صالح البيضاني
لا تهدد الصراعات والحروب البشر في حاضرهم فحسب، بل تهدد ماضيهم وتاريخهم وتراثهم المادي وغير المادي، وهو ما يعتبر التأثير الأشد خطرا، إذ أن الإنسان ذاكرة في النهاية. ويواجه اليمن تهديدات كبيرة لإرثه الحضاري العريق، وهذا ما دفع “العرب” للقاء الباحث اليمني في التراث غير المادي رفيق العكوري للحديث عن واقع تراث اليمن اليوم.
ويصف الباحث اليمني في التراث غير المادي رفيق العكوري هذا المجال الهام في المنظومة الثقافية بأنه يشكل الهوية الاجتماعية للمجتمع وسلوكياته وقيمه وممارساته ومعتقداته وعاداته المتوارثة عبر الأجيال.
ويشير العكوري في حديث لـ”العرب” إلى أن اليمن أحد البلدان التي تمتلك ثراء وتنوعا في الموروث الشعبي، غير أن هذا الموروث الهائل تعرض في ظل الحرب التي تشهدها البلاد إلى حالة تجريف طالت الهوية الثقافية الجامعة ومحاولة فرض ثقافة أحادية على المجتمع، لافتا إلى أن العديد من الجماعات المحلية قامت في المقابل بإحياء موروثها الثقافي المنقرض والتمسك به في مواجهة التجريف والإقصاء، كجزء من صراع الهويات الذي يشهده اليمن.
قوائم اليونسكو
حول الضرر الذي لحق بالتراث غير المادي في اليمن نتيجة الحرب وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية يقول العكوري “تأثر التراث الثقافي المادي وغير المادي بشكل كبير بسبب الحرب».
ويواصل قوله «أحيانا يكون التأثير متعمدا ومباشرا من قبل بعض الجماعات، مثل فرض قوانين معينة الغرض منها تقييد أو فرض ثقافة طرف ما، ومن ذلك إصدار قوانين تجبر المجتمع على الاحتفال بأعياد شعبية ودينية ومنع احتفالات خاصة بالأطراف الأخرى أو استهداف بعض أنواع التراث ومنتجه من خلال حملات إعلامية تسعى لتشويه الفن والفنانين والموسيقى والغناء على سبيل المثال”.
ويضيف “أحيانا يكون التأثير الذي يطال التراث غير المادي غير مباشر نتيجة لأوضاع الحرب وما تخلفه من تغير اجتماعي واقتصادي وديموغرافي في المجتمع وهو ما يؤثر بدوره على عناصر التراث الثقافي غير المادي. ومن أمثلة ذلك ما نشهده من تغير في عادات وتقاليد العزاء الذي أصبح يوما واحدا بدلا من ثلاثة أيام نتيجة الأوضاع الاقتصادية، كذلك بعض العناصر المتعلقة بعادات الأعراس”.
وعن العلاقة بين اليمن وبين اليونسكو فيما يتعلق بالحفاظ على التراث غير المادي، وغياب اليمن عن قوائم التراث غير المادي المسجلة في المنظمة الدولية يقول العكوري “في العام 2007 وقع اليمن على اتفاقية اليونسكو الخاصة بالتراث الثقافي غير المادي لكنه لم يقم بأيّ نشاط أو عمل لتنفيذ الاتفاقية، وفي العام 2014 تم تأسيس قطاع التراث اللامادي بوزارة الثقافة اليمنية، غير أن الوزارة لم تقم بأيّ نشاط جاد في هذا المجال حتى الآن، وهذا الأمر أثر على موضوع تقديم ملفات لعناصر تراثية لضمها إلى القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي التابع لليونسكو”.
ويتابع “لا يوجد لدينا قائمة حصر وطنية أسوة ببقية الدول، ولا يوجد فريق عمل متخصص ومتمكن سواء في إعداد قوائم الحصر أو في مجال إعداد الملفات. أدرج اليمن عنصرا واحدا خاصا هو الأغنية الصنعانية وعنصرين مشتركين مع بعض الدول العربية وهي عنصر النخلة وعنصر الخط العربي”.
