حامد فتحي
صحفي مصري
مظهر آخر من مظاهر التشرذم التي تعصف بالطائفة السنّية في لبنان، هو السجال المحموم حول انتخابات الهيئة الإدارية لاتحاد جمعيات العائلات البيروتية، المقرر في التاسع من حزيران (يونيو) المقبل، بعد تأجيل موعده الثاني بقرار من قاضي الأمور المستعجلة.
تعكس حالة التشرذم في الهيئة العامة للاتحاد، التي من بين أعضائها يتقدم الراغبين في الترشح لمناصب الهيئة الإدارية، والتي تعمل كجمعية عمومية لانتخاب شاغلي هذه المناصب، واقع الطائفة السنّية في لبنان، في ظل واقع عام عنوانه الانقسام.
حينما تعجز الهيئة العامة التي لا يتجاوز عددها 285 عضواً، يمثلون 95 جميعة عائلية من العائلات البيروتية السنّية، عن انجاز استحقاق انتخابي، فذلك مؤشر خطير عما وصلت إليه الطائفة السنّية، يُضاف إلى مؤشر أكبر سابق، وهو حالة التشرذم التي عصفت بالسنّة إبان الانتخابات النيابية السابقة في 2022.
تأجيل متكرر
مع اقتراب الموعد المحدد لإجراء انتخابات الهيئة الإدارية لاتحاد جمعيات العائلات البيروتية، تزداد الخلافات داخل المكوّن السنّي البيروتي، بسبب الخلافات العاصفة التي تحيط بالانتخابات، بعد أن كانت العملية تُجرى وفق توافق واسع، تُشكل من خلاله قائمة ائتلافية واحدة، تمثّل بشكلٍ واسع الكتلة الأكبر من الجمعيات الفاعلة في الاتحاد.
وتختلف انتخابات تلك الدورة عما سبق، سواء فيما يتعلق بعملية الانتخابات نفسها، والظروف التي تعيشها الطائفة السنّية، والتي ألقت بظلالها على انتخابات الاتحاد. لم ينجح الممثلون في الهيئة العامة للاتحاد في التوافق على قائمة موحدة من المرشحين، على الرغم من عديد الاجتماعات بين مجموعات واسعة منهم، ما أدى إلى لجوء أطراف داخل الهيئة الإدارية والعامة إلى الطعن في قرار الهيئة الإدارية، بتحديد الموعد الماضي للانتخابات، والذي كان مقرراً في 17 آذار (مارس) الماضي.
أثار ذلك الطعن غضباً واسعاً، عزاه مطلعون إلى الخلافات بين القوى السياسية السنّية الفاعلة، والتي تتدخل في انتخابات الاتحاد لضمان فوز مقربين منهم. كان الموعد الأول للانتخابات مقرراً في 24 شباط (فبراير) الماضي، وأُجل في اجتماع للهيئة الإدارية لضيق الوقت.
يقول منسق مكتب بيروت للاستشارات الإعلامية والخدمات الصحفية، الإعلامي محمد العاصي، بأنّ الاتحاد يضم مجموعة كبيرة من كبرى العائلات البيروتية من الطائفة السنية، ويمثل شريحة واسعة من أهل بيروت. ولفت إلى أنّ الرئيس الشهيد رفيق الحريري كان من أهم الداعمين لتأسيس الاتحاد، والداعمين لمسيرته، ونظر إليه كحزب بيروت.
يتابع العاصي لـ”حفريات” بأنّ الاتحاد كبر خلال فترة الدعم من الشهيد رفيق الحريري واستمر طيلة تلك السنوات، وفي الفترة اللاحقة لاستشهاده تغيرت كل الأمور مثلما تغير وضع الطائفة السنية وأهل بيروت. وأوضح بأنّ غياب الشهيد الحريري أحدث فراغاً في الطائفة السنّية لم يستطع أحدٌ من الرموز السنّية بعده ملأه، مبيناً أنّ ذلك الفراغ طال وضع الاتحاد، في ظل ضعف في التمثيل السني إلى حد ما على المستويات كافة، والذي زاد مع غياب الرئيس سعد الحريري عن المشهد السياسي العام الماضي.
اتهامات متبادلة
كان التأجيل الثاني للانتخابات مثيراً للتساؤلات حول دوافع المسؤولين عنه؛ فهم مجموعة بينهم أعضاء في الهيئة الإدارية المنتهية ولايتها، والتي اتخذت الإجراءات المتعلقة بتحديد آجال الترشح والانتخاب، ما جعل البعض يرون أنّ الدوافع الانتخابية وراء تقديم الطعن الذي أدى للتأجيل.
ومن خلال متابعة ما كُتب في الصحف اللبنانية وما شاركه العديد من المتصلين بالاتحاد، يتضح أنّ هناك تنافساً بين عدة فرق للفوز في انتخابات الاتحاد. أولى هذه الفرق وأكثرها حظاً هو الفريق الذي بات معروفاً بـ”الأحمدين” وهو تحالف تكون بعد لقاء بين الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري ورئيس جمعية بيروت للتنمية أحمد هاشمية. وفريق ثان يُنسب إلى حلفاء الرئيس فؤاد السنيورة، وآخر محسوب على التغييريين، والذين يرتبطون بنتائج الانتخابات النيابية الأخيرة التي فاز فيها التغييريون على حساب المدعومين من قوى داخل الاتحاد والسنيورة، فضلاً عن جهود الرؤساء السابقين للاتحاد لتكوين لائحة ائتلافية واسعة التمثيل.
