كريتر نت – متابعات
التقى كبار أعضاء الحكومتين العراقية والصينية في سلسلة من الاجتماعات التي عقدت الأسبوع الماضي، للتباحث في مسألة تعميق وتوسيع إطار “النفط مقابل المشاريع”، الذي يعني استثمار الشركات الصينية في مشاريع البنية التحتية في العراق مقابل النفط.
يأتي هذا في وقت توسعت فيه أنشطة الشركات الصينية بهدوء لتطال الكثير من القطاعات المهمة في العراق، ولم تقف عند الاستثمار في قطاع النفط.
وناقش وزير التخطيط العراقي محمد علي تميم والسفير الصيني في العراق كوي وي دعم الصين للمدارس العراقية والمستشفيات وقطاع الكهرباء ومشاريع قطاع الخدمات. هذا ما هو معلن، أما بخصوص ما لم يتم إعلانه فقد شملت المناقشات المزيد من مشاريع النفط والغاز، والخدمات المصرفية والتمويل، وبناء المطارات والموانئ للاستخدام الصيني المزدوج (المدني والعسكري).
وتتماشى كل هذه المشاريع مع مشروع “حزام واحد، طريق واحد”، الذي يتمثل هدفه النهائي في تجاوز الولايات المتحدة. وترى الصين أن مفتاح هذه الخطة يكمن في تأمين أكبر قدر ممكن من موارد النفط والغاز في العالم بأسرع وقت ممكن، ولذلك ركزت جهودها على منطقة الخليج، وأساسا السعودية وإيران والعراق.
ضخ بغداد لما يقارب 700 مليون دولار لمشاريع البنية التحتية في مدينة الزبير بالبصرة، مركز النفط في الجنوب
ويقول المحلل الاقتصادي سايمون واتكينز في موقع أويل برايس إن الصين كانت تشعر بقلق من التداعيات المحتملة التي قد تنجم عن توسيع وجودها بصورة مفتوحة في العراق، الدولة التي ترى فيها واشنطن فرصا سياسية واقتصادية، فاتبعت نهجا منخفض المستوى قدر الإمكان، أي الإيحاء بأن تدخلها محدود وظرفي حتى لا يثير غضب الأميركيين. ومكنتها هذه الإستراتيجية من تحقيق سيطرة كاملة على العديد من القطاعات العراقية، وخاصة من خلال صفقات النفط.
ومن بين هذه الصفقات مَنْحُ الشركة الصينية للهندسة والإنشاءات البترولية عقد غرب القرنة 1 في منتصف 2021. وكان العقد الهندسي الذي تبلغ قيمته 121 مليون دولار في البداية يهدف إلى تطوير المرافق المستخدمة لاستخراج الغاز خلال إنتاج النفط الخام، ولكن المشروع توسع وتعمق في نطاقه وحجمه ليتوافق مع أنشطة بتروتشاينا في غرب القرنة 1.
واعتُمد النهج نفسه في حقل مجنون النفطي العملاق المجاور بعد أن قررت شركة شل البريطانية الخروج من هذا الموقع في 2017، حيث مُنحت الشركة الصينية للهندسة والإنشاءات البترولية عقدا بقيمة 203.5 مليون دولار لمشروع الهندسة من أجل معالجة الغاز الحمضي في موقع مجنون.
وقبل ذلك أُعلِن عن توقيع عقدين كبيرين للحقل العملاق. وكان أحدهما مع شركة هيلونغ أويل للخدمات والهندسة الصينية لحفر 80 بئرا بكلفة 54 مليون دولار، والآخر مع شركة حفر عراقية بمساعدة صينية، لحفر 43 بئرا بكلفة 255 مليون دولار. وبعد فترة وجيزة من تأمين هذه الصفقات، دخلت شركة أنتون أويل الصينية الصورة، بموجب عقد “إدارة المشروع وخدمات التطوير”.
وكانت الخطة تكمن في زيادة إنتاج النفط بحقل مجنون النفطي من مستواه الحالي البالغ حوالي 240 ألف برميل يوميا إلى 600 ألف برميل يوميا بحلول 2026. وحقل مجنون هو حقل مشترك مع إيران، ويُعرف فيها باسم أزاديجان، والذي ينقسم بدوره إلى حقلين عملاقين (شمال أزاديجان وجنوب أزاديجان).
ولا تزال مؤسسة البترول الوطنية الصينية المشغل الأجنبي الرائد في شمال أزاديجان، والذي بدأ تشغيله في نوفمبر 2016 بطاقة إنتاجية تبلغ 75 ألف برميل في اليوم.
كما كانت الشركة الصينية المطور الرئيسي في جنوب أزاديجان من 2009 إلى 2014 قبل إقصائها من الحقل بسبب تأخرها في تنفيذ المشروع.
على مدى سنوات عديدة، كان العراق (رغم ثرواته من النفط والغاز) يستورد من إيران حوالي 40 في المئة من إمدادات الطاقة
وتجتمع هذه الحقائق مع أولويات بكين الإستراتيجية الأخرى في العراق من حيث صلتها بمشروع الحزام والطريق. وكان من بينها موافقة بغداد على ما يقارب تريليون دينار عراقي (700 مليون دولار) لمشاريع البنية التحتية في مدينة الزبير في البصرة، التي تعدّ مركز النفط في جنوب العراق.
وانطلاقا من التعليقات التي أدلى بها محافظ المدينة في ذلك الوقت، عباس السعدي، كانت مشاركة الصين المكثفة في المرحلة الثانية من المشاريع جزءا من اتفاقية “النفط مقابل إعادة الإعمار والاستثمار” واسعة النطاق، المندرجة ضمن صفقة النفط مقابل المشاريع العامة التي وقعتها بغداد وبكين في سبتمبر 2019.
وجاء إعلان الزبير بعد فترة وجيزة من منح بغداد عقدا كبيرا آخر لشركة صينية لبناء مطار مدني يعوض القاعدة العسكرية في عاصمة محافظة ذي قار الجنوبية الغنية بالنفط. وتضم ذي قار حقليْن من أكبر حقول النفط المحتملة في العراق (الغراف والناصرية).
وقالت الصين إنها تعتزم استكمال المطار بحلول 2024. وأعلنت أن المشروع يشمل العديد من مباني الشحن والطرق التي تربطه بوسط المدينة وبشكل منفصل عن مناطق النفط الرئيسية الأخرى في جنوب العراق. وتلت ذلك صفقة أخرى قيد النقاش، وستشمل الشركات الصينية بناء مدينة الصدر، الواقعة بالقرب من بغداد، بكلفة تتراوح بين 7 و8 مليارات دولار، في إطار اتفاقية النفط مقابل إعادة الإعمار والاستثمار لسنة 2019.
وفي الوقت الذي كان فيه العراق يعقد هذه الصفقات مع الصين، سعت بغداد لتخفيف أي رد فعل سلبي من الولايات المتحدة؛ إذ وعدت بأنها ستبتعد عن طهران. وعلى مدى سنوات عديدة، كان العراق (رغم ثرواته من النفط والغاز) يستورد من إيران حوالي 40 في المئة من إمدادات الطاقة.