أحمد حافظ
لم تعد كرة القدم لعبة تدعم فرقها الحكومة لإمتاع الجماهير وأغراض سياسية أخرى، بل أصبحت رياضة استعراض واستثمار بعد أن تبنت الشركات فرق اللعبة الأكثر شعبية في العالم وصارت لهذه الفرق أصول في البورصات، وبعد أن أثقلت الفرق المصرية كاهل الحكومة جراء الدعم طُرحت مقترحات برلمانية في مصر بشأن ضرورة العمل على خصخصة الأندية الرياضية.
وعكست مقترحات برلمانية في مصر بشأن ضرورة العمل على خصخصة الأندية الرياضية حجم قناعة الحكومة بهذا التوجه الذي يبدو شبيها بتعامل السعودية مع ملف الاستثمار الرياضي أخيرا، وهدفه تحويل بعض الأندية إلى شركات مساهمة.
ويدرس البرلمان المصري مقترحات تقدم بها نواب دعت إلى ضرورة خصخصة الأندية الرياضية لزيادة مساهمتها في الاقتصاد القومي من خلال جلب مكاسب مالية تغنيها عن الدعم من الدولة بعد أن أصبحت تمثل عبئا على الموازنة العامة لها.
وتدعم وزارة الرياضة المصرية العديد من الأندية بمبالغ مالية كبيرة، ويتصارع بعضها للحصول على نسبة أكبر من كعكة الدعم، وهو توجه لم تعد الحكومة ترغب فيه وتريد أن تخطو نحو تطبيق تجارب دولية وعربية ناجحة في مجال الاستثمار الرياضي.
ويرى نواب مصريون أن مساهمة الأندية في بناء الاقتصاد الوطني عملية ملحة باعتبار أن الرياضة من ركائز تنويع الاقتصاد، وخصخصة الأندية وخروجها من تحت عباءة المؤسسات العامة إلى مظلة استثمارية تجذب المستثمرين وتخفف عبء الدعم.
ولدى مصر أكثر من ألف نادِ رياضي منها عدد قليل يتبع شركات ومؤسسات خاصة، بينما تبلغ نسبة الأندية المملوكة للدولة نحو 80 في المئة ويتم دعمها من جانبها، وبعضها إيراداتها هزيلة وتعمها فوضى إدارية مقارنة بالأندية الخاصة.
ويبني مؤيدو خصخصة الأندية رؤيتهم على منافع اقتصادية بحتة، ويستندون على تجارب عديدة في دول مختلفة لإقناع الحكومة والرأي العام بالفكرة.
تجارب ناجحة
شهدت الرياضة المصرية في السنوات الماضية وجود تجارب ناجحة لأندية خاصة حققت مكاسب ونتائج إيجابية في رياضات متباينة تحت مسمى “أندية الشركات”، أهمها كرة القدم، حيث صعدت فرق كالبنك الأهلي، سيراميكا كليوباترا، فاركو، الشرقية للدخان، فيوتشر وبيراميدز إلى الدوري الممتاز، وبعضها ينافس للفوز والتتويج.
وهذه ليست المرة الأولى التي يُطرح فيها ملف خصخصة الأندية الرياضية على طاولة النقاش الحكومي، إذ كان نظام الرئيس الراحل حسني مبارك يدرس تطبيق الفكرة لتحويل كل الأندية إلى كيانات تمول نفسها ذاتيا بدلا من اعتمادها على خزانة الدولة.
وأعلن المجلس القومي للرياضة عام 2006 تطبيق الخصخصة في القطاع الرياضي من خلال تحويل النادي إلى شقين، أحدهما رياضي مستقل بذاته وتعتمد موارده على اشتراكات الأعضاء ورسوم الأنشطة الأخرى المختلفة، والآخر للنادي ويكون رياضيا ويتم تقييم أصوله من ملاعبه ولاعبيه وجماهيريته وبطولاته عن طريق خبراء ومتخصصين، ثم يُطرح النادي في بورصة الأوراق المالية ليصبح أصحاب الأسهم جمعية عمومية تختار مجلس الإدارة من بين أعضائها بنظام الشركات المساهمة.
