مبارك علي
منذ فجر التاريخ، تعيش القبائل والعشائر في مناطق جغرافية محددة ومغلقة وتسعى إلى الحفاظ على لغتها وهويتها وعاداتها التي تشكل ثقافتها الخاصة وتميزها عن الآخرين، وسالفاً، كانت الفكرة وراء الانغلاق على الآخرين هي الحفاظ على نقاء العرق ومنع تلوثه من الاختلاط بالأعراق الأخرى.
اختلفت الآراء والنظريات عبر التاريخ حول ماهية النسل الأنقى والمعيار الذي يحدد أفضلية أمة على أخرى، على سبيل المثال، يقول المؤرخ الروماني تيتيوس ليفيوس (توفي عام 17م) إن عرق القبائل الجرمانية هو الأنقى، وتبنى المفكرون الألمان هذه النظرية في ما بعد في الزمن الحديث.
أما خبراء العلوم الإنسانية، فقسموا الأعراق على أساس اللون، فالمنغوليون والصينيون يعرفون بـ”صفار الجلد”، حتى إن نهر “يانغتسي” يعرف بالنهر الأصفر، أما الآسيويون، فيعرفون باللون البني، والسواد مرتبط بالشعوب الأفريقية، في حين يرتبط البياض بالشعوب الأوروبية.
تم استخدام العلم في العصر الحديث لمعرفة أفضلية الأعراق على بعضها، وذلك من خلال تحليل أدمغة أفراد من شعوب مختلفة وتقرير الأفضل والأسوأ منهم بناء على حجم الدماغ.
وهناك رأي آخر عن أفضلية الأعراق يتعلق بمظهر الإنسان يقول إن صحة وجمال الجسم ضروريان للتفوق العرقي، وفي هذا الصدد قدم العالم الإنجليزي فرانسيس غالتون نظرية تحسين النسل التي تفضي إلى ضرورة تربية الأنواع البشرية على غرار تربية الحيوانات بهدف إنتاج أنواع بشرية أفضل، كما تقوم النظرية أيضاً على عدم تشجيع زيادة البشر ذوي العقول الضعيفة، وكذلك الأعراق الدنيا، حتى يتم القضاء على الصفات السيئة في الجنس البشري.
تاريخياً، نجد أقدم تطبيق لهذه النظرية في ولاية سبارتا اليونانية، حيث كان يقدم المولود أمام مجلس يقرر ما إذا كان الطفل سليماً أو ضعيفاً من الناحية البدنية، وكان يُلقى من أعلى الجبل إذا قرر المجلس أنه ضعيف.
العنصرية حول العالم
النظام الطبقي في الهند وجد من أجل الحفاظ على نقاء عرق “الآريا”، إذ لم يختلط البراهمة مع الأعراق الأخرى للحفاظ على تفوقهم، وفي ألمانيا اجتنبوا إقامة العلاقات مع اليهود والغجر للحفاظ على عرقهم، حتى إنهم ارتكبوا مجازر بحق الآخرين لهذا الغرض، أما في الولايات المتحدة الأميركية، فكان يعيش البيض والأفارقة معاً في الجنوب، فاستعبد الأفراد ذوو البشرة البيضاء الأفريقيين الذين يعيشون معهم وتجنبوا مخالطتهم.
الفرق بين العرق والأمة
هناك فرق بين العرق والأمة، فالأول يتكون من أفراد العرق الواحد الذين يتاورثون ثقافة معينة، أما الأمة، فتشتمل على أعراق مختلفة، ولهذا أخمدت العنصرية بعد ظهور الدولة القومية الحديثة، لكنها ما زالت موجودة، فعلى سبيل المثال يعتبر الأنغلوساكسونيون في أميركا أنفسهم متفوقين على بقية الأعراق ويدعون أنهم من جعلوا الولايات المتحدة دولة مدنية.
العولمة أسهمت أيضاً في العصر الحديث في إضعاف روح العنصرية لأنها عابرة للحدود الجغرافية، ومن مصلحة الرأسمالية (الموازية والمرافقة للعولمة) جعل جميع الأفراد باختلاف أقوامهم وأعراقهم مستهلكين.
العنصرية الحديثة
يبدأ تاريخ العنصرية الحديثة بالاستعمار، إذ استخدمت الشعوب الأوروبية ذات البشرة البيضاء تفوقها العرقي في استعمار الشعوب الآسيوية والأفريقية.
وظهرت فكرة تفوق الشعوب البيضاء من الناحية الثقافية والمدنية على بقية الشعوب عندما تقدمت أوروبا في العلم والتكنولوجيا والمجالات الأخرى، وبناء على هذه الفكرة بنت مستعمراتها في آسيا وأفريقيا مستندة إلى قوتها وتقدمها العسكري وخبرتها التجارية.
في هذا الصدد، عزز المفكرون الأوروبيون فكرة التفوق العرقي بقوة، وسواء كانوا من مفكري فرنسا المنفتحة أو من مؤرخي وفلاسفة بريطانيا، فإنهم كانوا داعمين لتفوق وقوة العرق الأبيض، بل مؤيدين لاحتلال الأقوام الأخرى من قبل الإمبريالية الأوروبية.
العنصرية الأوروبية أخذت أشكالاً متطرفة أحياناً ظهرت في أبشع صورها خلال حكم الفاشية وحاول هتلر فتح أوروبا، وكذلك الروس من نفس المنطلق والشعور.
توجد العنصرية في هذا الجزء من العالم أيضاً حيث نرى أن بعض القبائل والأسر لا تتزوج خارج العشيرة لأنها ترى أن الاختلاط سينهي نقاء العرق والدم الذي يميزهم عن غيرهم، ولا تزال عنصرية العرق قائمة في أذهاننا على رغم التطور الاجتماعي والاقتصادي في العصر الحديث، وعلى رغم أن الحركات السياسية والدينية حثت على الشمولية، إلا أن الأفراد ينطلقون في تصرفاتهم الشخصية من منطلقات مبنية على التفوق أو التأخر العرقي.
نقلاً عن “اندبندنت عربية”