كريتر نت – متابعات
يثير الانضمام إلى بريكس اهتماما كبيرا لدى دول كثيرة خاصة من الشرق الأوسط، ما يحوّل هذه المجموعة إلى قطب بديل ينافس نفوذ مجموعة السبع، لكن أمامه الكثير من المصاعب والمحاذير الاقتصادية والمالية.
وسيؤدي توسع مجموعة دول بريكس من الدول النامية غير الغربية إلى زيادة ثقلها الاقتصادي والسياسي. لكن الخلافات الداخلية ستحد في النهاية من قدرة الكتلة على أن تصبح مؤثرة مثل مجموعة السبع. وسيجتمع وزراء خارجية البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، المعروفون باسم “بريكس”، في كيب تاون في 2 و3 يونيو القادم لمناقشة توسيع الكتلة والنظر في طلبات عضوية الدول الأخرى.
في أبريل الماضي، قال سفير جنوب أفريقيا ببريكس إن 19 دولة أعربت عن اهتمامها بالانضمام، وتقدّمت 13 دولة بطلب رسمي بينما طلبت الدول الست الأخرى ذلك بشكل غير رسمي. ومن البلدان التي أعربت عن اهتمامها بالانضمام إلى عضوية بريكس السعودية والإمارات والجزائر والأرجنتين والبحرين ومصر وإندونيسيا وإيران.
وفي 2022 الذي استضافت فيه الصين قمة بريكس، اقترحت بكين رسميا أن تبدأ الكتلة عملية التوسع وتضع إجراءات ومعايير لذلك.
وصاغ جيم أونيل الذي كان كبيرا لخبراء الاقتصاد لدى غولدمان ساكس مصطلح “بريك” لأول مرة في 2001 لوصف البلدان التي كان ينظر إليها على أنها أكبر محركات النمو الاقتصادي خارج العالم الغربي.
وأصبحت هذه الدول الأربع الأصلية (البرازيل، وروسيا، والهند، والصين) في نهاية المطاف في التكتل الرسمي، وعقدت قمتها الأولى في 2009. وأضاف التحالف منذ ذلك الحين عضوا واحدا فقط، وهو جنوب أفريقيا في 2010، مضيفا حرف “إس” إلى نهاية اسم المجموعة.
وتدفع المنافسة الإستراتيجية الصينية والروسية المتزايدة مع الغرب، ورغبة الصين في توسيع بريكس لزيادة قوتها الاقتصادية والسياسية، الكتلة لفتح عضويتها. ويبدو أن الصين وروسيا تنظران إلى المجموعة على أنها قوة موازنة غير غربية لمجموعة السبع الرئيسية لتشكيل السياسات الدبلوماسية والاقتصادية الغربية.
وخلال السنوات الأخيرة، قررت مجموعة الدول السبع (كندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي بصفته “عضوا غير معدَود”) توسيع العقوبات المفروضة على روسيا واتخذت موقفا أكثر صرامة مع غزو روسيا لأوكرانيا في 2022.
وكان هذا من بين السياسات الغربية الرئيسية الأخرى التي أزعجت بكين وموسكو، اللتين تسعيان إلى بعث منتدى مماثل للدول غير الغربية التي تشاركها بعض وجهات النظر حول قضايا معينة، مثل تغير المناخ والحاجة إلى تقليل قبضة الغرب على التمويل الدولي.
ومن بين الكتل الحالية التي تضم الصين وروسيا دون الدول الغربية، كانت بريكس الوحيدة العالمية والأكثر منطقية لتكون أداة لمثل هذه المناقشات. ويعدّ توسع دول بريكس أيضا تطورا طبيعيا حيث أصبح النظام العالمي الذي كان يقوده الغرب في السابق متعدد الأقطاب أكثر. ومع هذا التحول الجيوسياسي العالمي، تبحث الدول غير الغربية عن طرق لتعميق علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع بعضها البعض، كما يتضح من اهتمامها المتزايد بالانضمام إلى بريكس.
