كريتر نت – متابعات
عادت إيران مرة أخرى إلى توجيه إشارات سعيا لتطبيع العلاقات مع مصر، حيث قال الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي خلال لقائه بسلطان عمان هيثم بن طارق آل سعيد إن طهران ترحب بتحسين العلاقات الدبلوماسية مع القاهرة، وفق ما نقلت وسائل إعلام رسمية إيرانية اليوم الاثنين.
وأضاف خامنئي أنه يرحب بالموقف المصري “وليس لدى طهران مشكلة في هذا الصدد”، وفقا لوكالة أنباء “تسنيم” الإيرانية.
وظلت العلاقات مشحونة بين القاهرة وطهران في أغلب الأحيان خلال العقود الماضية على الرغم من أن البلدين حافظا على الاتصالات الدبلوماسية.
وتوترت العلاقات بين القاهرة وطهران منذ انطلاق الثورة الإيرانية عام 1979، عندما قبل الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، استضافة شاه إيران رضا شاه بهلوي، في مصر، رغم مطالبة طهران بعدم استقباله، ومنذ ذلك الوقت، مرت العلاقات بين البلدين بمحطات مختلفة، وشهدت محاولات متكررة للتقارب.
وجاءت تصريحات خامنئي في الوقت الذي تحدثت فيه مصادر سياسية في الفترة الأخيرة عن جهود عراقية وأيضا عمانية تبذل للتوسط من أجل عودة العلاقات الطبيعية بين الطرفين.
وتشهد المنطقة العربية تغييرات واسعة في الآونة الأخيرة على صعيد العلاقات البينية، وسط اتجاه لخفض التوتر بين دول الإقليم.
وفي مارس الماضي، وضعت السعودية حليفة مصر، وإيران حدا لسنوات من العداء واتفقتا على إعادة العلاقات الدبلوماسية بموجب اتفاق توسطت فيه الصين.
وقال خامنئي في معرض تعليقه على استعادة العلاقات مع السعودية “هذه القضايا هي نتيجة السياسة الحكيمة لحكومة رئيسي حول توسيع وتعزيز العلاقات مع الجيران ودول المنطقة”.
وعززت طهران مؤخرا تواصلها مع عواصم خليجية شهدت العلاقة معها فتورا في الأعوام الماضية مثل أبوظبي والكويت.
وفي إشارة أخرى على رغبة طهران في التقارب مع القاهرة، قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشورى الإيراني، عباس كلرو، إن التطور الشامل للتعاون بين إيران ومصر كدولتين إسلاميتين مهمتين يصب في مصلحة المنطقة.
وجاءت تصريحات كلرو في لقاء جمعه برئيس مكتب رعاية مصالح مصر في طهران هيثم جلال، حسبما ذكرت وكالة مهر الإيرانية للأنباء اليوم الاثنين.
وقال إن التاريخ الحضاري والثقافي الطويل الأمد لشعبي إيران ومصر، سيكون منبرا مناسبا لتوطيد العلاقات الودية والشاملة بين البلدين.
وأضاف أن إيران تبحث دائما عن التقارب بين المسلمين والدول العربية والإقليمية ودول الجوار، وأنها تسعى جاهدة لتحسين مستوى العلاقات وإحلال السلام والاستقرار في المنطقة، من خلال المبادرة من أجل تنمية التعاون مع الدول العربية والإسلامية.
وخلال الأشهر الماضية تتابعت إشارات التواصل بين البلدين، بدءاً من لقاء وزير الخارجية المصري سامح شكري مع نائب الرئيس الإيراني علي سلاجقة في نوفمبر الماضي، على هامش مؤتمر الأمم المتحدة لأطراف اتفاق المناخ (كوب27) الذي أقيم بمدينة شرم الشيخ.
وفي الشهر التالي التقى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي “بشكل عابر” بوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، على هامش مؤتمر “بغداد 2” الذي أقيم في الأردن، وأعقب ذلك إعلان الوزير الإيراني أن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني اقترح إطلاق حوار مصري – إيراني.
وفي مارس الماضي أحدث اتفاق تطبيع العلاقات بين السعودية وإيران تكهنات بقرب حدوث خطوة مماثلة بين القاهرة وطهران، عززتها تصريحات للخارجية الإيرانية على لسان المتحدث باسمها علي كنعاني، الذي وصف مصر بالدولة المهمة في المنطقة.
وأشار كنعاني إلى أن بلاده تؤمن بضرورة اتخاذ خطوات إيجابية لتحسين العلاقات، لكنه استدرك أنه “من الضروري أن نرى ما إرادة الطرف الآخر”.
وتكرر الانفتاح الإيراني في مطلع مايو الجاري بإعراب عبداللهيان عن أمله في أن تشهد العلاقات مع مصر تطوراً وانفتاحاً جدياً ومتبادلاً، مؤكداً أن العلاقات مع القاهرة بين أولويات سياسات إيران الخارجية، كما كشف عن وجود دول لم يسمها تبذل جهوداً وتشجع البلدين على رفع مستويات العلاقات الثنائية.