تمرير الحكومة لرؤيتها بشأن خصخصة الأندية تقتضي أن تنطلق بشكل تدريجي من خلال البدء ببعض الأندية الشعبية
ويرى مراقبون أن الأفكار البرلمانية المطروحة بشأن خصخصة الأندية الرياضية قريبة من تلك التي كان يجري التفكير في تطبيقها سابقا وتتطابق ضمنيا مع خطة السعودية التي تسعى لتنفيذها بوتيرة سريعة تتناسب مع رؤية المملكة 2030، لكن تظل المعضلة في تدني الوعي المجتمعي والثقافي لدى فئة من الجماهير بمصر.
ويبني هؤلاء المراقبون رؤيتهم على أن دعم تنسيقية شباب الأحزاب – وهو تكتل سياسي يتكون من أحزاب مختلفة وقريب من السلطة – لفكرة خصخصة الأندية يعني أن التنفيذ مسألة وقت، لأن هذا المقترح لا تجري مناقشته بلا تنسيق مع السلطة.
وقال عدد من نواب تنسيقية شباب الأحزاب إن ما تفعله السعودية في ملف الاستثمار الرياضي حان تطبيقه في مصر لتصبح كل الأندية استثمارية، وتقوم على صناعة حقيقية تجذب المزيد من المستثمرين في ظل ضغوط اقتصادية تتعرض لها الدولة.
ويرتبط الشق السياسي، والذي دفع نوابا مقربين من السلطة داخل البرلمان إلى تأييد الاستثمار في الأندية الرياضية، بضغط جماهير الأندية الشعبية على الحكومة لعدم هبوط فريق كروي بعينه إلى الدرجة الأدنى من الدوري، أو الرغبة في الحصول على مزيد من الدعم لإنقاذ ناد آخر من الإفلاس ومساعدته على شراء لاعبين محترفين.
وتتوافر للاستثمار الرياضي في مصر العديد من المزايا التي تؤهله للنجاح، لكن العبرة في وجود جرأة رسمية على طرح الفكرة للنقاش مباشرة على مستوى الجمهور والإعلام والبرلمان والأندية نفسها لإزالة المخاوف المرتبطة بمصطلح الخصخصة.
مفاهيم شعبية خاطئة
قال الناقد الرياضي خالد عبدالمنعم “هناك مفهوم شعبي خاطئ للخصخصة في مصر، وهذا تحدّ كبير لا يجب الاستسلام له أمام عقليات رافضة لتحويل الأندية إلى شركات مساهمة، لأن استمرار تبعية الأندية للدولة يفضي إلى خسائر مالية ورياضية”.
وأضاف لـ”العرب” أن الخصخصة تحافظ على الأندية ولا تعني بيع الأصول، بدليل أن النادي الأهلي المصري أسس شركة استثمارية لكرة القدم ولم يتم بيع الفريق، وحقق نتائج جيدة ماليا ورياضيا ووصل إلى المشاركة في بطولات عالمية، وهذا تفكير احترافي يجب أن يطبق على كل الأندية، لأن هناك فرقا تعاني الإفلاس وتعتمد فقط على دعمها من بعض رجال الأعمال المحبين للفريق.
وتخلو الساحة الرياضية المصرية من وجود بنية تشريعية مرنة تساعد على التوسع في إنشاء أندية الشركات الخاصة أو عبر شركات مساهمة، ما انعكس بشكل سلبي على ضعف التنافس بين الأندية، وبات الأمر مقتصرا على الفرق الكبرى.
وهذا الأمر غير موجود في السعودية التي صارت نموذجا يستخدمه المطالبون بخصخصة الأندية في مصر لإقناع دوائر صناعة القرار والجماهير بحتمية تطبيق الفكرة، لاسيما وأن الرياض أطلقت مؤخرا مشروع الاستثمار في الأندية لتطوير كرة القدم وليكون الدوري السعودي لاحقا ضمن قائمة أفضل عشرة دوريات في العالم.
