كريتر نت – متابعات
يتوجه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى السعودية اليوم الثلاثاء في زيارة تهدف إلى توطيد العلاقات بين البلدين بعد سنوات من خلافات عميقة بسبب قضايا تتراوح من إيران والأمن الإقليمي إلى أسعار النفط، لكن يعتقد أن الهدف الأهم هو التصدي للنفوذ الصيني المتزايد في المنطقة.
ومن المتوقع أن يلتقي بلينكن خلال زيارته للعاصمة الرياض ومدينة جدة الساحلية بمسؤولين سعوديين كبار وربما بولي العهد الأمير محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للمملكة.
وتعكس زيارة بلينكن إلى السعودية وقبلها زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان في السابع من مايو الماضي إلى الرياض والتي التقى خلالها بولي العهد السعودي، رغبة أميركية في طي صفحة التوتر مع المملكة.
وتأتى زيارة بلينكن التي تستمر من السادس إلى الثامن من يونيو لأكبر مُصدر للنفط في العالم بعد أيام من تعهد الرياض بخفض إنتاجها النفطي بصورة أكبر، في خطوة تعاطت معها الإدارة الأميركية بكل هدوء على خلاف المرات السابقة التي لفتت وكالة “بلومبرغ” الأميركية الوكالة إلى أنّ ذلك يُعدّ تغيرا واضحا في ما سمّته “خطاب الحقد”، الذي تصاعد في أكتوبر الماضي، وذلك عندما قررت منظمة “أوبك+”، بقيادة السعودية وروسيا، خفض إنتاج النفط، ما أدى إلى حدوث ارتفاع في أسعاره قبل شهر من انتخابات منتصف المدة في الولايات المتحدة، والتي كان التضخم قضيةً رئيسية للنقاش المحتدم فيها.
وصرّح رئيس مجموعة “رابيدان” للطاقة، والمسؤول السابق في البيت الأبيض، بوب مكنالي، بأنّه لا يعتقد أنّ إدارة بايدن تريد العودة إلى الحرب الكلامية التي جرت في أكتوبر الماضي، وأنّها ستحاول التقليل من أهمية قرار “أوبك+” خفض إنتاجها.
ومن بين أهداف الزيارة إعادة التفاهم مع الرياض بشأن أسعار النفط والتصدي للنفوذ الصيني والروسي في المنطقة وتعزيز الآمال في تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية في نهاية المطاف.
وقال بلينكن أمام لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك) المؤيدة لإسرائيل الاثنين إن لواشنطن “مصلحة حقيقية تتعلق بأمنها القومي” في الدعوة لتطبيع العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والسعودية، لكنه أشار إلى أن ذلك لن يحدث بسرعة.
وقال ريتشارد غولدبرغ، كبير المستشارين في مؤسسة (الدفاع عن الديمقراطيات) البحثية ومقرها واشنطن، إن إثناء الرياض عن تعزيز علاقاتها مع الصين ربما يكون الجانب الأكثر أهمية في زيارة بلينكن.
وأضاف أنه سيتعين على بلينكن أن يوضح “لماذا لا تتوافق المصالح الصينية مع السعودية، وكيف سيعوق التقارب في العلاقات بطريقة استراتيجية (مع بكين) العلاقات الوثيقة مع واشنطن”.
وأشارت وكالة “بلومبرغ” إلى المخاوف الأميركية بشأن مشاركة الصين في البرنامج النووي للمملكة، الخاص برؤية “2030” الاقتصادية، يمكن أن تدفع واشنطن إلى إيجاد حل وسط مع الرياض، وفقاً لما ذكرته الباحثة الأولى في مركز سياسة الطاقة العالمية في جامعة كولومبيا الأميركية، كارين يونغ.
وشاركت السعودية ضمن مجموعة من الدول “الصديقة” في لقاء قمة تكتل بريكس المنعقد في كيب تاون، والذي درس سبل توسيع التكتل. ويقول المتابعون إن واشنطن بالتأكيد لن تكون سعيدة بانضمام شركاء لها في المنطقة وفي مقدمتهم السعودية إلى بريكس، حيث تعتبر الولايات المتحدة أن هذا التكتل يشكل تحديا كبيرا يستهدف تقويض النظام العالمي الذي تتزعمه.
