أحمد جمال
خفوت نجم الأحزاب السياسية في مصر وتراجع حضور الجمعيات والمنظمات الحقوقية، يمنحان تحركات النقابات اهتماما غير مسبوق من قبل الرأي العام المصري.
واحتلت النقابات المهنية صدارة المشهد السياسي بمصر الأيام الماضية بفعل تطورات حظيت باهتمام الرأي العام، آخرها أحداث العنف التي وقعت أثناء تجديد الثقة في نقيب المهندسين المحسوب على تيار الاستقلال طارق النبراوي، تزامنا مع خفوت نجم الأحزاب السياسية في الحوار الوطني، وتراجع حضور المنظمات الحقوقية التي تأثرت بإعادة صياغة القوانين المنظمة لعملها.
ودخلت نقابة الصيادلة، الواقعة تحت حراسة قضائية منذ سنوات، على خط الزخم الحاصل في العمل النقابي، وشكل عدد من أعضائها ما يسمى بـ”اتحاد أمل صيادلة مصر” للضغط من أجل إنهاء الحراسة وإجراء انتخابات عامة بها.
وعقد الاتحاد الوليد أول اجتماعاته، السبت، وطالب الحكومة بوضع ملف رفع الحراسة عن نقابة الصيادلة على طاولة اهتمامها، مشددا على أهمية إدراج هذه القضية ضمن النقاشات الدائرة في الحوار الوطني، ومناشدا أعضاء مجلسي النواب والشيوخ (البرلمان) من الصيادلة تقديم طلبات إحاطة لمناقشة قضية رفع الحراسة.
تؤشر تحركات أعضاء الصيادلة على المستوى السياسي، والتي سبقتها تحركات قضائية مماثلة لم يتم البت فيها بعد، على أن نقابة الصيادلة التي تضم أكثر من 300 ألف عضو قد تكون حاضرة في الحراك النقابي الجديد الفترة المقبلة.
يبعث تشكيل تكتل للضغط على السلطة لفك الحراسة برسائل تشير إلى إعادة ما حدث في نقابة المهندسين بصورة مختلفة، حيث لا يزال الغموض مخيما على مستقبل “المهندسين”عقب إفساد الإعلان عن رغبتهم في عدم سحب الثقة من النقيب وتجديد الثقة فيه، وأن “الصيادلة” قد تتعرض لضغوط كبيرة ولن يتم الاستسلام لهم سياسيا.
ينتظر الرأي العام المصري باهتمام نتائج التحقيقات التي يجريها النائب العام في وقائع أعمال شغب وقعت بعد الانتهاء من فرز صناديق الاقتراع في الجمعية العمومية غير العادية لنقابة المهندسين الأسبوع الماضي، ومنع القضاة من إعلان النتيجة.
لم تكن هذه الأحداث وحدها التي جذبت الرأي العام لما يدور داخل النقابات المهنية، فقد شهدت نقابة الصحافيين هزة قوية أرخت بظلالها على الشارع السياسي مع انتخاب النقيب خالد البلشي المحسوب على المعارضة.
كما أن مقر نقابة المحامين كان شاهدا على أول تظاهرة بعد سنوات في منطقة وسط القاهرة ديسمبر الماضي احتجاجا على فرض منظومة الفاتورة الإلكترونية.
ودخلت نقابة الأطباء على خط الخلافات مع الحكومة وكانت مواقفها القوية التي اتخذتها في أثناء انتشار فايروس كورونا إشارة إلى إمكانية أن تلعب دورا بارزا في الدفاع عن حقوق أعضائها، بعيدا عن الدخول في معترك السياسة التي ظلت غائبة عن المشهد العام لصالح القضايا ذات الارتباط بالأوضاع الأمنية والاقتصادية.
وتعكس المواقف التضامنية للنقابات في عدد من الملفات التي واجهت فيها الحكومة مثل ملف الفاتورة الإلكترونية أو ما جرى أخيرا عبر حالة نادرة من التضامن مع ما شهدته نقابة المهندسين من أحداث، بعد أن وجهت اتهامات لحزب مستقبل وطن صاحب الأغلبية في البرلمان والظهير السياسي للحكومة بإفساد المشهد الديمقراطي، أن النقابات أخذت تستعيد قدرا كبيرا من فعاليتها السياسية.
