كريتر نت – متابعات
رغم أن أغلبهم لا يعرفون السباحة فإن معظم المصابين بالأمراض المزمنة ومبتوري الأطراف، نتيجة الألغام الأرضية في اليمن، خاطروا بحياتهم واتخذوا من قوارب الصيد المتداعية وسيلة في رحلاتهم الشاقة بحثا عن علاج لم يتوفر لهم في بلدهم المنهك بتداعيات حرب لا تزال مستمرة منذ تسع سنوات. ويكابد المرضى عناء طول المسافات زادهم الماء والخبز الجاف وبعض التمر.
ووسط الاشتباكات المتواصلة التي تدخل عامها التاسع والحصار والخوف من الاعتقال والألغام يلجأ يمنيون إلى طرق بديلة في رحلات شاقة بحثا عن العلاج.
ففي شمال غرب اليمن بمحافظة حجة الحدودية مع المملكة العربية السعودية استخدم أهالي المناطق المحاصرة قوارب صيد متداعية في رحلتهم من ميناء ميدي لعبور المياه الدولية والإقليمية وصولاً إلى ميناء الخوخة (جنوبا) بحثا عن علاج لإصابات أنهكت أجسادهم.
وتقع حجة في الشمال الغربي من العاصمة صنعاء (تقع تحت سيطرة الحوثيين)، وتبعد عنها حوالي 123 كيلومتراً، ويعيش فيها 7.5 في المئة من إجمالي سكان اليمن البالغ عددهم 30.5 مليون نسمة، وتحتل المرتبة الخامسة بين محافظات البلاد من حيث عدد السكان، وتضم 31 مديرية.
هادي متنبك بائع خضروات على بسطة خشبية في قرية الجعدة بمديرية ميدي الساحلية (شمال غرب)، كان واحدا من 32 شخصا، بينهم سبع نساء وطفلان، بترت أطرافهم نتيجة الألغام الأرضية، وقد خاضوا تجربة رحلة علاجية في عرض البحر.
وقال متنبك لوكالة الأناضول “أملا في عودة حياتي الطبيعية اتخذت قراري الأصعب والوحيد لخوض غمار رحلة العلاج على متن قارب صيد في ظل تحديات ومخاطر الألغام البحرية فضلا عن عبور المياه الدولية خوفا من الزوارق الحوثية”.
وأشار إلى “تكدس المبتورين فوق قارب الصيد المتهالك ساعات طويلة على الرغم من عدم توفر وسائل الحماية لهم”، لافتا إلى أن جميع من كانوا في القارب لا يعرفون السباحة في عرض البحر.
وأوضح متنبك (35 عاما) أن الرحلة استغرقت قرابة 26 ساعة ذهابا في البحر بواسطة قارب صيد، ونحو 72 ساعة في التنقل برا من محافظة إلى أخرى.
ويقول عن المخاطر “بعد ساعات قضيناها في عرض البحر توقف القارب فجأة لمدة ساعة تقريبا نتيجة عطل بسيط، كانت الصدمة والخوف يلازمان الجميع في تلك اللحظة الصعبة التي لا تزال في ذاكرتي”، مضيفا أن “الماء والخبز الجاف وحبات تمر كانت وجبتهم الوحيدة خلال رحلتهم”.
وبيّن أنه اضطر إلى خوض الرحلة بعد قضائه أكثر من ثلاثة أعوام بحثا عن طرف صناعي دون جدوى، وقد أصيب أثناء نزوحه من عزلة بني حسن بمديرية عبس إلى مديرية ميدي الساحلية جراء لغم أرضي أدى إلى بتر ساقه اليمنى.
وأردف متنبك قائلا إن حالته النفسية وتردي وضعه الاقتصادي لازماه طوال فترة مكوثه في المنزل جراء إعاقته وسط غياب المنظمات الإنسانية.
وبحسب تصريحات سابقة أدلى بها مسؤولون يمنيون، تجاوز عدد الألغام المزروعة في البلاد مليوني لغم.
بدورها قالت فاطمة شوعي زيلعي، وهي واحدة من ضحايا الألغام الأرضية، “في 4 أغسطس الماضي، خرجنا في رحلة مع عدد من مبتوري الأطراف في عرض البحر بحثا عن العلاج”.
وأضافت زيلعي للأناضول أنها كانت لحظات صعبة للغاية وسط تلاطم أمواج البحر والموت المحقق.
وأشارت إلى أنه لم تكن أمامها خيارات أخرى إلا المغامرة وخوض التجربة بعد أن أصيبت بالاكتئاب بسبب بتر قدمها اليسرى.
