كريتر نت / الامناء
الجنرال العجوز علي محسن صالح الأحمر، رجل خرافي لا يكاد كثير من اليمنيين يعرفون عنه الكثير رغم أنه صانع الأحداث الأشد إثارة في حياتهم. غير أن من عرفه لا يمكن أن ينسى بأنه “النقيب” الذي جعل كل حلم حياته عام 1974م أن يصبح مرافقاً لدى الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، فأصبح عام 2011م مرافقاً عند عيــال الشيخ عبد الله، ولكن برتبة “لــواء”..
فمن هو علي محسن الأحمر؟ ومن صنع نفوذه؟ ولماذا اشتكته وزارة الداخلية للرئيس؟ وما دوره في بناء إمبراطورية الإرهاب في اليمن؟ وما علاقته بتفجير المدمرة “كول” والسفارة الأمريكية بصنعاء وتفجير جامع دار الرئاسة اليمنية؟ وما هي قصته “المثيرة” مع العراق التي أحرقت أوراق اليمن؟ وما هو السر وراء انضمامه لساحة التغيير والانقلاب على الرئيس صالح؟ وهل حقاً صاهر قياديًا من “الجهاد الأفغاني”، وأسس صحيفة يرأس تحريرها عائد من “الجهاد الأفغاني” متهم بتفجير طائرة سعودية؟!.
النهب الجائر والضربة الأولى في “ذباب”
علي محسن من أسرة “آل الأحمر” التي استولت على الغالبية العظمى من أملاك أئمة آل حميد الدين، غير أن علي محسن وبفضل ما آل إليه من نفوذ عسكري جعل العاصمة صنعاء نصب عينيه، وقبل أن ينتهي عقد الثمانينات تربّع على عرش إمبراطورية أراضي مترامية الأطراف، قلّما تسأل عن جبل في العاصمة ولا يقال لك “إنه ملك علي محسن الأحمر”، بما في ذلك (مدينة الليل) التي كانت ميداناً لمرابطة الجيش، فباعه علي محسن للأهالي الذين تهافتوا على بناء مساكنهم فيه ليلاً تحت حماية قوات الفرقة الأولى مدرع التي يقودها الجنرال العجوز.
في منتصف العقد الأول من القرن الواحد والعشرين بسط علي محسن على آلاف “الِلبن” من أراضي الدولة بمنطقة “مذبح” بصنعاء، فأنشأ على جزء كبير منها أول وأكبر سوق للجملة “سوق مذبح”، وأجبر جميع المزارعين على توريد بضاعتهم إليه. فيما اشترى منه طارق أبو لحوم- رئيس مجلس جامعة العلوم والتكنولوجيا- الأراضي الواقعة إلى الجنوب الشرقي من الجامعة رغم أن بعضها “أراضي وقف” كان علي محسن بسط عليها.
وقد شاع بين اليمنيين أن من يريد التقرب من علي محسن ما عليه سوى أن يبسط على أرض ثم يسلمها إليه، لذلك فلا توجد محافظة يمنية ليس فيها “مدن ليل” وأملاك للجنرال علي محسن!.
وبجانب وكالته لشركة “كنديان نكسون” النفطية، وتجارة حديد البناء، وامتلاكه عددًا من المصائد البحرية، وعشرات الشركات الاستثمارية، فإن علي محسن الأحمر يقبض بيد من حديد على كل أنشطة التهريب بميناء “ذباب” بمحافظة تعز، وفي صدارة ذلك تهريب السلاح إلى عدد من الفصائل الصومالية، وتنظيمات أخرى في أثيوبيا.
وسبق لمنظمة العفو الدولية أن أشارت إلى ذلك في تقريرها للعام 2005م – ويتقاضى مكتبه الأمني في ميناء المخا أموالاً طائلة (كعمولات) على جميع صفقات التهريب، بما فيها صفقات السلاح التي وردت للانفصاليين في الجنوب والحوثيين في الشمال، والجماعات “الجهادية” المتشددة، والتي يتم تمويهها بصناديق البصل من مزارع “ذباب” ونقلها بمركبات إلى الداخل.
وكانت تقارير مفصلة نشرتها “نبأ نيوز” يوم الأول من نوفمبر 2010م حول أنشطة تهريب السلاح في “ذباب” قادت إلى حملات واسعة نفذها جهاز الأمن القومي يوم 6 نوفمبر في ميناء “ذباب”، طالت قادة أمنيين وعسكريين يوليهم اللواء علي محسن الأحمر كل مسئوليات إدارة وتمرير صفقات التهريب.
ومثلت تلك الاعتقالات ضربة قاصمة لظهر اللواء علي محسن ليس فقط على الصعيد المادي، بل الأهم على صعيد ارتباطاته مع بعض الأقطاب السياسية الإقليمية التي اهتزت كثيراً جداً، إذ أن تسليح بعض الفصائل الصومالية كان يتم لحساب دولة خليجية.
