كريتر نت – متابعات
نشرت صحيفة الجارديان البريطانية، الاثنين (8 مايو الجاري) تحليلاً للمحرر الدبلوماسي باتريك وينتور، وصف فيه التقارب السعودي الإيراني بأنه “هش”، لكنه قال في الوقت نفسه إن “إمكانيات الشرق الأوسط هائلة”، في إشارة إلى احتمال صمود هذا التقارب إلى حد ما بفضل الإمكانيات المادية.
وقال وينتور إن هذا التقارب إذا ترسّخ، “فقد يبشر بالخير لليمن ولبنان وسوريا، لكنه قد يتسبب بكارثة لإسرائيل”. وأورد بعض الشواهد التي تشير إلى أن التقارب حقيقي؛ إذ يفترض أنه أدى إلى استئناف الرحلات الجوية المدنية بين البلدين، كما فاز إيراني في مسابقة سعودية لقراءة القرآن بقيمة 800 ألف دولار، إضافة إلى أن الحديد الإيراني يشق طريقه إلى الأسواق السعودية. كما استدل بعناق مسؤولين من البلدين بعد أن أنقذت البحرية السعودية 60 إيرانياً كانوا محاصرين في السودان، متوقعاً أن يعلن الرئيس الإيراني عن زيارة إلى الرياض قريبا، هي الأولى لرئيس إيراني منذ عام 2007.
يفيد تحليل “الجارديان” أن الجانبين السعودي والإيراني وضعا خطة لمدة شهرين لتطبيع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية التي انقطعت عام 2016 بعد أن اقتحم محتجون السفارة السعودية في طهران، لكنه يتساءل عما إذا كانت “رياح التغيير هذه يمكن أن تنتشر عبر الشرق الأوسط، وتنهي النزاعات في اليمن ولبنان والعراق وسوريا وحتى إسرائيل، والتي تفاقمت جميعها أو حتى استدامتها بسبب التنافس السعودي الإيراني”.
وأوردت الصحيفة تصريحات لدبلوماسيين مقيمين في لندن وصف أحدهم تقارب البلدين المتنافسين بأنه أشبه باستراحة مريحة للطرفين. كما أوردت أحاديث لخبراء وباحثين كسينزيا بيانكو، الزميلة الباحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، والتي قالت إن “الصفقة حقيقية ولكنها هشة للغاية”، وأن الطرفين ما زالا “يبحثان عن بوالص تأمين محتملة” في حال صعد رئيس جمهوري في الولايات المتحدة في الانتخابات القادمة أو في حال حدث هجوم إسرائيلي على إيران.
وشبّه دبلوماسي عربي في لندن اتفاق إيران والسعودية ببناء طابق أرضي يمكن للدول الأخرى البناء عليه، مما يشير-بحسب الصحيفة- إلى أن التداعيات على المنطقة قد تكون في نهاية المطاف خطيرة، وأن هذا الاتفاق قد يشير إلى “تراجع نفوذ واشنطن في الشرق الأوسط، ويضعف إسرائيل، ويعيد الرئيس السوري، بشار الأسد، إلى الحظيرة العربية، ويزود السعودية بسوق كربون جديد طويل الأمد في الصين، ويبدأ في إنهاء العزلة الاقتصادية لإيران.
ونقلت الصحيفة عن أيهم كامل، رئيس أبحاث الشرق الأوسط لمجموعة أوراسيا، توقعه بأن تكون هذه العملية بطيئة حتى مع قيام الصين بدور الضامن. “لا يمكن الانتقال من المنافسة إلى التعاون الكبير بين عشية وضحاها. أظن أن العلاقات الإيرانية الخليجية ستنتقل من عصر المواجهة إلى حقبة طبيعية أكثر حيث توجد خلافات وتنافس وتعاون”. قال كامل الذي صوّر الانفراج على أنه جزء من إعادة اصطفاف أوسع في الشرق الأوسط. وقال: “تريد المملكة العربية السعودية ودول الخليج إقامة شراكات عالمية مع الولايات المتحدة باعتبارها الركيزة الأساسية وليس الركيزة الوحيدة”. “يظل تفضيلهم أن تكون لديهم علاقة أوثق بكثير مع واشنطن، لكنهم ليسوا مستعدين لقطع العلاقات مع القوى الأخرى مثل الصين”.
وقالت الصحيفة إن الرياض لم تشعر بالأمان في علاقتها بواشنطن منذ عقد على الأقل، إذ بمجرد انتهاء اعتماد الولايات المتحدة على النفط السعودي، كان دور واشنطن كمزود للأمن للأخير موضع تساؤل حتمي وتباعدت مساراتهما ببطء. كما أن الرياض رأت أن دعم باراك أوباما للربيع العربي مضلل، وحاولت عرقلة جهوده للتفاوض على اتفاق نووي مع إيران في عام 2015. وذكّرت بأن الصواريخ الإيرانية الصنع التي أطلقها الحوثيون -ذراع إيران- تسببت بتوقف نصف إنتاج السعودية من النفط في سبتمبر 2019، وأن ذلك كان كشفاً صادماً للواجهة السعودية، وبالمثل استهداف ذراع إيران في اليمن لأربع سفن إماراتية في خليح عمان في العام نفسه، وهو ما أدى إلى شعور عربي بالإهانة من اللامبالاة التي تعاملت بها دول الغرب إزاء ذلك. وقالت الصحيفة إن ذلك أدى إلى أن يتجه الأمير محمد بن سلمان نحو اتباع دولة الإمارات العربية المتحدة في الحيطة النهائية نحو الأماكن الأقل انكشافاً، ومن ثم الاهتمام بتطوير الاقتصاد السعودي.
وقالت الصحيفة إن التنافس بين المملكة العربية السعودية وإيران ربما أدى إلى تفاقم العديد من الصراعات الموجودة مسبقاً في المنطقة، لكنه لم يخلقها، وأن التقارب لن يؤدي إلى إنهائها. وبحسب الباحثة سينزيا بيانكو فإن “كل هذه الصراعات هي من صنع الذات ولكن لها أيضاً بُعد إقليمي يغذي العنصر المحلي، وهذا يجعلها أكثر تعقيداً، وأكثر دموية”.
وأضافت إن هناك فرصة محتملة لإحراز تقدم في اليمن، حيث قامت إيران بتسليح المتمردين الحوثيين، لكن التنافس بين جماعة الحوثي والحكومة الشرعية وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي له جذوره في اليمن نفسه. وقالت دينا اسفندياري، محللة شؤون الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية: “السيطرة الإيرانية على الحوثيين ليست كاملة، لذا فإن الوعد الإيراني بفعل ما في وسعها هو مجرد كلام”.