الوسيط الذي أشار له عبداللهيان تطرق إليه عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني فدا حسين مالكي، الذي ذكر أن هناك مفاوضات جارية في العراق وستؤدي في المستقبل القريب إلى استئناف العلاقات وفتح سفارتي البلدين، بل إنه توقع أن يعقب تلك الخطوة لقاء بين الرئيس المصري ونظيره الإيراني إبراهيم رئيسي.
لكن ذلك التفاؤل الإيراني قابله رد مصري فاتر، إذ نفى وزير الخارجية المصري سامح شكري “ما تردد في الإعلام عن وجود مسار مصري – إيراني”، مضيفاً أنه “ليس له أساس من الصحة”، وذلك بعد نحو أسبوع من تصريحات الوزير الإيراني.
وأكد شكري أن علاقات البلدين مستمرة كما هي عليه، وأن بلاده تتابع سياسات طهران وعلاقاتها بدول الخليج، وفي وقت سابق قال شكري إن القاهرة تتابع التطورات بالمنطقة وفي إطار هذا التقييم ستتخذ خطوات “إذا رأت أنها تصب في مصلحتها ومصلحة أمنها القومي”.
وفي ظل التفاؤل الإيراني لا تزال مصر تتأنى في اتخاذ أي خطوة باتجاه التطبيع الكامل في العلاقات، بسبب وجود خلافات في ملفات مختلفة، حيث أن لدى القاهرة تحفظات على الدور الإيراني السلبي في العديد من القضايا، خصوصا في اليمن ولبنان وسوريا وغيرها، وهي أدوار تحول دون عودة العلاقات بين البلدين لوضعها الطبيعي.
ويرى مراقبون أن عدم استعجال القاهرة في اتخاذ هذه الخطوة، يعود إلى أنها تنتظر نتائج اختبار وتقييم سلوك إيران بعد الاتفاق السعودي – الإيراني، ومعرفة مدى استعداد طهران لتغيير سلوكها بالمنطقة والمساهمة في حل الأزمات مثل القضية اليمنية، التي توصف بالاختبار الحقيقي للاتفاق الموقع في بكين.
ويشير هؤلاء المراقبين إلى أن التوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات مع إيران ليس بالأمر الهين، فقد استغرقت مراحل التوصل للاتفاق السعودي – الإيراني عامين من التفاوض، مشددين على أن التوافق حول بنود الاتفاق ليس عملية سهلة أيضا كي لا يكون اتفاقا هشا يمكن خرقه بسهولة.
ولا يستبعد هؤلاء المراقبين أن يكون ملف المصالحة بين طهران والقاهرة طرح خلال مباحثات السيسي مع سلطان عمان هيثم بن طارق خلال زيارته إلى مصر قبل أيام، وأيضا خلال زيارة سلطان عمان إلى إيران الأحد، والتي استغرقت يومين، مما يعزز التكهنات بشأن دور عماني في تطبيع علاقات مصر وإيران، خاصة أن مسقط تربطها علاقات وثيقة مع إيران وكانت وسيطاً في مراحل تطبيع علاقاتها مع إيران، وكذلك في الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الكبرى الموقع عام 2015.
وأنباء الوساطة العمانية عززها تقرير لصحيفة “ذي ناشيونال” الإماراتية صدر الأربعاء الماضي، نقلت فيه عن مسؤولين مصريين قولهما إن تبادل السفراء بين القاهرة وطهران يتم خلال أشهر على إثر وساطة السلطنة، كما قالا إنه تم الاتفاق من حيث المبدأ على لقاء بين الرئيسين عبدالفتاح السيسي وإبراهيم رئيسي.
كما ذكرت الصحيفة أن مصر وإيران أجرتا جولات من المحادثات في العراق لبحث القضايا العالقة، كان آخرها في وقت سابق من مايو الجاري، ولفت المسؤولون إلى أن تطبيع العلاقات مع إيران يعود لموقف طهران الإيجابي بخصوص جهود القاهرة لإقامة علاقات اقتصادية وتجارية أوثق مع دول مثل العراق وسوريا ولبنان.
وأوضحت المصادر نفسها أن مصر ستسعى أيضا لإقناع إيران بإنهاء دعمها لـ”حماس” و”الجهاد الإسلامي”، أو على الأقل خفض هذا الدعم.
وأشارت إلى أن دبلوماسيين ومسؤولين استخباراتيين من إيران ومصر يعقدون مشاورات مغلقة منذ مارس من أجل تطبيع العلاقات، معتبرة أن هذا الدفء المستجد في العلاقات بين القاهرة وطهران يضيف مستوى جديدا لعملية إعادة الترتيب الإقليمي المستمرة والتي تغيّر المشهد السياسي في منطقة الشرق الأوسط.