كتب: د. أمين العلياني.
لا أبالغ من يوم رحل البروفيسور محسن قاسم وهيب باعباد إني ما زلت غير مصدق وفاته، ليس لشيء، بل لما لهذا العالم الكبير من مكانة كبيرة في قلبي منذ عرفته، وعايشته عن قرب، ولامست دهائه العلمي والسياسي قولًا وفعلًا.
وبهذا مثل رحيله حزن عميق، ومصاب فادح جلل، فبرحيله فقد الوطن أستاذًا جامعيًّا و وعقلًا تنويريًّا جنوبيًّا رفيع المستوى، وفارسًا شجاعًا خاض النضال والمعترك السياسي مبكرًا في كل جبهات وميادين الحياة، وشهدت له الجامعة والكلية والندوات والمؤتمرات العلمية والأكاديمية، وبهذا يكون الجنوب قد خسر قلمًا تنويريًّا من أنبل وأخلص رجالاته، الذين سجلوا مواقف مشرفة في ميادين الحياة المختلفة، وسطروا أنموذجًا أسطوريًّا في ميادين الفداء والتضحية المختلفة.
لقد كان البروفيسور محسن قاسم وهيب مقدامًا نذر نفسه في خدمة الوطن والمؤسسة الأكاديمية والسياسة الحزبية مجسدًا أروع المواقف الشجاعة في نشر الفكر والوعي والمعرفة بمحافظة لحج ومحافظات الجنوب المختلفة، ولم تختصر أفعاله العظيمة على العمل التعليمي والحزبي فحسب، بل كان رجلًا حكيمًا في حل قضايا الناس وجمع كلمتهم على تراب هذا الوطن الغالي.
ونؤكد أن مرور عام على رحيل البروفيسور محسن قاسم وهيب، ليس حدثًا سهلًا بل كان حدثًا كبيرًا وأليمًا على الجنوب برحيله خسر الوطن رمزًا من رموز القلم التتويري، حيث قدم من خلاله كل ما يستطيع في خدمة الجنوب عامة وجامعتي عدن ولحج خاصة.
ويعد البروف الراحل وهيب من الشخصيات الوازنة التي عملت وكانت تعمل بصمت في مسارها الاكاديمي والحزبي، وبالجدية والاستقامة والإخلاص في العمل، ولم تفكر أبدا في ترجيح مصالحها الشخصية على مصلحة الوطن، وفي هذا الموقف الجلل لا نعتقد أننا سنكون قادرين على إنصاف الراحل مهما حاولنا ذلك، لكن هناك من الشهادات والصور ما هو أبلغ وأوضح في التعبير عن قيمته ومكانته لدى أبناء شعبه في الجنوب.
وعمل الراحل وهيب رحمه الله بإخلاص ونكران ذات وغيرة وطنية صادقة في خدمة شعبه وحماية أرضيه وحريته، مسخرًا كفاءته للنهوض بمختلف المهام الاكاديمية والعلمية التي تقلدها بأمانة ومسؤولية، في تشبث مكين بثوابت الأمة ومقدساتها، فضلا عما عرف عنه من كفاءة مهنية متميزة، كان يتمتع أيضا بأخلاق عالية وتواضع كبير وحزم في أداء الواجب، وطالما وأنه كان صديقًا أمينًا لمن صاحبه وخبر مراففته، يجده بكل تواضع وتحفيز، يوجه ويصحح، ويقترح ويعدّل، ويحمل الهم الكبير بين عمله العلمي وشوقه الوطني، تراه أمينًا في عطائه الأكاديمي ومنظرًا باهرًا في عمله السياسي والحزبي، إذ تراه يرتب مقومات السياسية، التي يراها هي وسيلته في تنفيذ خارطة خطته بدهاء واحترافية، وابتسامته لا تفارق محيّاه.
إن رحيل البروفيسور محسن قاسم وهيب يمثل خسارة عظيمة للوطن بأسره، فقد كان من أشجع وأنبل القادة، فهو أسد المعارك السياسية الذي لا يُشق له غبار، وقد كان معلمًا صلباً ومثالاً حيًّا لنشر المعرفة.
أما سرّ حب الناس له و سرّ جاذبية شخصيته، فأظن أن الجواب يكون واضحًا من خلال الحديث الشريف ﴿خيرُ الناسِ أنفَعُهم للناسِ﴾، وأن من أحبه الله أحبه خلقه، وأن السعادة تبدأ بزرع ابتسامة الأمل وغرس المحبة والإخاء وإيثار غيره على ذاته ولا يمكن للإنسان تحقيق تلك الغايات إلا بعد صبر طويل على التضحية الباهظة بخيرة ما يملك، وهذا سبب من أسباب الفوز والنجاح في تحقيق غاية انجذاب الناس إلى محبتك بوصفك قائدًا محنكًا وناجحًا.
رحم الله العالم الجليل المرحوم بإذن الله البروفيسور محسن قاسم وهيب، وأسكنه فسيح جناته، وحشره مع الأنبياء والشهداء والصديقين..