كريتر نت – متابعات
عادت الولايات المتحدة إلى التلويح باستخدام سياسة العصا والجزرة في تسوية الأزمات الإقليمية المشتعلة، وبدأت تتحدث صراحة عنها كمدخل مهم لتثبيت وقف إطلاق النار في السودان، ووسيلة ناجزة لتطويق تداعيات الحرب على دول الجوار، وتؤكد أن حماسها للتعامل مع الصراع الدائر بين الجيش وقوات الدعم السريع سوف تكون له وجوه عدة كي تتمكن من العودة إلى استئناف العملية السياسية.
وحذر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الثلاثاء الأطراف المتصارعة في السودان من انتهاك اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم بوساطة سعودية – أميركية بين وفدي الجيش وقوات الدعم السريع، ودخل حيز التنفيذ، مساء الاثنين.
وقال في رسالة مصورة بثها عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووجهها بشكل خاص إلى السودانيين إن الولايات المتحدة والوسطاء في اتفاق الهدنة الجديد “سيحاسبون المخالفين من خلال فرض العقوبات وغيرها من الوسائل المتاحة”.
◙ التأكيد على تسليم السلطة لحكومة مدنية رسالة من بلينكن مفادها أن نتائج الحرب لن تغير شيئا من موقف واشنطن
بدت هذه اللهجة الصارمة غير معتادة في الخطاب الأميركي الرسمي الذي تردد ولم يتجاوب فعليا مع مطالبات سابقة بفرض عقوبات على الطرفين المتصارعين ظهرت ملامحها عقب اندلاع الحرب، وفضّل اللجوء إلى خيار الحوار معهما والترغيب من خلال دعم آلية الوساطة التي تشكلت بالتعاون والتنسيق مع السعودية.
وذكر السياسي السوداني عادل إبراهيم حمد لـ”العرب” أن فكرة الترهيب من خلال العقوبات تمت تجربتها مع السودان طوال عهد الرئيس السابق عمر البشير ولم تجد نفعا، وظل هذا النظام قابعا في السلطة لمدة ثلاثين عاما، معظمها كان سيف العقوبات مسلطا على رقبته، والمتضرر الوحيد من هذه السياسة هو الشعب السوداني.
وأضاف أن سلاح العقوبات الذي رفعته الولايات المتحدة في تعاملها مع السودان وغيره من الدول لم يحقق أهدافه كاملة، وعلى العكس يقوم القادة المستهدفون به بتوظيفه سياسيا لصالحهم، والحصول على قدر مضاعف من التعاطف الشعبي معهم، باعتبار أن دولة كبرى في العالم مثل الولايات المتحدة تريد تكبيل قرارهم الوطني.
وأشار عادل إبراهيم حمد في تصريحه لـ”العرب” إلى أهمية سياسة الترغيب أو ما يسمى بـ”الجزرة” الآن، فبعد ثبوت عدم جدوى العصا من البديهي تجربة منهج المنح المقابل، والذي يمكن أن يصلح للتعاطي مع حالة السودان عقب المرحلة التي وصل إليها من دمار في خضم حرب سوف تخرج منها الدولة شبه عاجزة.
وبعد أن رفع بلينكن العصا في وجه المتصارعين في السودان أخيرا ومن دون تحديد جهة محددة مقصودة بها، أظهر الجزرة أيضا عندما قال إن بلاده تعتزم تقديم مساعدات إنسانية بقيمة 245 مليون دولار للسودان والدول المجاورة لمساعدتها على التعامل مع الأزمة المستمرة الناجمة عن الصراع في السودان.
إبراهيم حمد: الترهيب بالعقوبات جُرّب سابقا ولم يُجد نفعا
ورفعت الحزمة الجديدة من المساعدات الإنسانية الأميركية للسودان والدول المجاورة، بينها تشاد ومصر وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى، إلى 880 مليون دولار.
وتخشى الإدارة الأميركية من مغبة التحديات التي تواجهها تحركاتها بالتنسيق مع الرياض بعد تزايد المعلومات حول إصرار الطرفين على الحسم العسكري، والتعامل مع اتفاق جدة لوقف إطلاق النار على أنه خطوة مؤقتة قد يصعب تجديدها.
