كتب أ/ عادل الزريقي
لا يمكن أن يتحقق ويستتب الأمن في أي مجتمع من المجتمعات ، بما فيه المجتمع اليمني عن طريق رجل الأمن بمفرده ، وبمعزل عن المواطن فالعلاقة تكاملية فيما بينهما بل المواطن هو الأقرب لمرتكب الجريمة لكونه أكثر احتكاكا في مكونات وتفاصيل بيئته المحيطة ومتعايش معها بصفة دائمة وأكثر معرفة بخصائص أعضائها وبالعلاقات السائدة بين أهله وجيرانه وأصدقائه وأبناء حارته أو قريته ، لذلك نجد أن قانون الإجراءات الجزائية اليمني في أكثر من مادة منه شجع المواطن على التبليغ عن أي اعمال جنائية يكون قد علم بها من خلال تقديمه تسهيلات لأي مواطن أن يبلغ أجهزة الضبط القضائي عن أي عمل جنائي ، بطريقة شفهية ، وبدون اي تعقيدات وبدون تعرضه لأي أذى أو مضايقة ، بل حظي بالحماية من قبل الدولة سواء كانت تلك الجريمة أو العمل الجنائي الذي بلغ عنه يخصه أو يرتبط بمصلحته الشخصية أو لا يرتبط به ، وبدورها النيابة بعد ذلك البلاغ تتحرك من تلقاء نفسها لمباشرة اعمال التحقيق والكشف عن الجاني واتخاذ ضده الإجراءات القانونية اللازمة حتى ينال جزاؤه القضائي الرادع ويكون عبرة وعضة لغيره ممن تسول لهم أنفسهم الانحراف وارتكاب اعمال جنائية .
فالمشرع القانوني أدرك بأن الاستتباب الأمني لن يتحقق على الوجه المطلوب إلا بتكامل المواطن مع رجل الأمن وشعور كلا منهما بمسؤوليته الدينية و الوطنية والاجتماعية .
ومن هنا يبرز التساؤل الذي مفاده ، متى المواطن يتقاعس عن التبليغ ؟! ومتى يتفاعل مع ذلك فيقوم بالدور الإيجابي المطلوب منه إزاء وقوع أي عمل جنائي؟! .
طبعا إجابة الشق الأول من السؤال ، متى ما وجد المواطن أثناء أو بعد بلاغه عن أي عمل جنائي اي إهانة أو احتجاز أو جرجرة او سوء معاملة من قبل أجهزة الضبط القضائي أو عدم قيام تلك الأجهزة بدفع عنه أي مكروه أو ضرر محتمل قد يقابله من القائمين بالعمل الجنائي أو من أقاربه فإنه في هذه الحالة سيتقاعس عن التبليغ وسيكون لسان حاله يقول : خليهم على عماهم واعمل من نفسك وكأنك يا ابو زيد ما شفت ولا رأيت ، لتجنيب نفسه اي مكروه قادم بسبب ضعف الدولة وعدم اهتمامها وجهلها لمثل هذه الاشياء .
أما الإجابة على الشق الآخر من السؤال المذكور أعلاه فهي عكس ما ذكر في إجابة الشق الأول من السؤال ، ضف إلى ذلك إتجاه الدولة وبالذات المسؤولين عن الأجهزة الأمنية في البلاد بداية من وزير الداخلية ونزولا إلى مدراء أقسام الشرطة ومدراء أمن المديريات نحو توطيد العلاقة مابين رجل الأمن والمواطن عن طريق تثقيف وتوعية رجل الأمن بمهامه وبالهدف الذي وجد من أجله ، وهو حماية المواطن والحفاظ على حقوقه المادية والمعنوية كالدم و العرض و المال أو عدم إيذائه جسديا ، وحماية كرامته وشرفه ، سواء في الحجز الاحتياطي أو السجن أو في النقاط الأمنية التي كثرت في بلادنا في هذه الأيام او في اي مكان آخر يتواجد فيها رجل الأمن أو الشرطة ، ولن يتأتى ذلك إلا بتكثيف التوعية لرجل الأمن وتثقيفه ثقافة وطنية وإنسانية ومجتمعية بالطريقة الراقية التي يجب أن يتعامل بها مع المواطن في أي مكان.
