كريتر نت – متابعات
كشفت التصريحات الصادرة عن المجلس الرئاسي والحكومة في اللقاءات المكثفة مع السفراء والمسئولين الغربيين خلال الأيام الماضية، عن استفحال الأزمة المالية التي تواجهها الحكومة الناتجة عن توقف تصدير النفط الخام بسبب هجمات مليشيات الحوثي على موانئ التصدير.
وبحسب البيانات الرسمية، تمثل عائدات النفط أكثر من ثلثي الإيرادات بالموازنة العامة للحكومة، وهو ما يهدد قدرتها على الوفاء بالتزاماتها الضرورية تجاه المواطنين بالمناطق المحررة، أهمها المرتبات وقطاع الخدمات.
ويأتي في صدارة هذه الخدمات ملف الكهرباء، والذي بات يشكّل الهم الأكبر للحكومة. بحسب تعبير محافظ العاصمة عدن أحمد لملس، خلال لقائه، الإثنين، في قصر معاشيق ستيفن فاجن سفير الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أشار المحافظ بأن وقود محطات التوليد يُكلّف الدولة في المناطق المحررة نحو 60 مليون دولار شهريا.
وبالنظر إلى الأزمة المالية التي تواجهها الحكومة حالياً يشكل هذا الرقم مبلغا ضخماً في ظل عدم تجديد منحة الوقود من قبل السعودية والتي كانت توفر على الحكومة نحو 75% من تكلفة الوقود مقارنة بالسعر العالمي، وعبر لملس عن أمله في أن تثمر التحركات الحكومية في حث الأشقاء في المملكة العربية السعودية على استئناف منحة الوقود.
لملس أشار في حديثه للسفير الأمريكي، عن وجود جهود تُبذل للانتقال نحو الطاقة النظيفة والمتجددة والمستدامة والاستغناء عن محطات الديزل المُكلفة، من خلال إنشاء محطة الطاقة الشمسية بقدرة 120 ميجاوات والمقدمة من الأشقاء في دولة الإمارات، وهو ما أوصت به دراسة اقتصادية جديدة، حول ملف الطاقة في اليمن.
الدراسة التي جاءت تحت عنوان “توسيع نطاق استثمارات الطاقة الشمسية في اليمن”، أشارت إلى الأسعار التي سجلتها كل من السعودية والإمارات في تكلفة إنتاج الكهرباء عبر الطاقة الشمسية “الكهروضوئية”، بسعر 1,04 سنت لكل کیلووات/ساعة و1.35 سنتاً لكل کیلووات/ساعة على التوالي، مقارنة بما تدفعه الحكومة الشرعية لإنتاج الكهرباء بوقود الديزل والذي تصل تكلفته لأكثر من 25 سنتاً لكل کیلووات/ساعة.
وتعاني المناطق المحررة وبخاصة العاصمة عدن في كل عام، من أزمة حادة في الكهرباء، في فصل الصيف جراء ارتفاع حجم الطلب الذي تجاوز هذا العام في عدن 650 ميجاوات مقارنة بحجم التوليد المحدود والذي يتراوح ما بين 200- 300 ميجاوات في حالة توفر الوقود.
أهم أسباب هذه الأزمة بحسب وزير الكهرباء مانع بن يمين هو عدم انتظام وصول الوقود لمحطات التوليد بشكل مستمر إلى جانب تجاوز معظم محطات توليد الكهرباء للساعات التشغيلية المفترضة في الوقت الذي لا تخضع فيه للصيانة الدورية المنتظمة، بالإضافة إلى جملة من العوامل الأخرى ومنها رداءة شبكات التوزيع.
وقال الوزير بن يمين خلال لقائه، الاثنين، بوزير الخدمة المدنية لمناقشة إوضاع الموظفين والكادر الوظيفي، إن أزمة الكهرباء ترجع في الأخير إلى توقف البرنامج الاستثماري للدولة منذ أكثر من عشر سنوات، ناهيك عن تراجع موارد الدولة خصوصا في الستة الأشهر الأخيرة.
وبعيداً عن ما يقوله وزير الكهرباء، فإن أزمة الكهرباء في عدن تكشف حجم الفساد والعبث الذي تعاملت به حكومات الشرعية المتعاقبة منذ تحرير المدينة قبل 8 سنوات، باللجوء إلى “الطاقة المشتراة” عبر مولدات تعمل بالديزل وهو الوقود الأعلى تكلفة، بدلا من التوجه نحو الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية / الرياح، أو إنشاء محطات كهربائية تعمل بوقود أقل تكلفة كالغاز مع إهمال صيانة المحطات الحكومية العاملة بوقود المازوت أو النفط الخام الأقل تكلفة مقارنة بالديزل.
حيث تسبب الفساد والعبث في مشروع تأهيل محطة الحسوة البخارية العاملة بوقود المازوت عام 2017م في منع استعادة توليد المحطة بقوتها الكاملة 130ميجاوات، وإبقائها على توليدها الحالي الذي لا يتجاوز 45 ميجا، في حين ظلت المحطة الغازية القطرية البالغ قوتها 60 ميجاوات متوقفة عن العمل لسنوات دون إصلاحها إلى أن تدخلت قطر مؤخراً وتكفلت بإصلاحها، حيث تم شحن توربينات المحطة الأسبوع الماضي إلى هولندا لإصلاحها على نفقة صندوق قطر للتنمية.
وتظل محطة الرئيس أو محطة “بترومسيلة” أبرز شاهد على هذا العبث، فلا تزال المحطة العاملة بوقود النفط الخام / الغاز منذ عامين تعمل بشكل جزئي (90 ميجاوات) من أصل 264 ميجاوات، جراء عدم استكمال مشروع تصريف الطاقة وهو ما يمنع إدخالها بكامل قوتها إلى الخدمة بسبب مماطلة الحكومة في دفع التكاليف.