كريتر نت – متابعات
أثار إرجاء محاضرة في فرنسا مخصصة لكتاب موضع جدل حول جماعة الإخوان المسلمين ردود فعل حادة الأربعاء فيما وضعت الكاتبة تحت حماية الشرطة بعد تلقيها تهديدات بالقتل، بحسب محاميها.
وتأتي هذه التهديدات لتكشف عن نفوذ الإخوان المسلمين في فرنسا، والذين سعوا لإظهار “الاعتدال” والتمايز عن المجموعات المتشددة بهدف تجنب الصدام مع الدولة الفرنسية، لكن فرنسا أدركت في وقت متأخر مدى الخطورة التي تشكلها الجماعة وأنها تمثل الحاضنة الفكرية والدينية للتطرف في البلاد.
وكان من المفترض أن تقدم عالمة الأنثروبولوجيا فلورانس بيرجو بلاكلر، الباحثة في المركز الوطني للبحث العلمي (سي أن أر أس)، اليوم الجمعة كتابها بعنوان “جماعة الإخوان المسلمين وشبكاتها، التحقيق” الصادر في يناير، في جامعة السوربون العريقة في باريس.
وأعلنت الكاتبة الثلاثاء على تويتر أن عميدة معهد الآداب في السوربون طلبت “تعليق” المحاضرة لأسباب “أمنية”.
وأضافت “لم تحدث أي تظاهرة ضد الحدث”، مبدية أسفها على مواجهتها “عقبات” في سعيها لإنجاز العمل وتقديم نتائجه.
وأوضحت جامعة السوربون لوكالة فرانس برس أن المحاضرة التي يفترض أن تندرج في إطار شهادة جامعية حول العلمانية “لم يتم إلغاؤها ولا حظرها، بل وقع تأجيلها” إلى الثاني من يونيو القادم، دون أن تذكر الجامعة أسباب هذا التأجيل.
وأفادت وزارة التعليم العالي والبحث الأربعاء بأنها ستستقبل “قريبا” بيرجو بلاكلر، معتبرة أنه “من غير المسموح به إعادة النظر في الحرية الأكاديمية عند مواجهتها أي تهديد”.
وقال محامي الباحثة تيبو دو مونبريال متحدثا لشبكة “بي أف أم تي في” إن “هذا تحديدا ما يريد الإسلاميون الوصول إليه، إحلال جو من انعدام الأمن يقود إلى مقاطعة المراجع الفكرية والإعلامية وغيرها خوفا من الدخول في دوامة”.
وأضاف أن كتاب الباحثة أثار منذ صدوره غضب “شبكات قريبة من الحركة الفكرية الإسلامية في فرنسا” على مواقع التواصل الاجتماعي، ما أدى إلى تلقي الكاتبة عددا متزايدا من الرسائل العدائية والتهديدات وصولا إلى تهديدات بالقتل استدعت وضعها تحت حماية الشرطة.
وصرح زعيم حزب الجمهوريين اليميني إريك سيوتي بقوله “مرة أخرى تقع جامعاتنا ضحية رقابة تفرض عليها أيديولوجيتها بمنعها النقاش”.
ويقول مراقبون إن تحرك الإخوان لعرقلة عرض كتاب يكشف عن شبكاتهم ونفوذها في فرنسا، وفي قلب الجامعة الفرنسية، يؤكد للفرنسيين مجددا خطر الجماعة على المدى البعيد، والتي تتجنب المواجهة مع الدولة الفرنسية بتحركها الصامت وتخفيها وراء الجمعيات الخيرية والمساجد واتحادات شبابية وجامعية لنشر شبكاتها.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أطلق تحركا لمواجهة ما سماه “الانعزالية الإسلامية” في الأحياء الفرنسية الفقيرة التي قال إنها تهدف إلى إنشاء “مجتمع مضاد” تسوده الشريعة الإسلامية.
ولاحقا أقرت فرنسا قانونا أطلقت عليه اسم “قانون تعزيز احترام قيم الجمهورية”، ينص على فرض رقابة على المساجد والجمعيات المسؤولة عن إدارتها، ومراقبة تمويل المنظمات التابعة للإسلاميين. كما يفرض قيودا على حرية تقديم الأسر التعليم لأطفالها في المنازل، ويحظر ارتداء الحجاب في مؤسسات التعليم ما قبل الجامعي.
وفرنسا من بين الدول الأوروبية التي يوجد فيها عدد ضخم من الجالية المسلمة، إذ بلغ عددها هناك نحو 5.7 مليون حتى منتصف 2016، وهو ما يشكل 8.8 في المئة من مجموع السكان.
ويمنح القانون الجديد أجهزة الأمن الفرنسية المزيد من الأدوات لتعقب الإسلاميين المشتبه بهم ومراقبتهم عبر الإنترنت. كما يهدف إلى مكافحة الأفكار المتطرفة على جميع المستويات؛ فهو يشدد شروط التعليم في المنازل، ويفرض قواعد صارمة على الجمعيات التي تسعى للحصول على إعانات من الدولة، ويمنح السلطات صلاحيات واسعة تخول لها إغلاق أماكن العبادة التي يُنظر إليها على أنها تتغاضى عن الأفكار البغيضة أو العنيفة.
وتنظر الحكومة إلى تعليم الأطفال في المنازل على أنه مصدر محتمل لـ”الانعزالية الإسلامية” التي تقول إنها تقوض القيم الفرنسية.
وتصل عقوبة من يدان بجريمة “الانعزالية” إلى السجن 5 سنوات، وغرامات تصل إلى 75 ألف يورو (88 ألف دولار) لمن يهددون أو يعتدون على مسؤول منتخب أو موظف مدني لعدم رغبتهم في اتباع القواعد التي تحكم الخدمات العامة الفرنسية، مثل رفض الخضوع للفحص الطبي من قبل طبيبة.
وقال ماكرون إن كلا الإجراءين ضروريان للرد على التهديد المستمر الذي يشكله التطرف الإسلامي ضد فرنسا وخاصة العلمانية.
وظهرت الحركات الإسلامية المتشددة في فرنسا من خلال تأسيس اتحاد الجمعيات الإسلامية هناك، ممثل الإخوان المسلمين في البلد في بداية الثمانينات من القرن الماضي.
وبمرور الزمن أصبح هذا الاتحاد يضم العشرات من الجمعيات إلى أن صار محاورا أساسيا للدولة الفرنسية في تسيير شؤون الإسلام والمسلمين ابتداء من سنة 2003.
ولكنْ يبدو أن الكثير من السياسيين الفرنسيين بدأوا يدركون أن هذا الاتحاد يحمل مشروعا سياسيا معاديا لقيم الجمهورية الفرنسية، وأن من السذاجة جعله يحظى -عبر طرق انتخابية ملتوية- بثلث المقاعد في المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية.