كريتر نت – متابعات
سرّعت الحكومة المصرية وتيرة تحركاتها الاقتصادية لتجاوز أزمة الدولار المزمنة في البلاد، وطرقت الكثير من الأبواب الدولية والعربية لإيجاد حلول متنوعة، وجعلتها هذه الطريقة تلجأ إلى مجموعة بريكس التي تضم روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، وهي خطوة اقتصادية لا تخلو من أهداف سياسية.
وينسجم هذا التوجه مع التلميحات والتصريحات التي عبّر عنها الكثير من المسؤولين في القاهرة حيال عدم رهن حاجيات الدولة الرئيسية -لاسيما الحاجيات العسكرية والاقتصادية- بقوة واحدة، والسعي الحثيث لإحداث توازن في العلاقات مع القوى الكبرى، شرقا وغربا.
والأربعاء أعلن السفير الروسي في القاهرة غيورغي بوريسينكو أن مصر تقدمت بطلب الانضمام إلى المجموعة بسبب مبادرتها الرامية إلى “تحويل التجارة إلى عملات بديلة قدر الإمكان، سواء أكانت وطنية أم نوعا من العملات المشتركة”.
ويصب هذا المعنى في خانة التململ الذي ظهرت مؤشراته لدى العديد من القوى الإقليمية والدولية للتخلص من كابوس رهن الاقتصاد العالمي بالعملة الأميركية، وقد زادت ملامحه عقب اندلاع الأزمة الروسية – الأوكرانية وما صاحبها من عقوبات اقتصادية قاسية على موسكو، جعلت روسيا والبعض من حلفائها يفكرون في التعامل بالعملات المحلية.
وتسعى دول المجموعة نحو تطوير نموذج اقتصادي يحاول الحد من هيمنة الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي، ويفتح الباب لسياسات اقتصادية متعددة الأقطاب.
وبالنسبة إلى مصر يمثل طلب الانضمام إلى بريكس خطوة مهمة لتخفيف حدة الضغوط الاقتصادية الواقعة عليها بسبب شح الدولار الأميركي في أسواقها وما خلفه من تبعات سلبية عليها، وقد يعيد قبول القاهرة في المجموعة جانبا من التحسن والثقة بسياساتها الاقتصادية التي تواجه تحديات وضعتها في مأزق للمواءمة بين إمكانياتها وطموحاتها.
وتعتقد الحكومة المصرية أن توسيع نطاق التبادل التجاري بالاعتماد على العملات المحلية يمكن أن يساعدها على تخطي مرحلة أصبح فيها الاقتصاد منهكا ومرتبكا.
وقال وزير التموين والتجارة الداخلية علي المصيلحي الثلاثاء إن بلاده “تعتزم التخلي عن الدولار في التجارة المتبادلة مع الدول الأعضاء في الكتلة الاقتصادية لمجموعة بريكس، ودفع ثمن وارداتها إلى هذه الدول بالعملات المحلية”.
ويرى بعض الخبراء أن انضمام مصر إلى المجموعة يوفر لها صلاحيات وقنوات تمويلية، ويعزز ثقة المجتمع الدولي ومؤسساته المالية وهيئات التصنيف الائتماني باقتصادها، ما ينعكس على استكمال المشروعات التنموية العملاقة بدلا من وقفها، كما يمنحها هامشا للمناورة مع بعض الدول التي تضع شروطا قاسية لمدها بالاستثمارات.
وأشار الخبير الاقتصادي المصري أشرف غراب إلى وجود حزمة مزايا تعود على مصر بالنفع عند انضمامها إلى بريكس، أبرزها تعزيز الاستفادة بينها وبين الدول الأعضاء في مسألة زيادة حجم التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري وفتح آفاق واعدة وأسواق جديدة للمنتج المصري.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن “وجود مصر ضمن بريكس يعزز قدرتها على حل أزمتها الاقتصادية في ظل وجود فرصة كبيرة لزيادة حجم الشراكات الاقتصادية ومضاعفة الاستثمارات التي من المنتظر أن تأتي من الدول الأعضاء إلى مصر، وعلى القاهرة أن تثبت قدرتها على التواجد عبر زيادة صادراتها إلى هذه الدول”.
ومن المتوقع أن تصبح الصين أكبر اقتصادات العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي خلال الأعوام الخمسة المقبلة، لذلك فإن زيادة التعاون مع دول المجموعة ستعزز الشراكات وستسهم في دعم الاقتصاد المصري من حيث القوة والتمدد.
وقد تشهد الزيارة المتوقعة لرئيس وزراء الهند نارندرا مودي إلى القاهرة قريبا تطورا كبيرا في العلاقات بعد الاتفاق على رفع مستوى هذه العلاقات إلى “الشراكة الإستراتيجية”.
واعتمدت روسيا مؤخرا الجنيه المصري ضمن سلة عملاتها، وهناك نقاشات تتم مع كل من الصين والهند، ما يمثل دعما لنجاح مصر في الانضمام إلى بريكس، وثمة توقعات بأن تشهد الفترة المقبلة نموًا للوفود السياحية القادمة من دول المجموعة إلى مصر.
فؤاد ثابت: نجاح مصر في الانضمام إلى هذا التجمع هو أحد الحلول الناجزة للتغلب على أزمة الدولار
وقال فؤاد ثابت رئيس اتحاد جمعيات التنمية الاقتصادية في القاهرة إن “نجاح مصر في الانضمام إلى هذا التجمع هو أحد الحلول الناجزة للتغلب على أزمة الدولار لأن اقتصاداتها تمثل جزءا مهما في الناتج المحلي العالمي، والتعامل مع دولها سوف يكون بالعملات المحلية لكل دولة”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن هذه الخطوة تأخر تنفيذها كثيرا، مستبعدا -حال دخولها حيز التنفيذ- أن تؤثر على تعاملات مصر مع دول العالم الأخرى، أو تؤدي إلى توتر في العلاقات مع الولايات المتحدة، على المديين القصير والمتوسط.
وتظل مصر بحاجة ماسة إلى الدولار، لأنه يتم توجيه أكثر من 35 في المئة من الناتج المحلي إلى سداد أقساط وخدمة الدين والقروض التي حصلت عليها وغالبيتها بالدولار.
ونشرت الجريدة الرسمية تصديق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في مارس الماضي على اتفاقية تأسيس بنك التنمية الجديد التابع لبريكس وانضمام مصر إليه.
وأصبحت مصر العضو الرابع الجديد في البنك، إذ تم قبول عضويتها ضمن توسعة أولى لنطاق انتشار البنك، وسبقتها كل من بنغلاديش والإمارات وأوروغواي.
وأنشئ البنك برأسمال قدره 100 مليار دولار لتمويل مشاريع البنية الأساسية والتنمية المستدامة في الدول الأعضاء، واقتصادات السوق الناشئة والدول النامية الأخرى.
وتعد مجموعة بريكس من أهم التجمعات الاقتصادية على مستوى العالم وتأسست عام 2006، وهي اختصار للحروف الأولى باللغة الإنجليزية للدول المكونة للمنظمة، وهي: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وتمثل نحو 30 في المئة من حجم الاقتصاد العالمي و26 في المئة من مساحة العالم و43 في المئة من سكان الكرة الأرضية، وتنتج أكثر من ثلث إنتاج الحبوب في العالم.
وأشارت وزيرة خارجية جنوب أفريقيا ناليدي باندور، خلال قمة بريكس التي عقدت في كيب تاون أوائل يونيو الجاري، إلى وجود طلبات رسمية عديدة للانضمام إلى المجموعة، من بينها طلبات مصر والسعودية والإمارات والبحرين والجزائر والسنغال وسوريا والسودان وتونس وتركيا والأرجنتين وإيران ونيجيريا وباكستان.