كريتر نت – DW
بسبب التغيرات المناخية تأمل الأمم المتحدة في تغطية كل شخص في العالم بأنظمة الإنذار المبكر في غضون السنوات الخمس المقبلة. فما هي هذه الأنظمة وكيف تعمل على إنقاذ البشرية من غضب الطبيعة؟
ومع زيادة وتيرة ظواهر الطقس المتطرفة خاصة موجات الحر القاسية، أقدمت مدن عدة مثل سانتياغو ولوس أنجلوس وملبورن على تعيين مسؤولين عن المناطق الحارة أو ما يُطلق عليهم في بعض الأوقات “مفوضي شؤون الحر” إذ ينوط بهم إيجاد طرق لحماية المواطنين من الآثار الخطيرة الناجمة عن الحر الشديد.
وتعد اليونانية إيليني ميرفيلي واحدة من “مفوضي شؤون الحر” إذ جرى تعيينها كبيرة مسؤولي المناطق الحارة في العاصمة أثينا.
وتؤكد ميرفيلي على أهمية زيادة الوعي بمخاطر الكوارث الطبيعية فيما بدأت مع فريقها منذ عامين على تصنيف موجات الحرارة في إطار تأثيرها على صحة الإنسان ، مضيفة “لدينا الآن طريقة للتنبؤ بشتى موجات الحر التي ستضرب البلاد الأسبوع المقبل سواء أكانت سوف تشكل خطرا على الناس أم لا؟”
وقالت إنه بمجرد تحديد مدى خطورة أي موجة حر، فإنه يجري إبلاغ السكان الأكثر عرضة للخطر بكيفية الحفاظ على سلامتهم.
وتأتي المبادرة في إطار خطة الأمم المتحدة لإنشاء نظام مبكر بقيمة تزيد عن 3 مليارات دولار، لحماية كل سكان الأرض من كوارث الطقس بحلول عام 2027.
وفي ذلك، قال مدير خدمات المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، يوهان ستاندر، إن هذه المبادرة تعتمد على فكرة هامة تتمثل في أنه يمكن “إنقاذ حياة أي شخص قد تشكل ظواهر الطقس والمناخ أو الفيضانات أو المخاطر البيئية ذات الصلة خطرا على حياته”.
ما هي أنظمة الإنذار المبكر؟
ونظرا لتباين ظواهر الطقس المتطرفة التي تتطلب إنشاء أنظمة إنذار مبكر، فتجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد حل واحد لإنقاذ السكان من خطر تداعيات ظاهرة تغير المناخ، لكن كورت شيكمان، مدير مبادرات المناطق الحارة في مركز “أرشت روك” الخاص بأبحاث مقاومة المناخ، قال إن رسائل التحذير تعد هامة “لأن هناك الكثير من الناس يمكنهم القيام بأمور للحفاظ على سلامتهم”.
وأفاد الاتحاد الدولي للاتصالات بأن خدمات الإذاعة والتلفزيون والرسائل القصيرة قد تكون وسائل أتصال هامة فيما قد يمكن إرسال رسائل نصية لسكان المناطق المعرضة للخطر، بيد أن في ظل وجود أكثر من 2.7 مليار شخص على ظهر الأرض محرمين من خدمات الشبكة العنكبوتية، فإنه قد يتعذر توافر مثل هذه الخدمات لكافة سكان المعمورة.
وفي ذلك، قال كوزماس لوكيسون زافازافا، مدير مكتب تنمية الاتصالات في الاتحاد الدولي للاتصالات، إن هذا الأمر يمثل “مصدر قلق بالغ”، مضيفا أنه يوجد في أفريقيا 26 دولة من بين 46 دولة صنّفتها الأمم المتحدة على أنها أقل البلدان نموا فضلا عن وجود بلدان كبيرة يعيش فيها مجتمعات في مناطق نائية ويصعب الوصول إلى سكانها لأنهم محرومون من شبكات الاتصال”.
وأشار إلى أن أحد الحلول يتمثل في إطلاق أقمار صناعية تدور في مدارات أرضية منخفضة وذات تكلفة منخفضة مما يتيح الاتصال بسكان المناطق النائية فيما يأمل في أن يشمل ذلك طرق الاتصال البدائية مثل أجراس الكنائس ومكبرات الصوت وصفارات الإنذار.
وفي أوروبا، يتم إرسال رسائل تحذيرية عبر وسائل التواصل الاجتماعي وخطوط الهاتف الساخنة وتطبيقات الهواتف الذكية بشأن موجات الحر التي سوف تضرب مدن مثل ميلانو وباريس وروتردام.