وقالت الخارجية الأميركية في بيان الجمعة إن زيارة بلينكن إلى السعودية ستتضمن “مناقشة التعاون الاستراتيجي الأميركي – السعودي في القضايا الإقليمية والعالمية ومجموعة من القضايا الثنائية، بما في ذلك التعاون الاقتصادي والأمني”.
وأشارت الوزارة إلى أن “بلينكن سيشارك في السابع من يونيو باجتماع وزاري لمجلس التعاون الخليجي – الأميركي لمناقشة تعزيز الأمن والاستقرار وخفض التصعيد والتكامل الإقليمي والفرص الاقتصادية في جميع أنحاء الشرق الأوسط”. وتابعت أن بلينكن “سيستضيف كذلك، في الثامن من يونيو، اجتماعا وزاريا للتحالف الدولي لهزيمة ‘داعش’ مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان في الرياض”.
وقالت الوزارة إن الاجتماع يهدف إلى “تسليط الضوء على الدور الحاسم الذي يلعبه التحالف الدولي لمواجهة التهديد المستمر لتنظيم ‘داعش’ وإعادة التأكيد على الالتزام بضمان هزيمته الدائمة”.
وأكد البيت الأبيض أن “السعودية شريك إستراتيجي مهم للولايات المتحدة”، وشدد على أهمية أن “نركز على المستقبل ونمضي بالعلاقات قدما”، وفق ما نقلته رويترز.
وشهدت العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية فتورا منذ تولي إدارة جو بايدن مهامها، مطلع عام 2021، بعد أن وصف الرئيس الأميركي السعودية بأنها “دولة منبوذة” على خلفية مقتل الصحافي جمال خاشقجي.
وأعطت زيارة بايدن للمملكة، في يوليو الماضي، انطباعا بإمكانية تبدد هذا الفتور، لكن الأمور بينهما سرعان ما انتكست في أكتوبر الماضي، حينما قررت السعودية ضمن تحالف أوبك+ خفض إنتاج النفط، في خطوة استفزت واشنطن التي اعتبرتها دعما لروسيا في حربها في أوكرانيا، وهو ما نفته الرياض بشدة.
وذهب البيت الأبيض حينها حد الحديث عن “إعادة تقييم” العلاقات مع الرياض، ملوحا بورقة نوبك، لكن تلك التهديدات لم تحقق أي تغيير في الموقف السعودي، بل على العكس تماما فقد مضت الرياض قدما في تعزيز علاقتها مع روسيا وبخاصة الصين.
ويقول متابعون إن إدارة بايدن وصلت إلى قناعة بأن ممارسة المزيد من الضغوط على السعودية تأتي بنتائج عكسية يستفيد منها خصومها، وبالتالي عليها تغيير مقاربتها في التعاطي مع المملكة.
وسعت الرياض حثيثا لتعزيز نفوذها الإقليمي وأصبحت أقل اهتماما بالتوافق مع الأولويات الأميركية في المنطقة.
وكان أحدث مثال على ذلك عندما رحب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بحرارة بالرئيس السوري بشار الأسد خلال القمة العربية في مايو، والتي شهدت عودة سوريا إلى الجامعة العربية بعد عقد من تعليق عضويتها، وهي خطوة قالت واشنطن إنها لا تدعمها ولا تشجعها.
وتضخ المملكة مئات المليارات من الدولارات من أجل تقليل اعتماد اقتصادها على النفط، ضمن رؤية 2030 التي أطلقها ولي العهد السعودي عام 2016، والتي تهدف إلى الارتقاء بمستقبل المملكة مع التركيز على الاستدامة كمحور أساسي في التخطيط وتأسيس البنية التحتية وتطوير السياسات والاستثمار.
وقال مسؤولون أميركيون في إفادة للصحفيين بشأن الزيارة الأسبوع الماضي إن هناك “حوارا مستمرا بشأن تعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية” مع السعودية، لكنهم رفضوا الإفصاح عما إذا كان بلينكن سيطلب أي ضمانات من مسؤولي السعودية بهذا الشأن.