التجربة السعودية
أطلق ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان المشروع بعد اكتمال الإجراءات التنفيذية للمرحلة الأولى، ويستهدف بناء قطاع رياضي فعال عبر تحفيز القطاع الخاص وتمكينه للمساهمة في تنمية القطاع الرياضي بما يحقق التميز المنشود للمنتخبات الوطنية والأندية الرياضية والممارسين على الأصعدة كافة.
ويعمل المشروع على مسارين في مرحلته الحالية، الأولى تتعلق بالموافقة على استثمار شركات كبرى وجهات تطوير تنموية في أندية رياضية مقابل نقل ملكية الأندية إليها، والثاني طرح عدد من الأندية للخصخصة نهاية العام الجاري لإيجاد فرص نوعية وبيئة جاذبة للاستثمار في القطاع الرياضي لتحقيق اقتصادٍ رياضي مستدام، ورفع مستوى الاحتراف في الأندية الرياضية، وزيادة القيمة السوقية للدوري السعودي.
وما يدفع الحكومة المصرية للتماهي مع الخصخصة السعودية للأندية أنها لم تعد أيضا تتحمل الاتهامات التي تطالها طوال الوقت بأنها تدعم فرقا بعينها لأسباب أمنية وسياسية، مع أنها لو فتحت الباب أمام الاستثمار الرياضي وسهلت مهمة نقل الأندية من كونها تابعة للدولة إلى خاصة، لن تتعرض السلطة لاتهامات قاسية أو تجد نفسها محاصرة بابتزاز من جانب أطراف تعمل في المنظومة الرياضية.
منافسات ساخنة
أكثر من ألف ناد رياضي قليل منها يتبع شركات ومؤسسات خاصة بينما تبلغ نسبة الأندية المملوكة للدولة نحو 80 في المئة
تخطى التنافس الرياضي بين الزمالك والأهلي في مصر المستوى المسموح به، وتسربت السياسة إلى هتافات الجمهور وبعض نجوم الناديين، إذ يردد كلاهما أن الفريق المنافس يمثل حزب الحكومة ويحصل على دعم مطلق من اتحاد الكرة والحكام والإعلام الرسمي، وهي معضلة تؤرق السلطة بما يجبرها على التخلص من عبء الأندية وخصخصتها، والحصول على عوائد مادية إذا دخل المجال مستثمرون عرب.
وقاد الإيحاء الجماهيري بأن النادي الذي يشجعونه ولو كان بلا شعبية كبيرة لتعرض لضغوط تستهدف إفشاله لحساب فريق آخر إلى أن تجد الحكومة نفسها في مواجهة مع كيانات حزبية بجماهير متعصبة ومتمردة، بغض النظر عن كونها مؤيدة أو معارضة لتوجهات الحكومة، لكنها خارج دائرة السيطرة، ما يغري الحكومة بأن تتخلص تدريجيا من هذا العبء لتصبح هناك منافسة بين كيانات رياضية استثمارية تتنافس بدلا من أن تتصارع.
وتصطدم الحكومة بالثقافة العامة السائدة لدى جموع غفيرة من المشجعين وبوجود نوع من الحساسية وعدم الارتياح عند التطرق إلى الخصخصة، لأنها غالبا ما تكون مرتبطة ببيع جزء من تاريخ البلاد، مثل بيع أصول تاريخية وحيوية مملوكة للدولة، لكن ذلك لا ينفصل عن فساد شاب بيع القطاع العام في التسعينات من القرن الماضي، فترك انطباعات سلبية حول عمليات البيع عموما، وجعل الخصخصة كلمة مشبوهة.