وفي هذا السياق، قالت ميرفيلي إن “تطبيق إكستريما جلوبال الذي نستخدمه يظهر المخاطر التي يواجهها أي شخص اعتمادا على مكانه في أثينا وأيضا عمره وجنسه وهل يعاني من ظروف صحية موجودة مسبقا. وسيرشد التطبيق السكان إلى أماكن التي يمكنهم الاختباء فيها”.
تجربة بنغلاديش في التكيف مع الفيضانات العارمة
ويرى خبراء أنه من المهم إبلاغ سكان المناطق المعرضة للخطر بالأماكن التي يمكنهم اللجوء إليها فيما تعد بنغلاديش رائدة في هذا المجال حيث باتت تشكّل مثالا يحتذى به على مستوى العالم في مجال مكافحة آثار التغيرات المناخية وخفض عدد الوفيات الناجمة عن الفيضانات والأعاصير.
ومنذ إعصار بولا الذي يعد الأكثر دمارا في تاريخ البشرية والذي أودى بحياة نصف مليون شخص عام 1970، قامت بنغلاديش بزيادة عدد الملاجئ من 42 مأوى في السبعينيات إلى أكثر من 12 ألفا في الوقت الراهن فضلا عن تطوير نظم الإنذار المبكر وتحسين أنظمة التتبع والرصد باستخدام الأقمار الاصطناعية.
وقد أتت هذه الخطط بثمارها إذ أودى إعصار أمفان بحياة 128 شخصا في الهند وبنغلاديش وسريلانكا عام 2020 في حين لقى مائتي شخص مصرعهم في ألمانيا عندما اجتاحت فيضانات كبيرة البلاد عام 2021 رغم أن الأمطار كانت أقل غزارة والمناطق التي اجتاحتها كانت ذات كثافة سكانية أقل. بيد أنه ورغم ذلك، فإن الخسائر البشرية كانت أعلى.
وفي مقابلة مع DW، قال سليم الحق مدير المركز الدولي لتغير المناخ والتنمية إن بنغلاديش “تتفوق على أي دولة أخرى في العالم في مجال تحسين قدرتها على إدارة مخاطر الكوارث الطبيعية إذ يمكن تحذير وإجلاء ما بين 2 إلى 3 ملايين شخص في كل مرة يكون هناك تحذير من حدوث إعصار ما يعني خفض عدد الوفيات بشكل كبير.”
وبحسب الأرقام، فقد نجحت بنغلاديش في خفض الوفيات الناجمة عن الكوارث الطبيعية من نصف مليون ضحية إثر إعصار بولا في 1970 إلى 26 ضحية في عام 2020.
المزيد من البيانات وتسريع الرقمنة
تعمل نظم الإنذار المبكر على تقييم المخاطر استنادا على بيانات الأرصاد الجوية فيما لا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال مشاركة بيانات الطقس بين الدول. وفي هذا السياق، قال مدير خدمات المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، يوهان ستاندر، إن “أنظمة الطقس عابرة للحدود تعد هامة بالإضافة إلى البنية التحتية والبيانات”.
يشار إلى أنه في عام 2021، اتخذت المنظمة قرارا بضرورة مشاركة خدمات الأرصاد الجوية بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بيد أنه ليست كافة الدول أقدمت على رقمنة معلومات الطقس الخاصة بها، إذ في طاجيكستان مازالت بيانات الطقس التي تعود لقرن من الزمان ورقية.
وقال ستادر إن “رقمنة سجل بيانات الطقس السابقة ليست مهمة سهلة، لكن في حالة النجاح في ذلك، فإن هذا الأمر قد يساعد في تحسين دقة عمليات التنبؤ بالطقس.”
ماذا بعد؟
ومن أجل مساعدة الخبراء على تحسين تحليل بيانات الأرصاد الجوية بهدف تطوير عمليات التنبؤ بأحداث الطقس، قامت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية بتدشين مراكز إقليمية توفر إمكانية تدريب الخبراء على التنبؤ بظواهر الطقس المتطرفة.
لكن زافازافا شدد على ضرورة أن يشمل ذلك تدريب السكان على التعامل مع رسائل التحذير المبكرة وكيفية العثور على أقرب طرق الهروب أو توضيح مواقع الملاجئ عند حدوث كوارث بيئة.
وقال “إنه في إحدى المرات، عندما جرى إطلاق إنذار للتحذير من كارثة وذلك من خلال صفارة كانت موسيقية، شرع الأطفال في هذه المدينة في الرقص ظنا منهم أنها موسيقى رغم أنها في الواقع كانت تحذيرا، لذا لم يهرع الناس إلى الملاجئ”.