ويدفع الغرب الدول الأخرى إلى اعتماد جداول زمنية للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري والانتقال إلى صافي انبعاثات صفرية في إطار زمني مماثل للدول المتقدمة. وتقول دول مثل الصين والهند إن هذا غير عادل، وإن على الغرب تحمل عبء خفض الانبعاثات ودفع تكاليف تغير المناخ لأن دوله كانت تاريخيا أكبر مصدر لانبعاثات الكربون في العالم.
كما تعارض بكين وموسكو استخدام الولايات المتحدة (ومجموعة الدول السبع) للعقوبات التي تجبر الشركات على مستوى العالم (بما في ذلك الشركات الروسية والصينية) على الامتثال من خلال التهديد بقطعها عن الأنظمة المالية الأميركية و/أو الأوروبية.
ويبقى قبول بريكس لأعضاء جدد مسألة وقت فقط، لأن العديد من الدول التي أعربت عن اهتمامها بالانضمام تفيد التكتل بشكل واضح. ومن المرجح أن تنضم السعودية والإمارات في نهاية المطاف إلى المجموعة، لأنها ستمكن الكتلة من التوسع أخيرا في الشرق الأوسط.
ويُمكّن ضمّ دولتي الخليج العربي، اللتين تتمتعان بقدرة كبيرة على الاستثمار، من منح أعضاء بريكس المزيد من المستثمرين الخارجيين الرئيسيين، حيث أن الصين هي العضو الوحيد الذي لا يستفيد بشكل أساسي من الاستثمار. ويمكن أن تساعد إضافة اثنين من كبار منتجي النفط إلى الكتلة، من وجهة نظر بكين، في تأمين وصولها إلى إمدادات الطاقة المستقبلية وتعزيز أمنها في هذا المجال.
وتعدّ مصر، أحد أكبر الاقتصادات في أفريقيا ويبلغ عدد سكانها أكثر من 100 مليون نسمة، مرشحا جذابا آخر. ويمكن قول الشيء نفسه عن إندونيسيا، التي تقع في جنوب شرق آسيا حيث لا يوجد أعضاء في بريكس حاليا، والتي تستعد لأن تصبح وجهة أكبر للاستثمارات الغربية وسلاسل التوريد التصنيعية العالمية.
وأعربت كازاخستان عن اهتمامها بالانضمام إلى بريكس أيضا، مما سيمكّن الكتلة من التوسع في آسيا الوسطى التي تعدّ مفترق طرق حيوي لمبادرة الحزام والطريق الصينية. ويمكن أن يضيف هذا التوسع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا و/أو جنوب شرق آسيا بسرعة تريليونات الدولارات من الناتج المحلي الإجمالي إلى الكتلة والملايين من السكان، مما يجعل حجمها الإجمالي مساويا لمجموعة السبع.
وحدد صندوق النقد الدولي بلوغ الناتج المحلي الإجمالي لدول مجموعة السبع بحوالي 44 تريليون دولار في 2022، بينما بلغ الناتج المحلي الإجمالي لأعضاء مجموعة بريكس بحوالي 26 تريليون دولار.
وستعمل مجموعة بريكس الموسعة على تعزيز قدرة مؤسساتها لتصبح بدائل للمؤسسات الغربية، وإن كان ذلك بطريقة محدودة فقط. ويمكن القول إن أكثر المؤسسات فاعلية التي أنشأها أعضاء بريكس الخمسة هما بنك التنمية الجديد الذي من المفترض أن يكون مشابها للبنك الدولي، وترتيب الاحتياطي الطارئ المشابه لصندوق النقد الدولي.
لكن الصين هي حاليا العضو الوحيد الذي يمثل مستثمرا خارجيا رئيسيا، مما يجعل قدرة بريكس محدودة على توسيع نطاق هذه الآليات دون أن تكون بكين الضامن الفعلي أو الميسّر الرئيسي للعملية. وستساعد إضافة دول مثل الإمارات والسعودية إلى آليات بريكس في زيادة حجمها بما يجعلها أكثر قدرة على المنافسة مع المؤسسات المدعومة من الغرب. وبدأ هذا بالفعل مع بنك التنمية الجديد، حيث أصبحت بنغلاديش ومصر والإمارات أول أعضاء من خارج بريكس ينضمون إليه في 2021 (وإن كان ذلك بحصص أصغر بكثير من الأعضاء الحاليين في الكتلة). وحتى تصبح المؤسسات المالية بدائل فعالة لنظرائها في الغرب، فإن حجمها يتطلب زيادة كبيرة، خاصة وأن البنك هو مجرد واحد من حوالي عشرة بنوك تنمية متعددة الأطراف في العالم.
