باسم فضل الشعبي
بدا وزير الخارجية اليمني الأسبق أبوبكر القربي مذعوراً، وهو يتحدث عن التغييرات في تصريحات ومواقف سفراء ومبعوثي الدول الراعية للحل في اليمن، حيث قال في تغريدة على حسابه في “تويتر” إن التوجهات الخارجية الأخيرة توحي بتخلي الرعاة عن أهم مبدأ تؤكده قرارات مجلس الأمن والمبادرة الخليجية، وهو الحفاظ على وحدة اليمن، مشيراً إلى مخاوفه من أن تكون جلسة مجلس الأمن المرتقبة تتبنى ذات التوجه.
متسائلاً : هل تخلي الدول الراعية عن وحدة اليمن سيليه التخلي عن سيادته على أراضيه ؟ واصفاً تلك التطورات بأنها خطرة تهدد الحل السلمي وتصعد الصراع.
هذا الطرح الجديد الذي خرج به السياسي والدبلوماسي اليمني أبو بكر القربي يأتي فعلاً في أعقاب مواقف جديدة لسفراء ومبعوثي دول غربية تعد راعية للحل في اليمن، من أبرزها أمريكا وفرنسا وبريطانيا، بالإضافة إلى خبراء ومراكز أبحاث غربية باتت تطرح قضية الجنوب بكل وضوح وشفافية، باعتبارها بوابة الحل في اليمن تارة وأخرى ترى أنه من الصعوبة إعادة اندماج الجنوب مع الشمال بناء على المعطيات الماثلة، لافتة إلى أن استقلال الجنوب قد يكون الخيار الوحيد في المرحلة المقبلة.
التحولات في الجنوب
أحدث اللقاء التشاوري الجنوبي، المنعقد في 5 مايو من العام الجاري، تأثيراً كبيراً كما يبدو على مسار الأحداث على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، باعتباره أهم حدث سياسي جنوبي ينعقد منذ العام 1990م. وهو الحدث الذي سعى إلى توحيد الجنوبيين تحت مظلة ثورية وسياسية واحدة بدلاً من التشتت والتشرذم، وشاركت فيه مكونات سياسية ومدنية واجتماعية كثيرة من مختلف محافظات الجنوب، وتوج اللقاء التشاوري بأحداث أخرى أكثر أهمية تمثلت في توقيع المكونات الجنوبية على ميثاق شرف وطني، بالإضافة إلى انضمام عدد من المكونات السياسية الجنوبية إلى المجلس الانتقالي الجنوبي، باعتباره الإطار الأوسع والمظلة الثورية والسياسية التي ستسعى إلى تنظيم وتنسيق نضالات الجنوبيين مجتمعين خلال المرحلة المقبلة لاستعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة، فضلا عن حدث آخر بارز ومؤثر تلى اللقاء التشاوري ويتمثل في القرارات التي أصدرها الرئيس عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي – نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، والتي هدفت إلى توسيع المجلس الانتقالي عبر تعيين شخصيات جديدة من رؤساء ورموز المكونات المنظمة إليه، وإنشاء هيئات جديدة كانت أبرزها الهيئة التنفيذية التي ضمت جميع الوزراء الجنوبيين في الحكومة الشرعية، بالإضافة إلى محافظي المحافظات الجنوبية، في خطوة جريئة وهامة يمكن اعتبارها محاولة للانتقال بالجنوب نحو الحكم الذاتي كخطوة أولى.
كل هذه التحولات التي حدثت في الجنوب كانت لها أصداء إيجابية إقليمياً ودولياً، من خلال التصريحات والمباركات الرسمية وغير الرسمية التي وردت من قادة دول وسفراء ومبعوثين وخبراء ومهتمين بالشأن اليمني والجنوبي على وجه الخصوص.
ويمكن القول إن هذه التحولات في الساحة الجنوبية قد أنتجت تحولات في الخطاب الخارجي تجاه الجنوب وقضيته، وبصرف النظر عن كون ما حدث في الجنوب من تحولات كانت بإيعاز من الخارج أم لا. لكن في الحقيقة لا بد من التأكيد أن الخطاب الخارجي – لاسيما خطاب الدول الراعية والمهتمة بالصراع والحل في اليمن – قد تغير كثيراً، وبدأ يتحدث عن الجنوب وقضية الجنوب بكل صراحة ووضوح، وأنه لا حل في اليمن إلا بحل قضية الجنوب والحديث عن مستقبل الجنوب، وهذا الحديث لم يكن حاضراً من سابق بهذه القوة والبيان، في الوقت الذي أصبحت مراكز الدراسات والخبراء يولون قضية الجنوب اهتماماً كبيراً على المستوى السياسي والاستراتيجي.
