كريتر نت – متابعات
لا يوجد في تونس مليون مهاجر، ولا حتى 700 ألف مهاجر كما أشيع قبل أشهر. فالأرقام الحقيقية تتحدث عن حوالي 10 آلاف فقط من اللاجئين المسجلين لدى السلطة والمنظمات الدولية وعشرات الآلاف من المهاجرين عامة، وإضافة إلى أولئك الذين يتخفون خوفا من طردهم، فإن العدد الجملي يبقى بعيدا جدا عن حاجز الـ100 ألف.
ووصل عدد اللاجئين وطالبي اللجوء في تونس هذا العام إلى 9 آلاف و547 لاجئا، حسب ما كشفت عنه بيانات حديثة للمجلس التونسي للاجئين (منظمة غير حكومية).
ويبدو العدد الذي لم يلامس عتبة العشرة آلاف بعيدا جدا عن الأرقام التي تم تداولها السنة الماضية، وأوائل السنة الحالية على هامش الضجة التي أثارتها تصريحات الرئيس التونسي قيس سعيد حول أعداد المهاجرين.
وكان سعيد خصص اجتماع مجلس الأمن القومي يوم الثاني والعشرين من فبراير 2023، لما أسماه بـ”الإجراءات العاجلة التي يجب اتخاذها لمعالجة ظاهرة توافد أعداد كبيرة من المهاجرين غير النظاميين من أفريقيا جنوب الصحراء إلى تونس”.
وأكّد أن “هذا الوضع غير طبيعي”، مشيرا إلى أن “هناك ترتيبا إجراميا تمّ إعداده منذ مطلع هذا القرن لتغيير التركيبة الديمغرافية لتونس، وأن هناك جهات تلقت أموالا طائلة بعد سنة 2011 من أجل توطين المهاجرين غير النظاميين من أفريقيا جنوب الصحراء في تونس”.
وشدّد على أن “هذه الموجات المتعاقبة من الهجرة غير النظامية الهدف غير المعلن منها هو اعتبار تونس دولة أفريقية فقط ولا انتماء لها للأمتين العربية والإسلامية”.
حوالي 10 آلاف لاجئ يقيمون في تونس نصفهم من الذكور، وأغلبهم من الكوت ديفوار وسوريا والسودان والكاميرون
وانتهى إلى “ضرورة وضع حد بسرعة لهذه الظاهرة، خاصة وأن جحافل المهاجرين غير النظاميين من أفريقيا جنوب الصحراء مازالت مستمرة، مع ما تؤدي إليه من عنف وجرائم وممارسات غير مقبولة، فضلا عن أنها مجرّمة قانونا”.
ولاقت هذه التصريحات تنديدا وردود فعل غاضبة في تونس وخارجها على اعتبارها “تحريضية” و”عنصرية”… لكنها وجدت بالمقابل تفاعلا من شق في تونس تلقف عبارات سعيد من قبيل “توافد أعداد كبيرة من المهاجرين” و”الموجات المتعاقبة” و”جحافل المهاجرين”… للحديث عن أرقام مرتفعة جدا للمهاجرين.
فقد توقع البعض أن يكون العدد فوق المليون مهاجر، ورجح البعض الآخر أن يكون 700 ألف مهاجر قادمين من دول أفريقيا الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، وذلك استنادا إلى بيانات صادرة عن الاتحاد العام التونسي للشغل (المنظمة النقابية الأقوى والأكثر تمثيلا في تونس).
ويبدو الحديث عن مليون مهاجر أو 700 ألف مهاجر متعارضا مع بيانات المجلس التونسي للاجئين والمعهد الوطني للإحصاء ومركز الهجرة المختلط وأرقام وزارة الداخلية التونسية التي تتحدث كلها عن عشرات الآلاف فحسب.
فالأرقام المرتفعة تتحدث مبدئيا عن عدد المهاجرين عموما، فيما تتعلق الأرقام المنخفضة بنسبة فقط من المهاجرين وهي فئة اللاجئين أي أولئك الذين اختاروا تونس أرضا للإقامة وطلبوا فيها الحصول على صفة لاجئ بطريقة قانونية، عكس من يعتبرها أرض عبور إلى أوروبا وعكس من قدم إليها للدراسة أو العلاج أو السياحة.
كما إن هناك سوء فهم واضحا لمقصد الاتحاد العام التونسي للشغل لأنه لم يقل إن هناك 700 ألف لاجئ مقيم في تونس، بل أشارت بياناته إلى تدفق المهاجرين غير النظاميين إلى تونس خلال السنوات الأخيرة، أي إلى كل من دخل التراب التونسي بغض النظر عن إقامته بها أو عودته إلى بلاده أو مروره إلى أوروبا.