وفي الثاني من مايو الجاري، قال الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا إنه بدأ مناقشات مع بنك التنمية الجديد (الذي تترأسه حاليا الرئيسة البرازيلية السابقة ديلما روسيف) لتعديل قواعده الداخلية والسماح للأرجنتين المثقلة بالديون بالحصول على تمويل أو قروض منه “لإزالة سكين صندوق النقد الدولي من على رقبتها”. ويوضح هذا الإعلان كيف سيسعى قادة بريكس إلى توسيع نفوذ هذه المؤسسات، حتى لو كانت جهودهم أقل تأثيرا في الواقع.
ويمكن أن يساعد توسيع بريكس أيضا على تعزيز التجارة في العملات غير الغربية مع دعم عملة أخرى. لكن هذه الجهود ستظل تمثل تهديدا محدودا لوضع الدولار وتخلق طرقا محدودة لتجاوز العملات الغربية.
ويتمثل أحد المجالات التي تتماشى فيها دول بريكس في الحد من هيمنة الدولار والغرب في تمويل التجارة الدولية والاحتياطيات العالمية، بما في ذلك احتمال إنشاء عملة احتياطية بديلة مدعومة من بريكس.
وتمكنت الدول الغربية (خاصة الولايات المتحدة) من استغلال هذه الهيمنة من خلال سياسات العقوبات التي تقطع (أو تهدد بقطع) الشركات عن النظام المالي الدولي. وأصبحت نقطة الضعف هذه مصدر قلق متزايد في بكين وموسكو حيث فرض الغرب عقوبات على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا، ويدرس عقوبات انتقامية محتملة إذا هاجمت الصين تايوان.
لكن الجهود المبذولة لتوسيع التسوية التجارية بالعملات المحلية كوسيلة لتجاوز الدولار تواجه قيودا. أولا، ليست العديد من عملات بريكس قوية أو لا يمكن تحويلها بسهولة، مما يجعلها غير مرغوب فيها بين البنوك والشركات. فعلى سبيل المثال، كانت روسيا تحاول تعزيز استخدام اليوان في تجارتها مع الصين، لكنها أقل رغبة في تعزيز استخدامها للروبية الهندية بسبب مخاوف بشأن قابلية التحويل المحدودة للعملة.
وكان من الممكن أن يؤدي الفائض التجاري الكبير لروسيا مع الهند إلى تراكم كبير للروبية.
وتتمحور معظم التجارة داخل الكتلة أيضا حول الصين حيث أن التجارة الثنائية بين دول بريكس التي لا تشمل الصين محدودة نسبيا، مما يجعل أيّ تحول نحو استخدام اليوان يواجه قيودا بسبب عدم رغبة الصين في إدخال إصلاحاتها الخاصة لزيادة قابلية تحويل عملتها.
ويمكن أن يساعد توسيع نطاق بريكس في زيادة بعض التجارة غير المتمركزة حول الصين. لكن الاقتصاد الصيني الضخم يعد الجاذب الرئيسي لانضمام دول مثل السعودية والإمارات التي ترغب في تعميق العلاقات الاقتصادية مع بكين، مما يمنحها حافزا ضئيلا للتعاون على إزالة الدولرة على نطاق أوسع بخلاف بعض التجارة مع الصين.
كما أبدت الإمارات والسعودية استعدادا ضئيلا للانفصال تماما عن التقاليد وبيع معظم نفطهما بعملات أخرى غير الدولار، وشهدتا كيف سعت الصين سابقا إلى التلاعب بالأسعار المقومة باليوان في السلع الأخرى. وقد يكون بيع المزيد من النفط باليوان مشكلة، حيث أن كلا البلدين يربطان عملتهما بالدولار، كما أن زيادة تراكم اليوان ستواجه العديد من المخاطر نفسها التي ستواجهها الهند بسبب تراكم الروبية، وذلك لقابلية تحويل اليوان المحدودة نسبيا.