وركزت محادثات جدة التي توصلت لاتفاق سابق لإعلان مبادئ للتهدئة لأسباب إنسانية، ثم وقف إطلاق النار لمدة أسبوع على إنهاء العنف وتقديم المساعدة للشعب.
وشدد بلينكن على أن الحل الدائم للصراع بين الجنرالات يتطلب أكثر ممّا تم الاتفاق عليه في مباحثات جدة، وأن السودانيين “يتحملون مسؤولية تحديد مسار بلادهم.. عليكم قيادة عملية سياسية لاستعادة الانتقال الديمقراطي وتشكيل حكومة مدنية”.
وفسر متابعون وعد بلينكن للسودانيين باستمرار دعم الولايات المتحدة للحكومة الديمقراطية التي تمثل جميع طوائف الشعب على أنه رسالة واضحة للعودة إلى العملية السياسية بعد الحرب، وتحمل رفضا لأيّ نوع من التحايل قد يقوم به قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان للتمسك بالسلطة فترة طويلة، خاصة إذا حقق نصرا عسكريا حاسما وتمكن من السيطرة على مقاليد الأمور.
وأكد هؤلاء المتابعون أن تمسك خطاب قائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) بتسليم السلطة لحكومة مدنية الهدف منه الكشف عن عدم حدوث تغيير في موقفه السابق، والذي برر فيه انجراره إلى الحرب، وهو منع انقلابا عسكريا يقود لعودة فلول البشير إلى السلطة بالتعاون مع الجنرال البرهان.
وقبل وقت قليل من سريان وقف إطلاق النار، بثت قوات الدعم السريع رسالة صوتية من قائدها الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) شكر فيها السعودية والولايات المتحدة، وقال فيها “لن نتراجع إلا بإنهاء هذا الانقلاب ومحاكمة كل من أجرم في حق الشعب السوداني والعودة إلى المسار الديمقراطي”.
ويبدو أن تشديد بلينكن على مسألة التحول الديمقراطي في السودان تتجاوز تهدئة الكثير من أعضاء الكونجرس الذين تخوّفوا من إهمال الإدارة الأميركية هذا البعد في تحركاتها الأخيرة وأن التركيز على وقف الحرب قد ينسيها هدفها الرئيسي.
◙ بلينكن شدد على أن الحل الدائم للصراع بين الجنرالات يتطلب أكثر ممّا تم الاتفاق عليه في مباحثات جدة
فعندما عاد وزير الخارجية الأميركي وذكّر بتسليم السلطة لحكومة مدنية، أراد التأكيد أن نتائج الحرب ومن يربحها عسكريا لن يغيرا من موقف بلاده المبدئي بشأن التحول الديمقراطي، وهو ما يعني رفضا قاطعا للموافقة على أيّ واقع سوف يترتب عن هذه الحرب ويصب في صالح دعم الهيمنة العسكرية للطرف الرابح فيها.
وشهدت مناطق متفرقة في الخرطوم الثلاثاء أجواء هادئة نسبيا غداة بدء سريان وقف إطلاق النار الخاضع لمراقبة من السعودية والولايات المتحدة.
بينما سمع سكان في الخرطوم أيضا دوي نيران مدفعية وتحليق طائرات حربية، ما يهدد صمود وقف إطلاق النار الذي يمثل أملا كبيرا لحث طرفي الصراع على إنهاء الحرب.
وحذر مبعوث الأمم المتحدة إلى السودان فولكر بيرتس في كلمة له أمام مجلس الأمن الاثنين من تزايد الطابع العرقي للصراع، ومن تداعياته المحتملة على دول الجوار.
وأشار مسؤول كبير في اللجنة الدولية للصليب الأحمر الثلاثاء إلى أن اللاجئين السودانيين يتدفقون إلى تشاد بوتيرة سريعة جدا ولدرجة يستحيل معها نقلهم جميعا إلى أماكن أكثر أمانا قبل بدء موسم الأمطار في أواخر يونيو المقبل.