فالمواطن الذي تعرض للإيذاء ولانتهاك حقوقه بنفسه شخصيا أو أحد أقاربه أو أحد أصدقائه من رجل الأمن في اي مكان أو مرفق يكره رجال الأمن عامة ويعزف عن التعاون معهم والقرب منهم بل ويشعر بالخوف والرعب والتقزز والغثيان عندما يراهم أو يرى طقما عسكريا .
ضف إلى ذلك معاقبة اي ضابط أو جندي يسيء لأي مواطن وتعريضه للمساءلة القانونية العلنية حتى يشعر المواطن بالأمان و بوجود الدولة وبأن النظام والقانون في هذه البلاد فوق الجميع ويطبق فعليا على الواقع على الكبير قبل الصغير .
ومن هذا المنطلق تتعزز العلاقة بين رجل الأمن والمواطن ويزداد لديه الولاء الوطني وتتغير نظرته إلى أنه وجد من أجل حمايته والحفاظ على حقوقه وعلى الأمن بشكل عام ولم يوجد للبلطجة وللاختلاس والتهبش والشعبطة والاستقواء على الآخرين بالسلطة العامة ونفوذها .
ولو تحقق ماسبق فحتى المواطن سيساهم في منع الجريمة قبل وقوعها وسيبادر أيضا من تلقاء نفسه بالشهادة عن أي عمل جنائي حصل هنا او هناك وهو رابط الجأش ورأسه مرفوع وهمته عالية وموقفه قوي بقوة دولته وبقوة السلطة الموجودة فيها وليس كما يحصل حاليا يتقدم المواطن إلى أي جهة رسمية للإبلاغ عن أي جريمة أو للإدلاء بشهادته وهو يرتعش ومتردد واحيانا مكرها أو يشعر بأنه مجازف ومورط وينتابه إحساس بأن المجرم والنافذ والبلطجي والشيخ وصاحب الفلوس اقوى من الدولة ومن النظام والقانون .
القوانين في بلدنا ما شاء الله عليها كفلت حقوق المواطن بصفة عامة حق مقدم البلاغ وحق الشاهد بل وحفظت حتى حق المتهم عند القبض عليه من عدم الإهانة أو التعذيب بنوعيه الجسدي والنفسي إلا في حالة واحدة عند مقاومة السلطات العامة بقوة السلاح عند القبض عليه لكن رغم جودة تلك القوانين فلم تجد الإرادات الوطنية المخلصة لتطبيقها وهي الآفة الأخطر .
حاليا لازال البعض إن لم اقل الأغلبية من رجال الأمن والشرطة يجهلون مهامهم في أدنى مستوياتها ولم يستوعبون الآلية القانونية التي يجب أن يتعاملون بها مع المواطن فلا غرابة أن نراهم يستعرضون بحمل السلاح بالاسواق واحيانا يطلقون النار بدون سبب لإرهاب المواطن وإبراز هيبتهم ولفت الأنظار إليهم كما يعتقدون بل بعض الأعمال الجنائية تقع منهم وبسببهم ، ولا عجب أيضا أن نراهم يفحطون بالاطقم العسكرية الحديثة في الشوارع والممرات ويرتكبون المخالفات المرورية ويشغلون الانانات بدون داعي أو سبب ويدهسون الانسان والحيوان والشجر ويثيرون الغبار والأتربة في وجوه الناس ، فكيف سيحببون بأنفسهم وبالاجهزة الأمنية عموما عند المواطن وبأي طريقة سيدخلون قلبه وسيكسبون ولائه وتأييده وسيجعلونه يتعاون معهم في التبليغ عن أي جريمة أو إلقاء الشهادة أو اي شيئا آخر وبعضهم على هذا الحال من الجهل والتخلف .