كريتر نت – متابعات
يعمل “مصطفى. م” ضمن المئات من طاقم عمل شركة برودجي سيتميز”، المتخصصة في عمليات الرقابة والتقييم لسير العمليات الإغاثية والإنسانية التي تنفذها منظمات الأمم المتحدة في اليمن.
وينتظر “مصطفى” كغيره من الموظفين في الشركة استئناف العمل بعد أشهر من اقتحام المقر الرئيس في صنعاء مطلع يناير 2023، واعتقال مديرها ومالكها وعدد من الموظفين الرئيسيين من قبل مليشيات الحوثي- ذراع إيران في اليمن.
وشهدت صنعاء وقفات احتجاجية لعدد من أهالي المختطفين وموظفي شركة “برودجي” للمطالبة بإطلاق سراح المدير عدنان الحرازي وإعادة فتح الشركة واستئناف نشاطها.
يقول مصطفى لـ”نيوزيمن”: أعمل منذ سنوات مع الشركة مراقبا ميدانيا، ومهمتي كانت النزول الميداني لتنفيذ مسوحات ورفع تقارير تقييم ومراقبة حول سير توزيع المساعدات والبرامج الإغاثية المنفذة من قبل المنظمات الأممية والدولية، مضيفاً: إن عملنا يتمثل في التحقق من وصول المساعدات للمحتاجين والمستفيدين من المشاريع الإنسانية في اليمن.
وأشار إلى أن الشركة تمتلك أربعة مقرات، في كل من صنعاء وعدن والحديدة وصعدة، وهناك شبكة كبيرة من الموظفين الميدانيين المدربين يصل عددهم إلى أكثر من ألف موظف. وتمكنت هذه الشركة من تنفيذ مشاريع واسعة للرصد والتقييم في مجالات الأمن الغذائي، والصحة والتغذية، والتحويلات النقدية، والمياه والصرف الصحي، وغيرها من المجالات.
اعتقال منظم
في الـ11 من يناير الماضي، داهمت قوة تابعة للميليشيات الحوثية مقر الشركة في صنعاء، وصادرت كل الأجهزة الفنية، قبل أن تعتقل مدير الشركة ومالكها المهندس عدنان الحرازي، إلى جانب 10 من رؤساء الأقسام والموظفين في المقر، واقتادتهم إلى أحد السجون السرية التي يديرها ما يعرف بجهاز الأمن الوقائي الحوثي. وتم الإفراج عن الموظفين واستثناء مالك الشركة ومديرها. كما لم يتم فتح الشركة أو فتح حساباتها المالية.
كما أن اقتحام شركة “برودجي” ترافق مع اقتحام مقر شركة “ميديكس كونكت” الخاصة بتقديم الخدمات الطبية، من ذات القوة، وتم مصادرة الأجهزة والأدوات الخاصة بها. وسبب الاقتحام أن المهندس عدنان الحرازي يعد أحد أبرز المساهمين فيها.
ولم تقدم المليشيا الحوثية أي تبريرات قانونية لاقتحام الشركتين المذكورتين. خصوصاً وأن الشركتين ملتزمتان بالعمل وفق أحكام وقواعد قانون العمل اليمني، وبموجب التصاريح الصادرة من الحوثيين عبر ما يسمى المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي.
إخفاء التقارير
خلال السنوات الماضية، تصاعدت التقارير الأممية والدولية التي كشفت حقيقة التلاعب بالمساعدات الإغاثية في مناطق سيطرة الحوثيين، وعدم إيصالها بشكل صحيح لمستحقيها. تزييف معلومات وأرقام، ونهب المساعدات وتسخيرها لجبهات القتال وغيرها من الأعمال التي مارستها الميليشيات الحوثية بحق مشاريع المنظمات الأممية ووجهتها صوب أهدافها وحرمان مئات الآلاف من المتضررين من الاستفادة من العمليات الإغاثية.