وكان المعهد الوطني (التونسي) للإحصاء قد ذكر، في تقرير “المسح الوطني للهجرة الدولية”، الذي أصدره بتاريخ السابع من ديسمبر 2021، أن عدد الأجانب المقيمين في تونس يقدر بـ58.990 شخصا، أي ما يعادل 0.5 في المئة من إجمالي سكان البلاد. ويقدر المعهد عدد المهاجرين القادمين من أفريقيا جنوب الصحراء بـ21.466 شخصا، أي بنسبة 36.4 في المئة من مجموع الأجانب المقيمين في تونس.
وقدر مركز الهجرة المختلط عدد المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء بـ57.500 مهاجرا، 8.151 مهاجر منهم لاجئون أو طالبو لجوء.
وقال مركز الهجرة، في تقريره، الذي استند فيه على أرقام المفوضية السامية للاجئين وإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بمنظمة الأمم المتحدة، إن “هذه الأرقام لا يمكن أن تكون دقيقة 100 في المئة نظرا إلى أن عدد المهاجرين غير النظاميين لا يمكن حصره بصفة دقيقة”.
ورغم غياب الدقة، فإن الأرقام والنسب التي قدمها المعهد الوطني للإحصاء ومركز الهجرة المختلط تبدو قريبة من مثيلتها التي قدمها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، مع مراعاة الفوارق الزمنية بين سنتي 2021 و2023.
وحسب تقرير المنتدى التونسي، فإن عدد اللاجئين وطالبي اللجوء في تونس وصل في عام 2023، إلى 9 آلاف و547 لاجئا، بينهم 5 آلاف و900 من الذكور، ونحو 3 آلاف و600 من الإناث، من جنسيات مختلفة أبرزها ساحل العاج وسوريا والسودان والكاميرون.
وينحدر طالبو اللجوء في تونس عام 2020 من نحو 45 دولة مقارنة بـ20 دولة في 2019، وفقا لتقرير سابق للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
وتكشف بيانات حديثة للمجلس التونسي للاجئين (منظمة غير حكومية) تضاعف عدد طلبات اللجوء في البلاد خمس مرات خلال الفترة بين يناير 2019 ويناير 2023، إذ ارتفع عددها من 1245 إلى 6700، مسجلة رقما قياسيا في البلاد.
مركز الهجرة المختلط قدر عدد المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء بـ57.500 مهاجرا، 8.151 مهاجر منهم لاجئون أو طالبو لجوء
ووفق مدير عام شرطة الحدود والأجانب بوزارة الداخلية التونسية عماد الزغلامي، وصل عدد الأفارقة القادمين من جنوب الصحراء إلى تونس والمقيمين بصفة غير نظامية إلى 21 ألفا و471 شخصا، حتى مارس 2023.
بينما وصل عدد الأفارقة المقيمين بصفة نظامية إلى نحو 5 آلاف و396 شخصا، بينهم 5 آلاف و30 طالبا، وفق الزغلامي.
ويصل العشرات من المهاجرين غير النظاميين من دول جنوب الصحراء إلى تونس، لطلب اللجوء هربا من أوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة في بلدانهم الأصلية، بينما يتخذها آخرون محطة للهجرة غير النظامية إلى أوروبا عبر البحر.
وكانت تونس شهدت موجات لجوء للآلاف من الأشخاص من بلدان عربية وأفريقية، سواء الفارين منهم من قسوة الحروب والنزاعات أو الباحثين عن أوضاع اجتماعية أفضل.
فبعد اندلاع ثورة السابع عشر من فبراير 2011 في ليبيا وسقوط نظام معمر القذافي في ليبيا، تدفق الليبيون على الجنوب التونسي نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية والمعيشية، واستقبل مخيم الشوشة نحو مليون شخص، بينهم 200 ألف من غير الليبيين، حسب إحصاءات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
واستمر وجود الليبيين في تونس خاصة بين عامي 2012 و2015، وتراوح عددهم عام 2016 بين 300 ألف و350 ألف شخص، وفق أرقام رسمية.
واستقبلت تونس بداية العشرية الماضية حوالي 4 آلاف سوري، لم يبق منهم حتى نوفمبر 2021 غير 2332 لاجئا، بينهم 1159 من الإناث استنادا إلى تقرير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.