خالد سلمان
لا أتعاطى بكثير من الإطمئنان مع التصريحات الصحفية وهي تتحدث عن القضاء على آخر معسكر للإرهاب.
الإرهاب ليس معسكراً وأسلاكاً شائكة وتمركزاً في منطقة جغرافية ، الإرهاب يمكن أن تجده هنا وهناك في الشارع في الحي في منزلك، في المدرسة وحلقات المسجد، في الخطيب والفقيه المتشدد، في التعليم الموازي ، في المدارس الدينية غير الحكومية المنتشرة في الجنوب بوتيرة مرعبة، لإعادة إنتاج ماتم إنجازه في الشمال من تمكين.
الإرهاب تجده في إختطاف الأطفال من براءتهم ، تجده في حرف مسار إهتماماتهم من اللعب المرح وعيش سنهم العمري، إلى تلقينهم قيم لا تمت بصلة للحياة الطبيعية السهلة المنفتحة، تحويلهم إلى ألآت صماء ، أرواح مشبعة بالكراهية ،كراهية أي شيء وكل شيء ، بما في ذلك حياتهم ونمط تفاصيل عائلاتهم، ويوميات آبائهم وأمهاتهم المعاشة ووسطهم الإجتماعي.
الإرهاب منظومة متكاملة يجب مواجهتها أيضاً بمنظومة معرفية متكاملة، السلاح فيها يمثل جزئية إضطرارية وليس خياراً كلي النجاعة وواحدية الحل.
في الجنوب هناك إرهاب يتأسس بل يتمأسس، يبني كيانه المؤسسي، بصمت أو بدعم أو بتمرير مقصود ، ليحتل مساحة على الأرض قابلة للتكاثر ، إرهاب لم يصل ربما إلى حمل البندقية وإرتداء الحزام الناسف بعد ، ولكنه قادم ، وأنت تراقب مدارس التشدد والإنعزال وهي تضم لصفوفها الآلاف، تُصاب بالرعب من قادم عنف ديني سيبتلع كل رقعة الجنوب، إن لم تنتقل الجهات الممسكة بالقرار من حالة الإسترخاء المدمر ، إلى وقف هذا التنامي المتزايد للمدارس الدينية ، ومنع تكونها خارج وزارة التعليم ، وتجريم كل منهج تعليمي للوزارة.
في بعض المناطق في لحج وغيرها تحولت هذه المدارس المنفلتة عن الإشراف الرسمي إلى دويلة مستقلة ، ومربع معتزل عن الحياة الجاهلية الكافرة كما يعتقدونها ، ممنوع العيش في هذه المناطق، مالم يوقع السكان على ورقة إقرار بالإلتزام بمنظومتهم الفكرية ونمط حياتهم المتشدد ، وبالتالي هي كانتون مغلق لايجوز دخولها لغير المنتسبين لها.
عندما تصل إلى درجة القدرة على فرض مجتمع صغير مختلف داخل المجتمع الكبير، وتعزله عن روافد الحياة الطبيعية من فن وكتاب ثقافي وشاشة تلفزيون وموسيقى وسينما وندوات سياسية ولبس وحديث متداول وسلوك إجتماعي إجباري ، عندما تتحول المدرسة الدينية إلى سلطة أكبر من السلطة الرسمية، ومرجعية تقاضٍ يلجأ اليها الناس في حل مشاكلهم، وآلية قانونية لفض المنازعات عبر الأحكام الشرعية والحسبة ، فأنت لا تتخلى عن سيادتك كدولة وحسب، بل أنت تشرعن لإرهاب قادم ، سيحاكمك غداً لأنك خارج عن الملة وعن دولة الخلافة وشرعها الصواب.
الإرهاب الذي تواجهه الدولة بالسلاح اليوم في أبين وتدفع فاتورة باهضة جراء الحرب عليه ، هو الإرهاب ذاته الكامن في المدارس الدينية، الذي سينفجر في كل مكان عندما يكتمل بنيانه ويمتلك أدواته .
لا تقل هذا تعليم أصولي متشدد حميد وذاك ورم خبيث ، ولا تحارب خصمك الذي يرفع شعار الدين ويكفرك، بمنهج يحمل ذات شعارات الدين وإن من زاوية مقابلة ، إن الإثنين خطراً مؤكداً الأول أكمل أدواته وصولاً حد تكفير المجتمع وحمل السلاح ضده ، والآخر مازال في طور التشكل سيخرج ذات قريب يوم عن السيطرة.
الحفاظ على وحدة تكوين النشء بمناهج تعليمية مدنية موحدة، ومنع التعليم الديني الموازي بمختلف عناوينه ، خطوات ضرورية لتخفيض كلفة المواجهة غداً وهي كُلفة تُقاس بالدم.
من صفحة الكاتب في الفيسبوك