كريتر نت – متابعات
تنفث أسيل خالد (36 عاما) دخان سيجارتها وهي تستريح من عملها كمدربة في صالة تدريب رياضية في العاصمة الأردنية عمان. وتقول أسيل التي بدأت التدخين في سن العاشرة دون علم أسرتها، إن التدخين لا يؤثر على عملها كمدربة وأنها لا تعتبر السجائر متنفسا لحالتها النفسية السيئة فقط بل هي رفيقتها في اللحظات السعيدة أيضا.
وصنفت منظمة الصحة العالمية الأردن الدولة الأولى عالميا من ناحية انتشار التدخين نسبة إلى عدد السكان، وقالت إن الأردنيين ينفقون على السجائر أكثر مما ينفقون على الطعام. وذكرت أسيل أنها تنفق على التدخين 70 دينارا (100 دولار) شهريا، إذ يتراوح سعر علبة السجائر في الأردن بين دينار ونصف إلى دينارين ونصف.
وتقدر منظمة الصحة العالمية أن العائلة الأردنية تنفق على التدخين شهريا ما يزيد على 150 دولارا للشخص الواحد مقابل 36 دولارا شهريا للفواكه و58 دولارا للألبان والبيض ونحو 70 دولارا للحوم والدواجن.
وحذرت المنظمة على موقعها الإلكتروني من أن التبغ يودي بحياة زهاء نصف من يدخنونه، وأنه يسبب وفاة أكثر من ثمانية ملايين نسمة سنويا. وتقول المنظمة إن أكثر من 80 في المئة من المدخنين البالغ عددهم 1.3 مليار شخص في العالم يعيشون في البلدان المنخفضة ومتوسطة الدخل.
وترجع روان الدعجة أخصائية الإرشاد والدعم النفسي السبب الرئيسي وراء ارتفاع نسب التدخين في الأردن إلى البطالة والضغوط النفسية عند الشباب نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة. وتقول الدعجة إن “الفقر والمشاكل الاقتصادية لدى الأسر سبّبا ضغطا نفسيا، ويعتبر التدخين هو المتنفس الذي يقلل التوتر”. وهو ما يؤكده محمد ياسين (75 عاما) الذي يصف التدخين بأنه صديقه “الوفي” منذ كان عمره 17 عاما.
ويوضح ياسين أنه وسط مشاكل الحياة التي عاشها سواء الاجتماعية والاقتصادية والسياسية يلجأ إلى السجائر “لإزالة هموم الصدر”. ويضيف ياسين وهو رب أسرة من سبعة أبناء أنه يدخن نحو علبة ونصف يوميا منذ أكثر من 55 عاما ويؤكد “بحمد الله لم يضر التدخين بصحتي وربما هذه نعمة أتمنى ألا أحسد عليها”. ويبيّن أن جيله عاش حروبا عديدة سواء عربية أو عالمية “وكان القهر يسيطر على نفسيته ولذلك كان يشعر أن الدخان سبيله للتنفيس”.
وفي إجابة على أسئلة رويترز أوضح مكتب منظمة الصحة في عمّان أن معدل التدخين بين الذكور الأردنيين البالغين (بين 18 و69 عاما) لمنتجات التبغ (كالسجائر والسيجار والنرجيلة ومنتجات التبغ الساخن) بلغ 66.1 في المئة، إلى جانب 15.9 في المئة ممن يدخنون السجائر الإلكترونية، وبالتالي يبلغ إجمالي استهلاك النيكوتين 82 في المئة من الذكور الأردنيين.
وحول نسبة المدخنات أوضحت المنظمة أن الإحصاءات المتعلقة بالتدخين بين النساء تعاني من عراقيل في التبليغ والرصد لاعتبارات اجتماعية. ووفقا للمنظمة تبلغ النسبة الإجمالية للمدخنين الأردنيين البالغين (ذكورا وإناثا) لمنتجات التبغ 42 في المئة و9.6 في المئة للسجائر الإلكترونية والأجهزة المشابهة.
من جانبه يقول الدكتور غيث عويس رئيس قسم الوقاية من أضرار التدخين في وزارة الصحة إن “ضغط الأقران وتقليد الكبار وضغط شركات التبغ وتأثير الإعلام على مواقع التواصل الاجتماعي من العوامل التي تؤدي إلى زيادة نسب التدخين في الأردن حسب الدراسات”.
ويضيف أنه رغم وجود قوانين في الأردن لمنع التدخين في الأماكن العامة والدوائر الحكومية وفرض عقوبات على المخالفين ما زال التدخين ظاهرة اجتماعية منتشرة “وبحاجة إلى مزيد من الاهتمام لحلها من خلال تضافر جميع المؤسسات”.
◙ التدخين لا يزال ظاهرة اجتماعية منتشرة في الأردن وبحاجة إلى المزيد من الاهتمام لحلها من خلال تضافر جميع المؤسسات
وتقول منظمة الصحة في ردها على أسئلة رويترز إن أحد الأسباب الرئيسية لعدم إنفاذ برنامج مكافحة التبغ في الأردن “هو تدخل صناعة التبغ والمجموعات المساندة لها لتقويض الجهود المبذولة لمكافحة التدخين”. وتوضح أن هناك “طرفين رئيسيين يناهضان مكافحة التبغ في الأردن هما شركات التبغ، وهي المستفيد الرئيسي، فضلا عن المنشآت السياحية كالمطاعم والمقاهي”.
وتبين المنظمة أنه رغم توقيع الأردن على العديد من الاتفاقيات المتعلقة بمكافحة التدخين، تشهد البلاد انتهاكات جسيمة متعددة وبشكل مستمر للقانون تتمثل بالتدخين في غالبية الأماكن العامة، وبيع النرجيلة للقصّر، وغياب الفصل الفعلي لمناطق المدخنين وغير المدخنين مما يؤخر من عملية تنفيذ حظر التدخين في الأماكن العامة وجعلها خالية من التدخين بنسبة 100 في المئة.
وتوصي المنظمة “بعدم التدخين في الأماكن العامة بشكل كلي، والحظر التام للترويج والإعلان عن السجائر فضلا عن زيادة حجم التحذيرات الصحية المصورة على منتجات التبغ، وزيادة سعرها لتقليل القدرة على شرائها”. ويشير عويس إلى أن وزارة الصحة أسست أكثر من 26 عيادة للمساعدة على الإقلاع عن التدخين في مختلف محافظات المملكة ضمن المراكز الصحية مجهزة بكوادر طبية مدربة، مبينا أن هناك أكثر من 11 ألف زيارة إلى تلك العيادات خلال العام الماضي.
ويقول إن الوزارة تنفذ بشكل مستمر حملات للتوعية بأضرار التدخين وحماية الصحة العامة. وتقول أسيل وهي تشعل سيجارة أخرى قبل أن تعاود عملها “لا أفكر أبدا بأن أقلع عن التدخين فأنا سعيدة به ما دام لا يسبب لي أي مشاكل صحية”.