وأضاف “يتعين تصميم أجهزة الإنذار على نحو يتسبب في إزعاج السكان فيما يلي ذلك إرسال رسائل باللغات المحلية تشرح ما يجب فعله. من شأن هذا أن يؤدي إلى إنقاذ الكثير من الأرواح بشكل تلقائي.”
موجة حرّ شديدة في أوروبا
تسببت درجات الحرارة الحارقة في حدوث حرائق غابات في العديد من البلدان. قال مسؤولون محليون إن حريقا في إسبانيا أدى حتى الآن إلى إحراق ما لا يقل عن 4 آلاف هكتار من الأراضي. كما أبلغت إيطاليا وكرواتيا وفرنسا والبرتغال عن حرائق غابات مرتبطة بارتفاع درجات الحرارة هذا الأسبوع. فيما قال علماء إن موجات الحر أصبحت أكثر تواتراً وشدة بسبب تغير المناخ.
فيضانات سيدني
جلبت بداية شهر تموز/ يوليو المجموعة الرابعة من الفيضانات خلال 18 شهرا إلى ولاية نيو ساوث ويلز الأسترالية. وتأثرت منطقة سيدني الكبرى بشكل خاص، حيث شهدت تساقط أمطار غزيرة. وتحولت الطرق إلى أنهار مما أدى إلى إجلاء عشرات الآلاف من منازلهم.
أمطار موسمية في باكستان
تضرب العواصف باكستان منذ منتصف حزيران/ يونيو، مما أسفر عن مقتل أكثر من 70 شخصا وإلحاق أضرار بالمنازل والطرق والجسور ومحطات الطاقة. وقال وزير التغير المناخي إن الأمطار الأخيرة كانت أغزر بنسبة 87 في المائة من متوسط هطول الأمطار وإن باكستان يجب أن تكون مستعدة لمواجهة المزيد من الفيضانات حيث يتسبب ارتفاع درجات الحرارة في ذوبان الأنهار الجليدية في البلاد بشكل أسرع.
قيود على المياه في إيطاليا
بعد هطول أمطار شتوية شحيحة وشهور من الجفاف، أعلنت الحكومة الإيطالية حالة الطوارئ في خمس مناطق ستستمر حتى نهاية العام. فيما فرضت بعض المدن والمناطق قيودا على استخدام المياه. وتعتبر أخطر أزمة مياه منذ 70 عاما في منطقة حوض (بو) في البلاد، وهي منطقة حيوية للزراعة والثروة الحيوانية في إيطاليا.
حرائق الغابات في الولايات المتحدة
حتى قبل بدء موسم حرائق الغابات في الولايات المتحدة رسميا، اشتعلت النيران في أجزاء من البلاد. إذ اندلع حريق في شمال كاليفورنيا في بداية يوليو / تموز وتضاعف حجمه بين عشية وضحاها مما أدى إلى إجلاء مئات الأشخاص.
موجة حر في الصين
تعاني الصين من أسوأ موجة حر منذ عقود. ضربت الحرارة الحارقة أجزاء من البلاد في شهري حزيران/ يونيو وتموز/ يوليو، ومع ارتفاع الطلب لتشغيل أجهزة تكييف الهواء سجل الحمل على شبكات الكهرباء أرقاما قياسية. في غضون ذلك، عانت عدة مناطق جنوبية من أمطار غزيرة وفيضانات. ويعود السبب في ذلك إلى التغير المناخي.
انهيارات الأرضية في شمال شرق البرازيل
تسببت الانهيارات الأرضية والفيضانات في أعقاب الأمطار الغزيرة في القضاء على المساكن في ولاية بيرنامبوكو شمال شرق البرازيل في أيار/ مايو، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 100 شخص. فالأحياء الفقيرة المبنية على سفوح التلال معرضة لمثل هذه الكوارث ويقول الخبراء إن تغير المناخ يساهم في زيادة هطول الأمطار.
جنوب أفريقيا أمطار غزيرة
في أبريل/ نيسان، ضربت أمطار غزيرة الساحل الشرقي لجنوب إفريقيا، مما تسبب في فيضانات وانهيارات أرضية أودت بحياة أكثر من 400 شخص ودمرت أكثر من 12 ألف منزل وأجبرت ما يقدر بنحو 40 ألف شخص على ترك منازلهم.
استمرار الجفاف في شرق إفريقيا
تشهد منطقة شرق إفريقيا واحدة من أسوأ حالات الجفاف منذ عقود. حوالي 20 مليون شخص يواجهون خطر المجاعة هذا العام بعدما فاقم تأخر موسم الأمطار جفافا حادا. يقول علماء إن الانخفاض في موسم الأمطار الربيعي، المرتبط بالمياه الأكثر دفئا في المحيط الهندي، يتسبب في هطول الأمطار بسرعة فوق المحيط قبل الوصول إلى اليابسة.