الأسرية لتجنيد الأتباع بنجاح. ثانيًا، بينما تحرِّض الجماعات السلفية والجهادية السكان على الحكومة، فمن المرجح أن ترد الحكومة بقوة عسكرية صارمة. والنتيجة هي وضع يتعين فيه على السكان المحليين الاختيار بين أمرين: إما الوقوف إلى جانب قوات الأمن أو الإرهابيين من أجل ضمان الحماية.
دراسات الحالة
الحالة الأولى هي الصومال، التي اعتمدت النهج العولمحلي في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين مع صعود اتحاد المحاكم الإسلامية. لقد وعد اتحاد المحاكم الإسلامية بأنه سيفرض القانون والنظام، وينهي الفساد القضائي من خلال فرض الشريعة الإسلامية. وقد جذب ذلك مجتمع الأعمال في مقديشو الذي كان يبحث عن أي شيء لوقف التنافس بين العشائر حتى تتمكن الشركات من العمل. لم يهتم المجتمع بأن اتحاد المحاكم الإسلامية كان أكثر تدينًا منهم، بل أرادوا فقط خلق بيئة حيث يمكن للشركات العمل.
الحالة الثانية هي مالي، التي تُعد مثالًا جيدًا على كيفية توسّع السلفية الجهادية في إفريقيا. نشأ تمرد عام 2012 جراء التقاء عوامل مثل وجود حركة تحرر وطني للطوارق (الحركة الوطنية لتحرير أزواد)، الذين تعرّضوا للإهمال والقمع من قبل الحكومات المالية المتعاقبة، وضخ بعض المساعدات الخليجية التي غالبًا ما ترتبط بالنهضة الإسلامية. بالإضافة إلى ذلك، حدثت أسلمة الصراع في شمال مالي بسبب طموح القادة المحليين، مثل آغ غالي، الذين رأوا مصلحة في الحصول على الدعم من جماعة مثل القاعدة، في وقتٍ كان فيه تنظيم القاعدة يتطلع إلى التوسع والنمو.
وعلى الرغم من هزيمة التمرد الذي يقوده السلفيون/الجهاديون في نهاية المطاف، فإن جذوته ما تزال مشتعلة. وفي ظل عدم معالجة الحكومة المالية أو المجتمع الدولي للظروف الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة، فإن عدم الاستقرار ما يزال سائدًا في جميع أنحاء المنطقة.
كما تقدم موزمبيق مثالًا آخر حول مساهمة الخروقات التي يرتكبها المسؤولون الرسميون، ونقص الفرص الاقتصادية في تغذية التمرد الإسلاموي. في موزمبيق، تمكَّنت جماعةٌ كانت غير ذات أهميةٍ، إلى حدٍّ كبير، قبل بضع سنوات، من قتل الآلاف من الأشخاص، وتشريد أكثر من 400,000 شخص، والاستيلاء على منطقة من الدولة، وإن كانت قد فقدتها لاحقًا. وعلى الرغم من أن موزمبيق شهدت فترة طويلة من النمو الاقتصادي بعد حربها الأهلية، فإن الفوائد لم تصل إلى معظم السكان، حيث ظلَّ قرابة نصف جميع الموزمبيقيين يعيشون في فقر مدقع.
وبالتالي، كان صعود التمرد في الشمال متوقعًا إلى حدٍّ ما لأنه كان يقوده الشباب، الذين كان الكثيرُ منهم غاضبين من استشراء الفساد، ونقص الفرص. إضافة إلى ذلك، فإن السكان يعتقدون أن الحكومة المركزية تستغل موارد الغاز الطبيعي في الشمال على حساب السكان المحليين الذين يكابدون عناء عمليات الإخلاء وإعادة التوطين بسبب مشروع الغاز الطبيعي المسال.
الخلاصة
لقد أصبح الإسلامويون والسلفيون الجهاديون أكثر قدرة على استغلال الظروف الاجتماعية والاقتصادية في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، خاصة لأنهم يرون أن اهتمام الغرب بالمنطقة، بصرف النظر عن تسليح الحكومات الاستبدادية، آخذ في التضاؤل.
هذه السياسة لا تجلب سوى المزيد من الغضب والشعور بالاغتراب لدى الشرائح الساخطة من المجتمع، ما يجعل الوعد السلفي الجهادي بحياة أفضل أكثر جاذبية. ولذلك، يجب التركيز على معالجة الظروف الاجتماعية-الاقتصادية قبل أن نتمكن من مكافحة هذه الحركات الإرهابية الناشئة في جميع أنحاء إفريقيا على النحو الواجب.
عن “عين على التطرف”