لذا، فإنه من الأهمية بمكان القول إنه متى ما كنت قوياً على الأرض وتقوم بخطوات جريئة ومهمة سياسياً صوب هدفك ومشروعك، فإنه عليك توقع نتائج إيجابية من الخارج، على عكس التقوقع والانتظار لما سيأتي من الخارج، فالخارج عامل مساعد للداخل الذي عليه أن يقرر ما يريد.
مواقف خارجية جديدة
إن المتابع للوضع في اليمن وتفاعلاته في الإقليم والعالم سوف يدرك أن هناك تطورات سريعة تحدث في مواقف القوى الدولية تجاه الأحداث في اليمن جنوبه وشماله، وفيما كان المتابع المحلي يتهم فيما سبق المجتمع الدولي، لاسيما الدول الراعية، بمحاباة الحوثيين وتشكيل غطاء لجرائمها ضد اليمنيين، فإنه يمكن التأكيد أن هناك تحولاً في المواقف في التعامل مع الحوثيين حالياً، في صورة يمكن فهمها بأن الخارج يمكن أن يتخلى عن الحوثيين في أي وقت، بسبب رفضهم الحوار والسلام والاتجاه جنوباً صوب الساحة الأكثر تفاعلاً وصوب القضية الأكثر عدالة، والتي طالما أهملوها ردحاً من الزمن. لكن كما يبدو أن المواقف اليوم تغيرت وأصبحت القضية الجنوبية حاضرة في مواقف السفراء والمبعوثين، وفي تحليلات الخبراء ومراكز الدراسات الخارجية والغربية.
فالسفير الفرنسي لدى عدن أدلى بتصريحات قوية تجاه الحوثيين، قائلاً إن الحوثيين أعداء أنفسهم، محذراً من الفجوة التي باتت تكبر يوماً بعد آخر بينهم وبين الشعب اليمني.
أما السفير البريطاني لدى عدن، ريتشارد اوبنهايم، فقد قال اليوم الإثنين إن قضية الجنوب تحتاج إلى معالجة كجزء من مناقشات التسوية السياسية، مبيناً أن مجلس الأمن الدولي، بما في ذلك المملكة المتحدة، يؤيدون هذا الرأي.
وقال المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، تيم ليندركينغ، الخميس، من غير الصحيح أن تتدخل الأطراف الإقليمية والدولية في اتخاذ القرارات نيابة عن اليمنيين، ولا المجتمع الدولي أيضاً، وهذا في نظرنا يشمل مسائل مثل قضية الجنوب، والتمثيل في المؤسسات وتخصيص الموارد.
وقال توماس جونو، الأستاذ المشارك في كلية الدراسات العليا بجامعة اوتاوا، في تحليل سياسي على منصة التحليل الأمريكي، إن نهج الحوثيين في التعامل مع سياسات ما بعد الحرب لم يكن نهج مصالحة، بل نهج هيمنة، وأثبتوا أنهم ليسوا أكفاء لإدارة الاقتصاد الذي مزقته الحرب.
وأشار جونو إلى أن الاتفاق المباشر بين الرياض والحوثيين سيتجاهل ما وصفها بـ”المظالم الجنوبية”، الأمر الذي سيشجع المجلس الانتقالي الجنوبي على القيام بإيماءات “انفصالية”، حد وصفه.
ويضيف: “في الواقع، لا يبدو أن هناك مساراً عملياً لإعادة دمج النصفين الجنوبي والشمالي من البلاد مرة أخرى، لذا قد يكون الانفصال هو الخيار الوحيد، لكنه لن يحدث بشكل متناغم”.
ما ورد آنفاً يؤكد – بما لا يدع مجالاً للشك – أن هناك تحولات في المواقف تجاه قضية الجنوب، ويتوقع محللون بأن الأيام القادمة ربما تحمل الكثير من المواقف الإيجابية إزاءد الجنوب، في ظل النشاط والتحولات الداخلية والخارجية التي يقوم بها المجلس الانتقالي، وفي ظل الأهمية الكبرى والجيوسياسية التي يمثلها الجنوب بالنسبة للعالم.
