كريتر نت – متابعات
أيا كانت نتائج الحرب في أوكرانيا عسكريا ودبلوماسيا، فإن روسيا ستعود لترى أن منافسيها في مجال الغاز قد وضعوا أيديهم على حصصها في الأسواق، خاصة قطر التي لا تريد تضييع أية فرصة لتوقيع عقود الغاز.
وفيما كانت موسكو تعتقد أن العملية في أوكرانيا لن تستمر طويلا، وأن الأوروبيين لن يجدوا بدائل عن الغاز الروسي، تحركت الولايات المتحدة لمعاونة الدول الأوروبية على تعويض الإمدادات التي تأتي من روسيا، وخاصة منها ألمانيا.
ولعبت قطر دورا واضحا في مساعي تعويض الغاز الروسي من خلال الاستجابة لدعوة واشنطن إلى تزويد ألمانيا بالغاز، وكذلك من خلال عقد اتفاقيات كبرى طويلة المدى مع الصين، وهي الملعب الذي تراهن عليه روسيا لتحدي العقوبات الغربية المفروضة على غازها ونفطها.
ويقول خبراء في المجال إن روسيا بدأت تفقد الاتحاد الأوروبي بوصفه أكبر زبون للطاقة الروسية، وإن رهانها على أن أوروبا ستعاني بسبب تخليها عن الغاز الروسي لم يتحقق في وقت بحث فيه الأوروبيون عن بدائل بعضها مؤقت وقصير المدى وبعضها الآخر بعيد المدى.
وبالغ الروس في توقعاتهم بشأن صعوبة تعويض الغاز الذي يصدرونه إلى أوروبا، متناسين الأدوار التي يمكن أن تلعبها دولة قطر.
وأبرمت قطر صفقة ضخمة طويلة المدى لتزويد الصين بالغاز الطبيعي المسال، وتتشكّل الصفقة من جزأين، الأول هو اتفاقية مدتها 27 عاما تتضمن تزويد الصين بـ4 ملايين طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا، والثاني اتفاق استحواذ مؤسسة البترول الوطنية الصينية على حصة قدرها 5 في المئة في سلسلة الغاز الطبيعي المسال من مشروع توسعة حقل الشمال التابع لشركة قطر للطاقة.
وانخرطت الصين في موجة من النشاط لتوسيع مصادرها وأساليب إمدادها بالغاز منذ ما يزيد قليلا عن سنة قبل التدخل الروسي في أوكرانيا، لكن هذه الموجة زادت بعد أسابيع قليلة من بدء الحرب عبر توقيع اتفاقية شراء وبيع لمدة 10 سنوات بين شركة الصين للبترول والكيماويات (سينوبك) وقطر للبترول مقابل مليوني طن سنويا من الغاز الطبيعي المسال.
وشهد ديسمبر 2021 توقيع قطر عقدا رئيسيا آخر طويل المدى لتزويد الصين بالغاز الطبيعي المسال، بالإضافة إلى توقيع صفقة بين شركة قطر للطاقة ومجموعة “غوانغدونغ للطاقة المحدودة” بقيمة مليون طن سنويا من الغاز الطبيعي المسال، لتنطلق في 2024 وتنتهي في 2034 مع إمكانية تمديدها.
ومن الواضح أن الصين لم تترك نفسها للصدفة، وبادرت بتأمين حاجياتها من الغاز بصرف النظر عن متانة علاقتها بروسيا وعما يمكن أن تتلقاه من انتقادات روسية بشأن خضوع بكين للضغوط الأميركية التي تدفع نحو تقليل اعتماد العالم على الغاز الروسي.
◙ قطر لعبت دورا واضحا في مساعي تعويض الغاز الروسي بالاستجابة لدعوة تزويد ألمانيا وعقد اتفاقيات مع الصين
ومباشرة إثر التدخل الروسي في أوكرانيا، امتنعت الصين لفترة عن اتخاذ أي خطوة يمكن أن تُعتبر استفزازية في الولايات المتحدة وحلفائها، وخاصة جيران أوكرانيا في أوروبا.
وكانت بكين تعلم جيدا أن الولايات المتحدة قررت حشد حلفائها في الناتو للضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وكان مفتاح ذلك هو التأكد من أن لأوروبا إمدادات كافية من الغاز والنفط لتعويض تلك التي لم تعد تتلقاها من روسيا.
وكان من المهم أن تحصل ألمانيا على هذه الإمدادات، حيث كانت مشتريا ضخما للغاز والنفط الروسيين.
ولن تنجح الخطة الأميركية ولن يواجه غزو روسيا لأوكرانيا أي عواقب وخيمة دون دعم ألمانيا لعقوبات واسعة النطاق على الغاز والنفط الروسييْن. وكانت الحاجة ملحة إلى استبدال الإمدادات الروسية.
وبرزت قطر كمرشح رئيسي لتعويض الإمدادات الروسية، وذلك لعلاقاتها الجيدة مع الولايات المتحدة، وخاصة أن لديها ثالث أكبر احتياطي للغاز في العالم (بعد روسيا ثم إيران)، ويقدر بحوالي 872 تريليون قدم مكعبة.
◙ الصين انخرطت في موجة من النشاط لتوسيع مصادرها وأساليب إمدادها بالغاز منذ ما يزيد قليلا عن سنة قبل التدخل الروسي في أوكرانيا
وشهد مايو 2022 توقيع قطر على إعلان نوايا بشأن التعاون في مجال الطاقة مع ألمانيا بهدف أن تصبح قطر مصدرها الرئيسي للغاز الطبيعي المسال، وذلك في ظل خطط قطرية لتوفير إمدادات كبيرة من الغاز الطبيعي المسال لألمانيا من محطة غولدن باس على ساحل خليج تكساس.
وتمتلك شركة قطر للطاقة 70 في المئة من المشروع، بينما تمتلك شركة إكسون موبيل الأميركية النسبة المتبقية. ومن المتوقع أن تبلغ سعة الإرسال المقدرة لمحطة غولدن باس حوالي 18 مليون طن متري سنويا من الغاز الطبيعي المسال ومن المنتظر أن ينطلق تشغيل المنشأة سنة 2024.
كما تم توقيع اتفاقيتي بيع وشراء بين شركة قطر إنرجي وشركة كونوكو فيليبس الأميركية في ديسمبر 2022 لتصدير الغاز الطبيعي المسال إلى ألمانيا لمدة 15 عاما على الأقل اعتبارا من 2026. وزودت هذه الصفقات ألمانيا بمليوني طن سنويا من الغاز الطبيعي المسال من رأس لفان في قطر إلى محطة الغاز الطبيعي المسال في برونسبوتل بشمال ألمانيا، وفقا للرئيس التنفيذي لشركة قطر للطاقة سعد الكعبي، الذي شغل في الوقت نفسه منصب وزير الطاقة في قطر.