قالت الكاتبة أمينة النقاش إن الزخم الحالي للنقابات ينبع من لجوء قطاعات كبيرة من المواطنين إليها لحمياتهم اجتماعيا جرّاء أزمات الغلاء الفاحش والأزمة الاقتصادية العميقة، وهو ما يظهر في استعادة العلاقة بين النقابات وأعضائها، وما ساعد على ذلك أن شريحة كبيرة من المواطنين لا تقبل على الأحزاب وغير معتادة على ممارسة السياسة داخلها بسبب التدمير الذي تعرضت له لسنوات طويلة.
وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن المجتمع المصري لم يمنح ثقته للمنظمات الحقوقية التي ارتبطت ذهنيا بحصولها على تمويل أجنبي واتهام جهات رسمية لها بالسعي لخدمة أجندات خارجية، ليست وطنية، وبدا الحس الشعبي التلقائي ظاهرا في اتجاهات المصريين من مواقفها، خاصة وأن بعضها عمد إلى اتخاذ مواقف تدعم استمرار حالة الفوضى التي سادت عقب ثورة يناير 2011.
ولفتت إلى أن زخم النقابات الحالي أمر طبيعي في مجتمع يبحث عن الحماية الاجتماعية وتقديم الخدمات وليست لديه رغبة في ممارسة السياسة، وأن رفع شعارات خلع الرداء الحزبي داخل النقابة مع إنهاء سيطرة تنظيم الإخوان عليها جعلا شريحة من الأعضاء أكثر ثقة في أنهم أمام مؤسسات تحافظ على مصالحهم.
وتشير حالة الحشد المتزايدة في انتخابات بعض النقابات إلى رغبة داخلية في التعبير عن الرأي والخروج من الضغط المستمر بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة بحثا عن التغيير، ولدى الكثيرين ثقة في أن صندوق الاقتراع يعكس رغبتهم وأصواتهم الحقيقية، وتظل انتخابات النقابات على رأس الاقتراعات التي يُشهد لها بالنزاهة والشفافية وصعوبة تزوير إرادة الناخبين.
يعد التفاعل بين الأعضاء ومجالس النقابات المنتخبة إحدى أبرز صور الزخم الحاصل حاليا، وأن قدرة بعض النقابات على تقديم خدمات جيدة للأعضاء بعد الإطاحة بتنظيم الإخوان من السلطة وإنهاء هيمنة الجماعة على النقابات، يمكن اعتبارها محفزا لحفاظ الأعضاء على المكتسبات التي تحققت، والتعويل عليها لتكون قاطرة تقود المجتمع المدني، ويمكن أن تؤثر على حضوره في المشهد العام، إيجابا أو سلبا.
أكد عضو مجلس النواب إيهاب منصور لـ”العرب” أن انتخابات مجالس النقابات كانت شاهدة على عودة فئة من المواطنين لممارسة السياسة، وسمحت لعناصر شبابية اتخذت مواقف بمقاطعة العمل العام بالعودة التدريجية إليه، وتعبر عن نفسها وبرامجها المستقبلية، ما يمكن أن ينعكس بالقدر ذاته على المشاركة السياسية في الاقتراعات الأخرى مع التجهيز لعودة انتخابات المجالس المحلية المتجمدة قريبا.
وأوضح أن النقابات تضم الملايين من الأعضاء وتلعب دورا في تحسين جوانب الحياة لدى شريحة كبيرة من المواطنين بسبب ما تقدمه بشكل مستمر من مزايا مادية متنوعة، وباتت مؤهلة لخلق حالة من الحراك السياسي، شريطة أن لا تتعرض لما يوقف مسيرتها أو يؤثر عليها، مثلما الحال مع نقابة المهندسين أخيرا، ويظل تعامل الحكومة والجهات القضائية مع ما جرى حاسما بشأن إتاحة المزيد من الفرص أمام النقابات لتكون معبرة عن المجتمع المدني بتنويعاته السياسية.
ويخشى مراقبون من أن تكون أحداث نقابة المهندسين مقدمة لإغراق النقابات في أزمات داخلية تقودهها لتصبح مرتعا لممارسة السياسة وتحقيق المصالح الحزبية، وتكرار الصراع بين الحزب الوطني المنحل في حقبة الرئيس الأسبق حسني مبارك وتنظيم الإخوان، وانتهي الأمر في حينه بهيمنة الجماعة على النقابات وعلى المجتمع المدني، وكانت النتيجة انسدادا سياسيا لا تزال الدولة المصرية تدفع ثمنا باهظا له.
المصدر العرب اللندنية