وزاد زخم سياسي جديد لإنشاء عملة احتياطية لدول بريكس، وهو اقتراح مطروح على الطاولة منذ أكثر من عقد ومن شأنه أن يكون مشابها لحقوق السحب الخاصة بصندوق النقد الدولي ويستند إلى سلة من عملات بريكس. لكن مثل هذه العملة تواجه مخاوف من التقلبات نظرا لكون عملاتها الأساسية أقل “أمانا” من العملات الغربية الرئيسية التي تدعم حقوق السحب الخاصة. ويبقى بالتالي أن نرى إلى أيّ مدى ستكون البلدان الأخرى على استعداد لاستخدام عملة احتياطي لدول بريكس.
ويعد تغير المناخ وتحول الطاقة من المجالات التي قد يتضاعف فيها تعاون بريكس. ويمكن أن يحوّل انضمام السعودية والإمارات وإندونيسيا والجزائر (وهي من كبار منتجي النفط والغاز و/أو مستهلكي الفحم) بريكس إلى لاعب رئيسي في مفاوضات المناخ من خلال جعل أعضائها يتخذون موقفا مشتركا.
ولن يكون لدى الكتلة أكبر مستهلكين للفحم في العالم فقط (الهند والصين) ولكن أكبر منتجي النفط من غير الغرب (روسيا والمملكة العربية السعودية) أيضا. وستحشد مجموعة من البلدان الأخرى الأصغر التي تعتمد على الوقود الأحفوري (بما في ذلك الجزائر وجنوب أفريقيا وإندونيسيا والبرازيل) والتي ترى جميعها أن الضغط الغربي لتسريع انتقال الطاقة غير عادل.
ليست العديد من عملات بريكس قوية أو لا يمكن تحويلها بسهولة، مما يجعلها غير مرغوب فيها بين البنوك والشركات
وبحسب ما ورد، ستدفع الهند، بدعم من الصين، بالفعل مجموعة العشرين لدعم “مسارات متعددة” لانتقال الطاقة في قمة سبتمبر في نيودلهي. وستمكّن المسارات المتعددة البلدان من عدم تحديد تاريخ محدد للتخلص التدريجي من الفحم أو استخدامات الوقود الأحفوري الأخرى، وهو ما تدعو إليه الدول الغربية.
كما حاولت الإمارات، التي تستضيف قمة المناخ للأمم المتحدة هذا العام (كوب 28)، تحويل المناقشات من التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري إلى التخلص التدريجي من “انبعاثات الوقود الأحفوري”، مما سيمكّن من استهلاك النفط والغاز والفحم لفترة أطول، مع تخفيف تبعات ذلك من خلال التقنيات الجديدة لاحتجاز الكربون وتخزينه. وبالتالي، تتمتع بريكس بالقدرة على أن تكون وسيلة للبلدان ذات التفكير المماثل لاتخاذ موقف مختلف عن الغرب بشأن قضايا المناخ بطريقة أكثر توحيدا وتوجيه وجهة نظرهم المشتركة في المفاوضات على المستوى الدولي، كما هو الحال في مؤتمرات الأمم المتحدة وغيرها من المنتديات الرئيسية متعددة الأطراف.
ولكن نمو دول بريكس سينمّي الخلافات الداخلية حول السياسات المختلفة، وخاصة فيما يتعلق بالمسائل غير المناخية والاقتصادية، مما سيحد من تماسك الكتلة. ويشترك أعضاء بريكس الخمسة الحاليون في وجهات نظر متشابهة حول قضايا مثل الحد من هيمنة الغرب المالية أو تعزيز تمويل البلدان النامية فيما يتعلق بالمناخ. لكن جنوب أفريقيا والبرازيل والهند لا تشارك الصين وروسيا وجهات النظر المناهضة للولايات المتحدة والغرب بنفس الدرجة. ويضعها التنافس بين الهند والصين بقوة في مجال النفوذ العسكري للولايات المتحدة.