محمد سبتي
صحفي أردني
ما يزال الإرهاب يشكّل الخطر الرئيسي الذي يهدد الأمن والسلم والاقتصاد الدولي، خاصة أنّ جائحة كورونا شكلت فرصة للعديد من التنظيمات المتطرفة والإرهابية لإعادة تنظيم صفوفها والتمركز مجدداً في مناطق الأزمات والصراعات، في ظل انشغال الحكومات بالتصدي لهذه الجائحة، التي تبعتها الحرب الروسية الأوكرانية، والتي جعلت مواجهة الإرهاب العالمي ليست على سلم أولويات الكثير من الدول التي ساهمت بشكل فاعل في محاصرة الكثير من التنظيمات المتطرفة في الشرق الأوسط وفي أفريقيا.
ورغم أنّ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سجّلت (791) حالة وفاة بسبب العمليات الارهابية فقط في عام 2022، وهو انخفاض بنسبة 32%، وأقل رقم سجلته المنطقة منذ عام 2013، وفق تقرير مؤشر الإرهاب العالمي الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام (IEP)، إلا أنّ هذا لا يعني القضاء على التنظيمات الإرهابية التي تنتظر بفارغ الصبر فرصة لإعادة تشكيل صفوفها، وجمع شملها، حسبما ذكرت شبكة (سي إن إن).
وبسبب تركيز الدول الكبرى على نقاط التوتر الدولية والحرب في أوكرانيا على حساب مواجهة المجموعات الجهادية، خصصت الأمم المتحدة أسبوعاً لمراجعة استراتيجية مكافحة الإرهاب، قبل أن تقر الجمعية العامة وثيقة تحدد أولويات هذه الاستراتيجية للأعوام المقبلة، لكن خلف الإجماع على مكافحة المجموعات المنبثقة عن تنظيم داعش وتنظيم القاعدة، ينصب الاهتمام على الصراعات الجيوسياسية.
ورأى المحلل المتخصص في الجهاد والنزاعات في منظمة “مجموعة الأزمات” جيروم دريفون، في تصريح نقلته (فرانس برس)، أنّ الحرب في أوكرانيا “جعلت القوى الكبرى تدرك أنّ الدول غير مهيّأة للمواجهات الكبرى من الناحية اللوجستية والإنتاج العسكري”.
وأشار إلى أنّ الأمريكيين اليوم “لم يعودوا مهتمين إطلاقاً بمواجهة الإرهاب”، لافتاً إلى أنّه في منطقة الساحل “لم يتم استبدال الانسحاب الفرنسي بوسائل أخرى”.
وعلى صعيد الاستخبارات، لفت عنصر في الوكالات الفرنسية إلى أنّه بعدما استأثرت مكافحة الإرهاب لفترة طويلة بجهود أفضل العملاء، اليوم بات “الجميع يريد العمل على ملف روسيا”.
وأوضح مدير الأبحاث في مجموعة سوفان الأمريكية الخاص بالاستخبارات والأمن كولين كلارك أنّ “الولايات المتحدة وحلفاءها يبنون اليوم السياسة الخارجية على مفهوم المنافسة بين القوى الكبرى”.
وحدد نقطة التحول في الذكرى الـ (20) لاعتداءات 11 أيلول )سبتمبر)، حين “شعرنا حقاً بوجود إنهاك حيال مكافحة الإرهاب”، مؤكداً أنّ “أوكرانيا لم تكن منطلق هذا التوجه، لكنّها سرّعته… انتقلنا من طرف إلى نقيضه”.
ويسجل هذا التوجه في وقت تعزز فيه المجموعات الموالية لتنظيم داعش أو القاعدة مواقعها وتزيد قدراتها في أنحاء مختلفة من العالم مثل الشرق الأوسط وأفغانستان وباكستان وخصوصاً أفريقيا.
وأورد تقرير أعده مؤخراً خبراء من الأمم المتحدة أنّ المجموعات الإرهابية “تحظى بحرية تحرك أكبر في ظل حكم طالبان” في كابل، وهي “تحسن استغلالها”، وتشكل تهديداً متزايداً “سواء في أفغانستان أو في المنطقة”.
أمّا أفريقيا، فقد تحولت إلى موئل للجماعات الجهادية التي باتت تنشط في الصومال وليبيا ومصر وجمهورية الكونغو الديمقراطية والموزمبيق والساحل، وتسعى للوصول إلى خليج غينيا، وهي تمدد شبكتها بوجه أسرة دولية لا تملك أيّ وسيلة حيالها.
ورأى مدير مركز الدراسات “مشروع مكافحة التطرف” والخبير السابق لدى الأمم المتحدة هانس ياكوب شيندلر أنّ هناك “سوء تقدير كامل للخطر في أفريقيا”، وقال إنّه في الساحل “نتحدث عن هجمات إرهابية تحدث بأعداد أكبر من أيّ مكان آخر في العالم، غير بعيد عمّا كنا نواجهه في ذروة العمليات في أفغانستان قبل (20) عاماً”، مضيفاً: “لكن هذا غرب أفريقيا، وأعتقد أنّها ليست في الواجهة، ولا تمثل ربما مصلحة”.