وقد أججت تلك الحملة توتراً شديداً بين علي محسن الأحمر والرئيس صالح وقيادة الأمن القومي، وكادت تفجر الأوضاع في “ذباب” لولا أن الرئيس صالح قام يوم 13 نوفمبر 2010م بزيارة إلى منطقة “ذباب” وأشرف بنفسه على إعادة ترتيب أوضاعها الأمنية واحتواء الموقف؛ حيث أن ذلك جاء بعد أسبوعين تقريباً من حادثة الطرود الملغمة التي سلطت الأضواء الدولية بقوة على اليمن، وهو ما يفسر مسوغات الصدام الذي أقدمت عليه السلطة مع علي محسن. علي محسن.
تاريخ له بداية بـ(فضيحة)
حين كان علي محسن الأحمر في ريعان شبابه، وبعد تخرجه من الكلية الحربية عام 1974م، وأثناء ترقيته إلى رتبة “نقيب”، لم يجد علي محسن ما يتمناه سوى قوله بأن حلم حياته هو أن “يصبح مرافقاً لدى الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر”.
وطوال ثلاثة عقود حبلى بالفساد والنهب الجائر اجتهد لبلوغ مآربه غير أن الفرصة لم تسنح له لتحقيق حلم حياته إلاّ بعد (37) عاماً- في 18 مارس الماضي- ليصبح مرافقاً لـ”عيال الشيخ عبد الله” وبرتبــة لـــواء!.
علي محسـن لم يكن في شبابه ذو شأن يذكر، لكن “عشقه” لخدمة رجل السعودية الأول الشيخ عبد الله بن حسين – رحمه الله – لفت أنظار من يمكن وصفه اليوم بـ(بريمر اليمن) العميد صالح هديان- الملحق العسكري السعودي بصنعاء – الذي كان طوال السبعينات يحرك دوائر السياسة اليمنية من خلف الكواليس. فكان أن سعى “العميد هديان” إلى إقصاء العقيد (علي قناف زهرة) من قيادة سلاح المدرعات ليعين علي محسن الأحمر بدلاً عنه، لتضمن المملكة بذلك خادماً مطيعاً في اليمن تحركه بالريموت كنترول من داخل الرياض لخدمة مصالحها السياسية وتأمين شريطها الحدودي من شرور القبائل اليمنية. وقد أدرك الرئيس صالح مدى خطورة أدوار “صالح هديان” فقام بطرده عام 1981م في محاولة للحد من التدخل السعودي.
جند محسن الجماعات الجهادية في حرب 1994م لقتال قوات على سالم البيض الانفصالية بالتنسيق مع الشيخ عبد المجيد الزنداني الذي يعد أقرب المقربين للواء علي محسن. ولم يكن جيش “عدن- أبين” الذي يقوده “خالد عبد النبي” وحده من ترعرع في كنف علي محسن- كما تقول وثائق ويكيليكس التي نحن لا نعتد بها في تقاريرنا هذه- بل أن جميع التنظيمات “الجهادية” حظيت برعاية علي محسن.
وام يكتفِ الجنرال العجوز بذلك، بل احتضن صحيفة إخبارية يومية، وخصها بدعم مادي سخي وحماية خاصة من قبل قواته، وأولى على رئاسة تحريرها أحد “المجاهدين العرب” العائدين من أفغانستان، وهو شخص مطلوب للسلطات السعودية بتهمة تفجير إحدى طائراتها.
وأصبحت هذه الصحيفة هي فرشاة تلميع الجنرال علي محسن ودرء التهم عنه، والترويج للتشدد الديني والفتن المذهبية. ومن يسأل أي مستطرق في الشارع عن صحيفة علي محسن سيخبره باسمها بكل تأكيد!..
مصدر قيادي “سابق” في أمن عدن أكد لنا أن الأجهزة الأمنية ألقت القبض في نهاية التسعينات (أو مطلع عام 2000م)، على مجموعة إرهابية (اشترك بعض عناصرها لاحقاً بتفجير المدمرة الأمريكية “كول”) وتم إيداع عناصرها حينذاك سجن الأمن السياسي في عدن.
وقد حاول “طارق الفضلي”- صهر علي محسن- وشخص آخر بجانبه الالتقاء بالمجموعة داخل السجن لكنهما منعا من ذلك، فتوسط اللواء علي محسن الأحمر لهما. وحين فرض عليهما الأمن الالتقاء بالإرهابيين بحضور ضابط أمن، عمل علي محسن الأحمر على السعي لنقل المتهمين إلى صنعاء ثم الإفراج عنهم، وبعد ثلاثة أعوام من ذلك تورط بعض المفرج عنهم بحادث تفجير المدمرة كول.
بل إن مصادر خاصة تؤكد أن السيارتين المستخدمتين في تفجير السفارة الأمريكية بصنعاء تتبعان الجنرال علي محسن، غير أن بعض المحققين تفادوا توثيق هذه الحقيقة خوفاً من بطش الجنرال العجوز الذي لا تعجز يداه عن النيل من أي كان حتى لو كان في بطن الأرض.