يوضح العاصي، بأنّ الانتخابات النيابية الأخيرة أفرزت نوعاً من التباعد، وتنوعاً في تمثيل الطائفة السنية في بيروت وفي مناطق أخرى، في ظل غياب ما كان يسمى بالحريرية السياسية وبعدها تيار المستقبل والحلفاء وغيرهم. وأفاد بأنّ الانتخابات أفرزت تنوعاً على المستوى السياسي، وعلى مستوى الأفكار التغيرية، كما يسمون أنفسهم، وفي بيروت تحديداً سمة تغيير واضح، أصاب الحياة السياسية على مستوى التمثيل النيابي.
وأشار إلى أنّ مشكلة انتخابات الاتحاد بدأت مع انطلاق الحملات الانتخابية النيابية الأخيرة في العام 2022، حينما رُشحت مجموعة من أعضاء الاتحاد على عدة لوائح، خلقت تبايناً في وجهات النظر بين أعضاء الاتحاد في الهيئة الإدارية والهيئة العامة ورؤساء جمعيات العائلات والمرشحين، والأطراف السياسية التي دعمت هذه اللوائح. وذكر بأنّ هناك نوعاً من التباعد والنفور بعد الانتخابات النيابية بين الأعضاء وبين الاتحاد والناخبين بشكل عام، فضلاً عما أفرزته نتائج الانتخابات على المقاعد السنّية في بيروت من تحالفات وتوازنات جديدة.
جدير بالذكر، بحسب منسق مكتب بيروت للاستشارات الإعلامية والخدمات الصحفية، أنه لم يفز أي من المرشحين الذين كانوا يمثلون الاتحاد أو دُعموا منه في الانتخابات النيابية الأخيرة، ولم يكن ذلك التوجه مقبولاً من الناخبين.
اختبار التوافق
في ظل الجو المشحون حول انتخابات الهيئة الإدارية للاتحاد، تقدم رئيس الهيئة الإدارية محمد عفيف يموت باستقالته من منصبه، في 23 آذار (مارس) الماضي، معلناً تخليه عن أية أدوار مستقبلية، والتركيز على دعم جمعية عائلته والاتحاد بشكل عام. وكان النائب في مجلس النواب عن دائرة بيروت الثانية السنّية، فؤاد مخزومي، دعا سائر السياسيين إلى رفع أيديهم عن انتخابات الاتحاد، وهي الدعوة التي لاقت ترحيباً واسعاً.
وأمام حالة التشظي غير المعهودة، يسعى فريق الرؤساء السابقين للاتحاد إلى تشكيل لائحة توافقية واسعة التمثيل، تخوض الانتخابات كممثلة بشكلٍ واسع للعائلات الأكثر فاعلية. لكن في ظل التنافس المحموم داخل الطائفة السنّية، فمن غير المرجح التوصل للائحة كهذه، ويبقى الخيار الأكثر رجحاناً تنافس أكثر من لائحة، وهو توجه إن أُدير بروح من المنافسة سيعزز الممارسة الديمقراطية.
يقول منسق مكتب بيروت للاستشارات الإعلامية والخدمات الصحفية، محمد العاصي، بأنّه في مقابل توجه اللائحة المشتركة، هناك أصوات تنادي بالتغيير داخل الاتحاد، وهم جزء من الموجة التغيرية الواسعة التي حصدت عدة مقاعد في الدوائر السنّية في بيروت.
تقدم انتخابات الاتحاد فرصةً أمام الطائفة السنّية في لبنان وفي مجتمع بيروت على وجه الخصوص؛ حيث بروز العديد من القوى الفاعلة داخل الطائفة، ما يضعها أمام خيارين؛ إما أنّ تسير في طريق المزيد من التفتت، أو توظف آلية الانتخابات لإدارة التنافس عبر تعزيز الممارسة الديمقراطية، والتي تضمن تداول المناصب والمواقع، بناءً على التجربة.
تأتي تلك الأوضاع في سياق عام من الفوضى السياسية في لبنان، حيث استمرار الفراغ الرئاسي، ووجود حكومة تصريف أعمال غير كاملة الصلاحيات، فضلاً عن اقتراب فراغ منصب حاكمية مصرف لبنان، في وقت تزداد فيه الأوضاع المعيشية سوءاً.
كما أنّ موقع الطائفة السنّية بات فاقداً للفاعلية مع انسحاب تيار المستقبل من العملية السياسية العام الماضي، وعدم مشاركته في الانتخابات النيابية، وإخفاق النواب السنّة على الاجتماع في تكتل واحد، يخرج بموقف مشترك أمام الاستحقاقات الكبرى التي تشهدها البلاد. وكان موقع رئاسة الحكومة الذي هو من نصيب السنّة محط هجمات واسعة النطاق، خلال العهد السابق للرئيس ميشال عون، ويرجع ذلك جزئياً إلى حالة التشظي التي تعيشها الطائفة، في بلد تعتبر الطائفية هي الأساس في كل شيء.
يذكر أنّ الهيئة الإدارية لاتحاد جمعيات العائلات البيروتية تتكون من 18 عضواً، يُجرى انتخابهم عبر الهيئة العامة للاتحاد، والتي تضم ثلاثة ممثلين عن كل جمعية منضوية في الاتحاد، ويبلغ عددهم 95 جمعيةً عائلية، وتأسس الاتحاد في عام 1998، بحسب الموقع الرسمي للاتحاد.
المصدر حفريات