وفقاً لمصادر إغاثية في صنعاء، كشفت أن الميليشيات الحوثية وجهت اتهامات مباشرة لشركة “برودجي سيتميز”، الشريك الأبرز لمنظمات الأمم المتحدة العاملة في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة بالوقوف وراء الكثير من التقارير والمعلومات التي تدينها وتكشف تورطها في التلاعب ونهب المساعدات والمنح المالية المخصصة للاستجابة الإنسانية على مدى سنوات.
وأشارت المصادر إلى أن مدير الشركة رفض عملية ابتزاز مارستها قيادات حوثية من بينهم القائمون على المجلس الأعلى الحوثي لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي، الذي جرى استحداثه من قبل الميليشيات للسيطرة على العمليات الإغاثية وتوجيهها صوب أهدافها.
وكشفت المصادر أن الأمم المتحدة وجهات مانحة دولية، طالبت من شركة “برودجي” إجراء مسح مستقل لمستحقي المساعدات الإنسانية والنازحين في مناطق سيطرة الحوثيين، وهو ما ترفضه الميليشيات وتحاول عرقلته وتوجيهه صوب أهدافها.
السيطرة على المساعدات
الحكومة اليمنية، المعترف بها دولياً، اعتبرت ما يجري للشركة من انتهاكات حوثية، جريمة لا يجب عدم السكوت عنها من قبل الأمم المتحدة، موضحة على لسان وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني، أن إغلاق الشركة ومصادرة أجهزتها يكشف الرغبة في السيطرة على المساعدات الغذائية والنقدية المقدمة من منظمات الأمم المتحدة للفئات الأشد فقراً.
مستغرباً عدم اتخاذ الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية في اليمن أي موقف جاد إزاء ما تعرضت له الشركة، التي تعد شريكاً رئيسياً لها، وطالبهم بإدانة ما جرى بشكل واضح وصريح.
وتسعى الميليشيات الحوثية إلى تنفيذ مخطط خطير يهدف إلى السيطرة على كل المنح والمساعدات الأممية والدولية في مناطق سيطرتهم. وبرز هذا المخطط في استهداف الشركاء الأساسيين الذين تعتمد عليهم المنظمات والجهات المانحة لتقييم مراقبة العمليات الإغاثية في الداخل.
وقالت المصادر الإغاثية في صنعاء لـ”نيوزيمن”: بعد اقتحام الشركة ومصادرة أجهزتها واختطاف مالكها، بدأت الميليشيات عملية الاستحواذ والسيطرة على الشركة من خلال خطاب موجه من النيابة الجزائية المتخصصة في صنعاء، إلى وكيل جهاز الأمن والمخابرات الحوثية بتعيين أحد الموالين للميليشيات الحوثية يدعى وليد البوصي للقيام بأعمال مدير الشركة بشكل مؤقت.
وأوضحت المصادر أن الميليشيات ستعاود فتح الشركة مجددا تحت الوصايا الحوثية، والسماح للموظفين بالعودة لأعمالهم تحت التوجهات الجديدة.
تلفيق تهم
تعيين قيادي حوثي على رأس أهم شركة للتقييم والرقابة في اليمن، جاء بعد تلفيق تهم لمالك الشركة ومديرها السابق المهندس عدنان الحرازي، بينها الخيانة والعمالة لجهات خارجية ودولية وغيرها من التهم التي اعتادت الميليشيات على إلصاقها بكل معارضيها والرافضين الانصياع لابتزازها وأهدافها.
ونشرت ذراع إيران عبر وسائل إعلامها لتبرير حادثة الاقتحام واختطاف مالك الشركة، بأنها تأتي في إطار مراعاة المصالح العليا لهم، وأن الشركة كانت لها ارتباطات مشبوهة بجهات خارجية. إلا أن الكثير من القيادات ونشطاء الحوثيين على مواقع التواصل الاجتماعية تتهرب عن إبراز أية شكاوى رسمية ضد الشركة ومالكها، وهو ما يؤكد أن عملية الضبط مخالفة للقوانين.
المصدر نيوزيمن