ومع انسحاب قوة (برخان) الفرنسية لمكافحة الجهاديين، نشرت مجموعة (فاغنر) الروسية للمرتزقة عناصرها في مالي، ولو أنّ باماكو تنفي ذلك، في مؤشر إلى كيفية توظيف مكافحة الإرهاب في الصراع على النفوذ بين القوى الكبرى، ولفت هانس ياكوب شيندلر إلى أنّ “فاغنر تنتشر في المنطقة، ممّا سيفاقم الوضع بالطبع”.
وأكد جيروم دريفون “إذا لم نتمكن من القضاء على التنظيمات الإرهابية خلال (20) عاماً، فسيتحتم إيجاد حلول بديلة، لن نتمكن من تسوية كل النزاعات بوساطة الطائرات المسيّرة”.
وقال: إنّ المجموعات الجهادية “لديها أهداف متطرفة، لكن ربما يمكن حملها على التفاوض حول بعض المسائل المتعلقة بتقاسم محدود للسلطة”.
وفي هذه الأثناء، توسع المجموعات دائرة عملياتها. وكتب الباحث في معهد (أوبزيرفر ريسيترش فاونديشن) في نيودلهي كبير تانيجا أنّ “التشققات في النظام العالمي تعطي المجموعات الإرهابية مساحة واسعة لإعادة تجميع صفوفها وإعادة تنظيمها” من دول المشرق إلى أفغانستان.
وتستفيد هذه المجموعات من كلّ أزمة وكلّ خلاف. ويرى المحلل أنّ “المجموعات الإرهابية والمتطرفة التي تحسن استغلال الفوضى السياسية قد تستفيد منها في نهاية المطاف خلال الأعوام المقبلة”.
إنّ استفادة التنظيمات الإرهابية لم تتوقف عند حدود الحرب الأوكرانية الروسية، بل تجاوزتها لتصل إلى السودان، حيث إنّ هناك ظروفاً سياسية وأمنية تدفع التنظيمات المتطرفة لمعاودة نشاطها داخل السودان، وهناك بعض التقارير التي تشير إلى أنّ الإخوان في السودان، أو ما يطلق عليهم الكيزان، هم من شاركوا في صناعة الأحداث بهذه الصورة، لكي يستطيعوا أن يستفيدوا من واقع الحرب والفوضى التي عمّت البلاد.
وتناول مركز (تريند) في دراسة له نشرها عبر موقعه الإلكتروني انعكاسات مخاطر الحرب الدائرة في الداخل السوداني على انتشار ظاهرة الإرهاب وموجات هجرة التنظيمات المتطرفة إلى داخل العاصمة السودانية الخرطوم، وتهديد هذه التنظيمات لدول الجوار الملاصقة لها، وفي مقدمتها مصر التي تقع شمال السودان.
وأضاف المركز أنّ السودان في عهد رئيسها السابق عمر البشير قدمت الدعم والتسليح لكل جماعات العنف والتطرف، بدءاً من تنظيم قاعدة الجهاد، مروراً بالجماعة الإسلامية المسلحة في مصر، وانتهاءً بحركة الإخوان المسلمين بعد عام 2013.
وأشار المركز إلى أنّ الحرب الدائرة داخل السودان يمكن أن تنعكس على تدفقات المجموعات الإرهابية التي تنشط داخل قارة أفريقيا؛ وهنا سوف يُصبح السودان مرتكزاً لجماعات العنف والتطرف، وستأتيه هذه التنظيمات من العواصم الأفريقية في مناطق الساحل والصحراء والقرن الأفريقي، وسوف تنزح منه أيضاً لتهديد أمن البلاد المجاورة، وهو ما سوف يُشكّل تهديداً لأمن المنطقة وقارة أوروبا.
كما أنّ الحدود المشتركة للسودان مع مصر وليبيا وتشاد وإثيوبيا سوف تُساعد كثيراً في تعزيز وجود الإرهاب، وفي نقل خطره إلى منطقة الشرق الأوسط وإلى داخل قارة أوروبا، والأخطر أنّ الخرطوم سوف تكون مركز التقاء التنظيمات المتطرفة، كما أنّها سوف تكون مركز التنسيق أيضاً، وهو ما يُشكّل خطراً على أمن القارة والمنطقة، ومنه سوف يصل هذا الخطر إلى قارات أخرى.
إنّ تنامي جماعات العنف والتطرف، سواء المحلية أو العابرة للحدود والقارات في بعض البلدان الأفريقية، مثل القاعدة وداعش في مناطق شاسعة من بلدان مثل بوركينا فاسو ومالي، سينعكس بصورة أكبر على السودان، فقد تنزح هذه المجموعات إلى الداخل لاستغلال الأوضاع المضطربة.
كما أنَّه من المحتمل أن تستغل جماعات العنف والتطرف الموجودة في أفريقيا الفراغ الاستراتيجي في ظل الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في الانتشار وإعادة تمركزها داخل السودان، وقد تتحوّل الخرطوم إلى مصدر خطر حقيقي للإرهاب في المنطقة بأكملها، وسوف تتحوّل إلى (أفغانستان جديدة) بعد أن تتجمع فيها التنظيمات المتطرفة.
المآلات الخطيرة التي يفرضها الوضع داخل السودان تتحمل مسؤوليتها القوى السياسية والأمنية العالمية المهتمة بشكل كبير بالأزمة الأوكرانية، ولا يُعفى منها المجتمع الدولي، ولا الدول الفاعلة التي لم تحتوِ الموقف، وهو ما سوف ينعكس على حالة الأمن الإقليمي والدولي معاً.
المصدر عن حفريات