وحول الانتقادات التي تعرضت لها الحكومة اليمنية نتيجة غياب عدد من عناصر المورث اليمني عن قوائم اليونسكو في الآونة الأخيرة يقول العكوري “في العام الماضي قامت السعودية بإدراج عنصر البن الخولاني في القائمة التمثيلية، كما قامت سلطنة عمان بإدراج الخنجر العماني (الجنبية) في نفس القائمة وقد أثار ذلك الكثير من السخط بسبب الفهم الخاطئ لموضوع الإدراج. فليس معنى إدراج عنصر من قبل دولة ما أن العنصر أصبح ملكها وإنما المقصود أن العنصر موجود في أرضها ويمارس من قبل الجماعات ومتوارث عبر الأجيال ولديه وظيفة اجتماعية يقدمها للجماعات التي تمارسه. وبإمكان اليمن أما أن يطلب إضافتها إلى ملف البن وملف الجنبية ويصبح ملفا مشتركا. أو أن يقدم ملفا خاصا به وهو الأفضل لأن التنوع والثراء في اليمن أكبر سواء في عنصر البن أو عنصر الجنبية”.
تراث مهدد
عن المدن التاريخية اليمنية المدرجة في قائمة التراث العالمي باليونسكو ومدى تأثرها بالحرب يضيف العكوري “بالنسبة إلى المدن التاريخية المدرجة في قائمة التراث العالمي لدينا خمس مواقع في القائمة هي شبام حضرموت وصنعاء القديمة وزبيدة التاريخية وأرخبيل سقطرى ومعالم مملكة سبأ القديمة في مأرب. ولدى اليونسكو ثلاث من القوائم الخاصة (قائمة التراث العالمي، قائمة التراث المهدد بالخطر، القائمة السوداء أو الخروج من قائمة التصنيف) وعند إدراج أيّ موقع ضمن قائمة اليونسكو فإن الدولة معنية بالالتزام بالحفاظ والصون لذلك الموقع وعليها اتخاذ كافة الإجراءات التي تضمن الحفاظ على الموقع”.
هناك بعض الجماعات المحلية اليمنية قامت بإحياء موروثها الثقافي المنقرض والتمسك به في مواجهة التجريف والإقصاء
ويضيف “في المقابل تلتزم اليونسكو بدعم جهود الدول والإشراف والمراقبة، وبسبب ظروف الحرب فإن كلاّ من مدن صنعاء وزبيد وشبام حضرموت تم إدراجها ضمن قائمة المواقع المهددة بالخطر، وكذلك هناك إنذار بإخراج صنعاء من القائمة المهددة بالخطر إلى القائمة السوداء بسبب الاستحداثات التي تمت مؤخرا والتي تؤثر على القيمة الاستثنائية لها، وكذلك التغير الديموغرافي الذي يتم في صنعاء وبطريقة ممنهجة. وقد أرسلت اليونسكو في الشهر الماضي وفدا من المكتب الإقليمي لليونسكو في الدوحة إلى مدينة صنعاء للاطلاع
على تلك المخالفات ورفع تقرير بكل المخالفات والاستحداثات التي تمت والمخاطر التي يمكن أن تهدد بقاء صنعاء في قائمة التراث. وما زلنا في انتظار التقرير”.
وعمل الباحث رفيق العكوري مديرا لمركز التراث الموسيقي اليمني، وعن تجربته في هذا المجال والدور الذي قام به المركز لحفظ وتوثيق التراث الموسيقي اليمني يقول لـ”العرب”، “تأسس مركز التراث الموسيقي اليمني عام 1997 وأصبح الجهة الحكومية المنوط بها توثيق وحفظ وصون التراث الموسيقي».
ويضيف «لقد قام المركز خلال تلك الفترة بتوثيق العديد من الأغاني التراثية التقليدية والشعبية ونفذ مشروع اليونسكو للحفاظ على الأغنية الصنعانية بين عامي 2006 – 2009، كما قام بجمع وتوثيق العديد من الأسطوانات التسجيلية التي تعود إلى ثلاثينات القرن الماضي وهي الفترة التي تمثل بدايات التسجيل في اليمن، غير أن عمل المركز توقف مع بداية الحرب منذ العام 2015”.
المصدر العرب اللندنية