ويفتقد البعض من المسؤولين عن ملف الرياضة في مصر إلى الحد الأدنى من الحنكة السياسية إذا أرادوا مناقشة الجمهور في مزايا ومبررات خصخصة الأندية، مع أنهم قد يستثمرون النجاحات التي حققتها دول محيطة في شأن الاستثمار الرياضي، فالجمهور المصري أصبح معجبا بالتجربة السعودية في مجال كرة القدم، لكن لم يخاطبه المسؤولون المحليون بطريقة أن “المملكة نجحت بخصخصة الأندية”.
ثوابت جامدة
ظهرت أول تجربة مصرية ناجحة في طرح ناد مصري في البورصة منذ حوالي أربع سنوات، حيث تم تأسيس شركة مساهمة خاصة برياضة كرة القدم وتم منحها حق استغلال اسم نادي غزل المحلة والملعب المملوك له لمدة 15 عاما بحق الانتفاع، على أن يتم طرح جزء من أسهم رأس المال على مستثمر متخصص في المجال الرياضي، ونجح النادي في الصعود إلى دوري المحترفين ومنافسة الفرق الكبرى.
أما الوضع الحالي بالنسبة إلى الأندية الجماهيرية مثل الأهلي، فقد يكون صعبا تقبل فكرة البيع أو الخصخصة مهما كانت المبررات، كون شعاراتها تتعارض مع الفكرة، مثل عبارات “الأهلي الخط الأحمر”، “الأهل فوق الجميع”، “الأهلي أمن قومي”، إلى درجة أن بعض النقاد من المؤيدين له وعدد من النجوم الذين لعبوا باسمه ما زالوا يرددون أن تماسك الأهلي لا يقل أهمية عن تماسك المؤسسات السيادية في الدولة.
وأكد الناقد الرياضي وعضو اللجنة البرلمانية التي تناقش تعديلات قانون الرياضة ياسر أيوب أن مصر بحاجة ملحة إلى قانون يستهدف تفعيل الاستثمار الرياضي وتوفير المناخ الملائم لهذا المجال وتسهيل الإجراءات المتعلقة بمشروعات الطرح الاستثماري لجذب رجال الأعمال، لافتا إلى أن الكثير من الجماهير تفتقر إلى ثقافة تقبل الاستثمار الرياضي، لكنها أصبحت صناعة مطلوب دعمها.
وأوضح لـ”العرب” أن الأندية الأوروبية الكبيرة تديرها شركات عالمية متخصصة في الإدارة والتسويق، وناجحة في كل المجالات، من هنا يجب مخاطبة الجمهور بطريقة عصرية، مع حتمية أن تكون هناك ضوابط ومعايير صارمة لاستثمار شغف المشجع المصري بكرة القدم، فلن يمانع أن يكون الدوري المحلي قوي وبه صفقات ضخمة تساعد فريقه على المنافسة والاحتكاك بفرق كبرى بما ينعكس على الدولة.
وأشار إلى أن عقلية المشجع المصري لن تتقبل فكرة خصخصة الأندية أو تحويلها إلى شركات مساهمة بسهولة، والمعضلة الأكبر في عقلية الكثير من قيادات ونجوم الأندية، فبعضهم يستفيد من الوضع القائم، وتغييره ليكون احترافيا قد يقصيهم من المشهد، لكن الحكومة المصرية ترغب بجدية في خصخصة الأندية بلا صدام مع الجمهور، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه لن تتقدم الكرة المصرية.
ويقتضي تمرير الحكومة لرؤيتها بشأن خصخصة الأندية أن تنطلق بشكل تدريجي من خلال البدء ببعض الأندية الشعبية، مثل الاتحاد والمصري والإسماعيلي، لأنها تعاني أزمات مالية وإدارية تتطلب وضعها على طريق الاستثمار بشكل احترافي يغري أندية أخرى على تبني المنهج نفسه في هدوء، على ألا يتم بيع أصول النادي، والتي يمكن أن تغضب الجمهور وتشكك في نوايا الخصخصة المصرية.
المصدر العرب اللندنية