مواقف الحوثي
لا يبدو الحوثي بارعاً في العمل السياسي، فهو يعمل ضد نفسه، كما قال السفير الفرنسي، وكما تثبته الوقائع والأحداث. فعلى صعيد الداخل فإنه يقيم سلطة جبايات وسوقاً سوداء، ويعتمد على القبضة الأمنية في إرغام المواطنين في مناطق سيطرته للقبول بها، فهو لم يقم دولة وليس مؤهلاً لذلك مستقبلاً من نواحي عديدة.
يريد الحوثي أن يكرس وجوده باستخدام القوة، ويعتقد أن القوة هي من ستبقي على سلطته شمالاً، وستأتي إليه بالجنوب أيضاً. لذا، فهو يرفض الحوار والسلام وإنهاء الحرب، ويستخدم الأخيرة لابتزاز الجوار الإقليمي، كما يبدو أيضاً.
فالعقلية الشمالية الحاكمة لا تختلف عن بعضها من “صالح” إلى “الإصلاح” إلى “الحوثيين”، فالجميع يعتقد أن نهج القوة والاستبداد هو الخيار الوحيد الذي يمكنهم من السلطة وحكم اليمن، دون النظر لأهمية وجود الدولة ومكافحة الفساد وإقامة الحكم الرشيد، فهذه الاهتمامات لا تمثل لهم شيئاً ما داموا يمتلكون القوة في فرض خياراتهم المشوهة والقسرية على اليمنيين.
سيفشل الحوثي في كل مناوراته، وسوف يكتشف مع قوى الشمال الأخرى أن الجنوب كان ذكياً، وأن العالم ليس بهذا الغباء الذي يعتقدونه.
سيلقي العالمد باهتمامه صوب الجنوب الآن وفي القريب العاجل، فيما سيترك الحوثي مهملاً، هذا إذا لم يقرر المجتمع الدولي اجتثاثه في نهاية المطاف بسبب سلوكه المدمر وابتزازه المستمر للداخل والخارج، موظفاً الحرب والحوار والسلام كأوراق لتحقيق مآربه، ليس كدولة وإنما كعصابة مارقة تعتاش على خدمة مصالحها الشخصية والتضحية بالمصلحة العامة للشعب والبلد.
الشمال يعاني أيضاً التفكك، فقواه السياسية متشرذمة الآن، فالحوثي يسيطر شمالاً، بينما قوى الشرعية متواجدة في الجنوب، وهي أمام خيارين: إما الاتفاق مع الحوثي وتشكيل تكتل واحد للحوار الندي مع الجنوب، وإما حشد الجهود لإسقاط الحوثي وتحرير الشمال، وعدم حدوث ذلك يعني أنها ستحكم على نفسها بالموت السياسي، لاسيما إذا ما تحقق خيار المفاوضات، والذي سيكون بين الجنوب الذي قرر الذهاب بفريق جنوبي خاص بعيداً عن الشرعية، وبين الحوثي المسيطر على الأرض شمالاً، وقد لا تجد قوى الشرعية الشمالية مكاناً لها على طاولة المفاوضات، إلا إذا حدثت متغيرات ومستجدات جديدة.
الخلاصة
الجنوب يبدو أقوى أكثر من أي وقت مضى، والانتقالي اكتسب شرعية أوسع بعد التحولات الأخيرة في الجنوب، وبعد المواقف الدولية المؤيدة للقضية الجنوبية والمهتمة بمستقبل الجنوب.
على الانتقالي أن يواصل جهوده داخلياً وخارجياً، وأن لا يتوقف عن التغييرات التي بدأها داخله، وعليه أن ينقلها الآن إلى مؤسسات الدولة وإلى سلطة المحافظات والحكومة، بالدعم أو بالضغط على المجلس الرئاسي الذي يبدو أنه فشل في تحقيق أي من تعهداته منذ إعلان تأسيسه قبل عام ونيف، بما في ذلك التغييرات التي قال إنه سيتخذها بناء على اتفاق الرياض الذي يبدو أنه جُمِّد أو لم تعد له أية فعالية الآن.
الأيام القادمة حبلى بالمفاجآت، وعلينا أن نعمل في السياسة وعلى الأرض وداخل الدولة، ثم نراقب بشكل جيد التحولات القادمة وتأثيراتها في الداخل والخارج، ونتعاطى معها وفقاً للمصلحة العامة والعليا دون غيرها.
نقلا عن موقع مركز مسارات للدراسات الاستراتيجية