وأكدت زيلعي أن الحصار المفروض عليهم من الحوثيين، إضافة إلى انعدام المراكز الطبية المتخصصة وغياب الكوادر الطبية، كان دافعا رئيسيا إلى خوض غمار السفر بحرا دون الالتفات إلى المخاطر التي ستواجههم.
ولفتت إلى أن قارب الصيد لا يتحرك إلا وعلى متنه أكثر من 25 شخصا نظرا إلى زيادة كلفة أجرة النقل من ميناء ميدي باتجاه ميناء الخوخة ذهابا وإيابا إلى قرابة 300 دولار للفرد الواحد.
من جهته قال المسؤول الصحي بمديرية حيران مقبول هادي “لدينا عدد كبير من مرضى القلب وأمراض العيون بالإضافة إلى 35 مريضا بالسرطان، فضلا عن مصابين بأمراض مستعصية ومختلفة لا يمكننا تقديم أي خدمات صحية لهم”.
وأضاف هادي للأناضول أن “أغلب المرضى عاجزون ويجدون صعوبة في تحمل التكاليف الباهظة بدءا من أجور النقل رغم المخاطر وانتهاء بتكاليف العلاج والسكن لفترة تصل إلى نحو شهرين خارج مدنهم”.
وأكد أن بعض الحالات المرضية تحتاج الإحالة إلى مراكز متخصصة للعلاج خارج اليمن، وهذا غير ممكن في ظل الحصار وتدهور أوضاع المرضى المعيشية والاقتصادية.
وبحسب السلطات المحلية في مديرية ميدي، تم تسيير نحو 40 رحلة منذ عامين ونصف العام لمرضى جلهم من أصحاب الأمراض المستعصية، إضافة إلى مبتوري الأطراف وبعض الطلاب الجامعيين.
وقال مدير مديرية ميدي العميد علي سراج للأناضول “تكابد قرابة 4500 أسرة حصارا خانقا (يفرضه الحوثيون) منذ أكثر من خمسة أعوام”، مؤكدا أن “الدمار الذي طال البنية التحتية ساهم في احتداد معاناة السكان بالمديريات الحدودية”.
في غضون ذلك قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، عبر بيان في يوليو 2022، إن “من بين إجمالي عدد سكان اليمن البالغ 30.5 مليون نسمة لا يحصل أكثر من 20.1 مليون شخص حاليا على أبسط خدمات الرعاية الصحية”.
وأوضحت أن نسبة المرافق الصحية التي لا تزال تعمل في عموم البلاد لا تتجاوز 51 في المئة، فيما يقف العنف عقبة أمام قدرة المرضى على الوصول إلى الرعاية الصحية اللازمة لإنقاذ حياتهم.
ويعاني اليمن حربا بدأت عقب سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء وعدة محافظات في نهاية 2014، واشتد النزاع منذ مارس 2015، بعد تدخل تحالف عسكري عربي بقيادة السعودية لإسناد قوات الحكومة الشرعية في مواجهة جماعة الحوثي المدعومة من إيران.
قارب الصيد لا يتحرك إلا وعلى متنه أكثر من 25 شخصا نظرا لارتفاع تكاليف أجرة النقل من ميناء ميدي
وخلال عام 2019 انتشرت أوبئة وأمراض جديدة فاقمت معاناة اليمنيين، في ظل استمرار تردي الحالة الاقتصادية وارتفاع معدل الانتهاكات، ولاسيما في المدن الجنوبية.
وظهرت خلال العام الخامس من الحرب إنفلونزا الخنازير، وانتشرت بشكل لافت في محافظتي تعز وصنعاء، وبحسب إحصائيات كشف عنها الناطق الرسمي لوزارة الصحة التابعة للحوثيين يوسف الحاضري، فقد وصلت حالات الإصابة والاشتباه بهذه الإنفلونزا إلى أكثر من 650 حالة توفي منها 125 شخصا في عموم المدن اليمنية.
ويصف الحاضري الوضع الإنساني في اليمن بالمأساوي، مشيرا إلى أن بعض الأوبئة كانت قد اختفت، لكنها عادت بمعدل أعلى خلال العام الأخير، وأسهم في صعوبة علاجها تدمير البنية التحتية وسوء الخدمات الصحية واستمرار الحصار وإغلاق جميع المنافذ.
كما استمر وباء الكوليرا في الانتشار وحصد أرواح المئات منذ ظهوره الأول عام 2016، وبلغت حالات الإصابة بالوباء منذ يناير 2019 أكثر من 854 ألف شخص، وتوفي منهم أكثر من ألف مواطن حتى ديسمبر 2019، وذلك بحسب إحصائيات وزارة الصحة في صنعاء.