وضاح الجليل
لم يعد للعيد ترحيب كبير لدى اليمنيين؛ بل أصبح مقترنا لديهم بمزيد من المعاناة والهموم التي يفرضها الغلاء وعدم قدرتهم على الوفاء بمتطلبات الاحتفال به، ومن ذلك الأضاحي التي باتت أسعارها أعلى مما تصل إليه مداخيلهم المحدودة في ظل انهيار العملة المحلية والبطالة وانقطاع الرواتب إلى جانب جبايات الحوثيين وتعسفاتهم.
ورغم ازدحام أسواق المواشي بالمرتادين الذين ينوون شراء الأضاحي في كامل المدن اليمنية؛ فإن غالبيتهم يغادرونها بأيدٍ خالية، في حين يحاول التجار تخفيض الأسعار قدر الإمكان، لكن تخفيضاتهم تبقى في مستوى أعلى من قدرة المتسوقين على الشراء، خصوصاً وأن متطلبات العيد لا تقف عند الأضاحي فقط.
يحاول سامي عبد الله الاحتيال على غلاء أسعار المواشي قرب عيد الأضحى، فاشترى رأس غنم قبل أكثر من شهر، ورغم فارق سعره عن أسعار ما قبل العيد بأيام فإن تكلفة تغذية ورعاية التيس طمست ذلك الفارق كما يقول، ولن يفكر بتكرار هذه التجربة مرة أخرى.
غير أن سامي يرى نفسه أسعد حظا من جاره في حي بير عبيد في الجهة الجنوبية من العاصمة صنعاء الذي اشترى رأسين من الماعز في اليوم نفسه؛ نظراً لعدد أفراد عائلته الكبير، واستعداده لاستقبال أقاربه من مسقط رأسه في مدينة ذمار جنوب العاصمة خلال أيام العيد.
بيد أن أحد رأسي الماعز أصيب بالمرض بعد شرائه بأيام، ورغم استقدام طبيب بيطري لعلاجه فإن محاولات إنقاذه لم تجدِ نفعاً، وتدهورت حالته حتى نفق، فاضطر مياس إلى البحث عن بديل له قبيل عيد الأضحى بأيام حين لم تعد الأسعار في متناوله هذه المرة.
ويتراوح سعر رأس الماعز أو الضأن في أسواق العاصمة صنعاء ما بين 100 ألف و130 ألف ريال (الدولار حوالي 530 ريالا) بينما لا يقل سعر رأس العجل الصالح للأضحية بوزن لا يقل عن 150 كيلوغراما عن 900 ألف ريال، فيما يصل أسعار بعضها إلى أكثر من مليوني ريال.
جبايات مباشرة
وفق تجار المواشي، فإن الميليشيات الحوثية فرضت عليهم جبايات جديدة منذ بدء الإقبال على شراء الأضاحي، لتساهم هذه الجبايات في رفع أسعار المواشي إلى جانب ممارسات أخرى للميليشيات تسببت في رفع أسعار غالبية المواد والسلع الاستهلاكية في مناطق سيطرتها.
ولجأ عدد من تجار المواشي إلى بيع مواشيهم خارج نطاق المدن التي فرضت فيها الميليشيات جباياتها، وأغرت الأسعار التي تباع بها المواشي خارج المدن والأسواق المعتادة السكان بالانتقال إليها والشراء منها، حيث أفاد مواطنون بأنهم يشترون من تلك الأسواق الجديدة أو من المزارعين مباشرة بأسعار تصل إلى نصف الأسعار التي تباع بها في المدن والأسواق الخاضعة لرقابة الميليشيات.
ومع ذلك، تنبهت الميليشيات وعمدت إلى فرض مبالغ باهظة على كل رأس ماشية يعبر من نقاط التفتيش في المناطق الخاضعة لسيطرتها، إلى جانب إرسال عناصرها إلى الأسواق المستحدثة لفرض الجبايات على التجار، وهو ما دفع الأهالي إلى الإحجام عن الانتقال إلى تلك الأسواق، نظراً لأن تصرفات نقاط الميليشيات تسببت في رفع الأسعار كما هي الحال في الأسواق داخل المدن.
ورغم تدهور الأوضاع المعيشية وارتفاع أسعار الأعلاف وتكلفة رعاية وتربية المواشي عن الأعوام الماضية، التي تزامنت مع الأزمات التي فرضتها الحرب الروسية الأوكرانية والأحداث في السودان، وسوء الأحوال الجوية في اليمن التي تسببت بالجفاف أو تدمير المراعي، فإن الأسعار لم ترتفع كثيراً مقارنة بالأعوام السابقة كما يقول رجل أعمال في صنعاء.
ويفيد رجل الأعمال بأن القدرة الشرائية المتدنية للمواطنين هي السبب في عدم حدوث فارق كبير في أسعار المواشي في موسم عيد الأضحى مقارنة بالمواسم السابقة، فالتجار يدركون ذلك ويرغبون في بيع مواشيهم بأرباح بسيطة، وقد يضطرون في آخر اللحظات إلى بيعها دون أرباح، لعدم الاضطرار لتحمل نفقات أخرى.
ويوضح رجل الأعمال الذي طلب عدم ذكر اسمه أن تجار المواشي إذا عادوا بمواشيهم دون بيعها فسوف يضطرون إلى تحمل نفقات تغذيتها ورعايتها لأسابيع وأشهر طويلة؛ خصوصا وأن فترة ما بعد عيد الأضحى تشهد عادة تراجعا في سوق اللحوم والمواشي، ويتحمل تجارها تبعاً لذلك تكاليف إضافية.
ويتابع: «إضافة إلى ذلك تجبر نقاط تفتيش الميليشيات التجار على دفع إتاوات أخرى عند عودتهم بمواشيهم إلى مزارعهم وقراهم، فهذه النقاط تأخذ الأموال عن الماشية، وتمارس الابتزاز بحق التجار وسائقي الشاحنات ذهابا وإيابا».
ألغام الانقلابيين
وتعد محافظة تعز (جنوب غرب) من أكثر المحافظات اليمنية التي شهدت ارتفاعاً في أسواق المواشي، حيث بلغت أسعار رؤوس الضأن والماعز فيها أرقاما لم تصلها من قبل، ليصل سعر الرأس إلى أكثر من ربع مليون ريال يمني (الدولار حوالي 1370 ريالا في المناطق المحررة).
واضطر عدد من تجار المواشي إلى تقدير سعر الماشية بالكيلوغرام، ليصل سعر الكيلوغرام الواحد إلى 20 ألف ريال في بعض الأسواق، في حين وصل سعر رأس البقر إلى أكثر من مليوني ريال.
ويبرر تجار المواشي في تعز ارتفاع الأسعار بالحصار الذي تفرضه الميليشيات الحوثية على المحافظة وقطع طرقها الرئيسية، ووعورة الطرق البديلة التي يتم إدخال المواشي عبرها، وعدم استيعاب هذه الطرق للشاحنات الكبيرة التي يمكنها نقل كميات كبيرة من المواشي، في حين يضرب الجفاف أغلب مناطق أرياف المحافظة، أو تتسبب الأمطار الغزيرة في تجريف المراعي.
ووفق أحد تجار الماشية في مدينة تعز، فإن مديرية الوازعية التي تعد أحد أكبر مصادر تربية المواشي في محافظة تعز لا تزال تعاني من الألغام التي زرعتها الميليشيات الحوثية، والتي تسببت في نفوق الحيوانات، وعزوف المزارعين عن تربية المواشي فيها.
المصدر الشرق الأوسط