وضاح الجليل
توالت التحذيرات الدولية من خطورة الظواهر والتقلبات المناخية المتطرفة على الوضع الإنساني والمعيشي في اليمن، في وقت يعاني فيه السكان من أضرار كبيرة خلّفتها الفيضانات خلال الأشهر الماضية، وانتشار أمراض الحميات والأوبئة.
فمنذ أيام حذرت الأمم المتحدة مجدداً من عودة الفيضانات التي قالت إنها قد تضرب عدداً من المحافظات اليمنية خلال هذا الشهر، بعودة موسم الأمطار الأخير خلال العام، الذي يستمر عادة حتى قرب نهاية أغسطس (آب) المقبل.
وحددت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) محافظات ذمار وإب والضالع ولحج وتعز؛ كمناطق يتوقع أن تشهد فيضانات بفعل احتمالية هطول أمطار غزيرة عليها، وقدرت أعداد الذين سيتأثرون بهذه الفيضانات بـ1500 شخص، داعية إلى اليقظة والحذر.
ووفقاً لمجموعة الإيواء التي تضم المنظمات الأممية العاملة في المجال الإغاثي في اليمن؛ ارتفع عدد المتضررين من الأمطار الغزيرة والفيضانات التي هطلت على اليمن منذ مارس (آذار)، حتى 24 يونيو (تموز) الماضيين، إلى أكثر من 300 ألف شخص، وفق أحدث البيانات، بينما لحقت أضرار بأكثر من 44 ألف أسرة، عدد أفرادها 308 آلاف شخص في أكثر من 100 مديرية في 19 محافظة.
جاءت الحديدة (غرب) في أعلى ترتيب المحافظات الأكثر تضرراً من الفيضانات، حيث تضررت 27700 أسرة، وحلت محافظة عدن في المرتبة الثانية في عدد الأسر المتضررة بـ12300 أسرة، ثم محافظة إب في المرتبة الثالثة بعدد 1600 أسرة، بينما تضررت 1500 أسرة في صنعاء، و1200 أسرة في محافظة صعدة.
وبحسب مجموعة الإيواء، فإن الاستجابة الإنسانية للمتضررين من هذه الفيضانات تشهد فجوات كبيرة تتراوح بين 60 إلى 96 في المائة، وبمتوسط إجمالي 72 في المائة، من مقدار الاحتياجات وخلطات المواد غير الغذائية ومأوى الطوارئ، في طليعة الاحتياجات الإنسانية للمتضررين من الفيضانات.
تنوع طوبوغرافي
يذهب أستاذ البيئة في جامعة الحديدة عبد القادر الخراز، في حديثه مع «الشرق الأوسط»، إلى أن اليمن ليست بمعزل عن التغيرات المناخية في العالم، وهي من أكثر الدول التي تتأثر بتغيرات المناخ العالمي، وإن كانت ليست من الدول التي تمتلك صناعات ثقيلة تساهم في وقوع التغير المناخي العالمي.
ويشير الخراز إلى أن اليمن تتميز بتنوع طوبوغرافي أدى إلى تنوع المظاهر المناخية مثل تنوع كميات الأمطار، التي تأثرت خلال الأعوام الأخيرة بالتغير المناخي فأصبحت تهطل بكميات لم تكن مألوفة، وتحولت إلى عاصفية، وتحدث في مواسم أخرى غير مواسمها المعروفة سابقاُ، وبالرغم من ذلك؛ فغالبية المناطق تعاني من الجفاف والتصحر.
ودعا إلى الاستفادة من إيجابيات التغير المناخي، لأن ما يحدث حالياً هو النظر إلى السلبيات والأضرار فقط، فكميات الأمطار الغزيرة مثلاً يمكن الاستفادة منها بمنع تسربها إلى البحر وتخزينها لزيادة الاحتياطي المائي للبلاد، ومواجهة الجفاف والتصحر كما يمكن توعية المزارعين بالاستفادة من تغير مواسم الأمطار والتكيف معها لتجنب الخسائر وضياع جهودهم.
وطالب الخراز بتكييف برامج الدعم الموجه لمشاريع مواجهة التغير المناخي لتغدو مشاريع تنموية إلى جانب كونها مشاريع مواجهة الأضرار المناخية، كالعمل على حماية السكان ومساعدتهم لتعويض خسائرهم، وتوعيتهم بالتغيرات المناخية وكيفية التعامل معها، فلا يمكن إيقاف التغير المناخي، لكن بالإمكان التخفيف من أضراره والاستفادة من إيجابياته.
من نعمة إلى نقمة
بينما يستبشر اليمنيون خيراً بالأمطار التي يستغلونها لزراعة كثير من المحاصيل الموسمية، مثل الحبوب بأنواعها؛ يرى المهندس الزراعي سمير عبد الجبار أن الأمطار خلال السنوات الأخيرة تحولت إلى نقمة على اليمنيين، خصوصاً مع عدم توافر بنى تحتية كافية لاستيعاب كمية الأمطار والسيول المتدفقة خلال السنوات الأخيرة والمقبلة.
ونوّه عبد الجبار في حديثه مع «الشرق الأوسط» إلى أن هذه الأمطار ستصل بالمزارعين إلى تجريف أغلب أراضيهم الزراعية، حتى التربة التي تنمو عليها الأشجار والحشائش خارج الأراضي الزراعية، ما يهدد بتحول مناخي عنيف حسب توقعه، يؤدي إلى الجفاف وارتفاع درجة الحرارة.
وتوقع أن ذلك ستتبعه بالضرورة ندرة الأمطار مستقبلاً، ومن ثم الجفاف، إذ إن الغطاء النباتي يساهم في هطول الأمطار بشكل كبير، لكن إذا استمرت الأمطار في جرف هذا الغطاء والتربة التي ينمو عليها؛ فإن ذلك سيساهم إلى جانب عوامل أخرى في تراجع كمية الأمطار إلى حد كبير.
التغير المناخي وصحة السكان
تتهم الأوساط الطبية – من ناحية أخرى – التغيرات المناخية وآثارها الكارثية بالتسبب في حالات وبائية خطيرة على صحة اليمنيين، خصوصاً في المناطق المنخفضة.
ففي أوائل الشهر الماضي، أعلنت السلطات الصحية في مأرب عن وقوع أكثر من 1000 إصابة بين النازحين في المخيمات، بينما أعلنت نظيرتها في حضرموت منتصف الشهر نفسه عن وصول الإصابات إلى أكثر من 1600 حالة إصابة في المحافظة الواقعة شرق البلاد برغم أنها من أقل المحافظات اليمنية في الكثافة السكانية، بسبب هطول الأمطار على مناطق وادي سيئون، ما أدى إلى تكاثر البعوض.
وسجلت محافظة تعز (جنوب غرب)، وهي الأكثر سكاناً والثانية من حيث الكثافة، أكثر من 9 آلاف إصابة بحميات مختلفة، منها الضنك والملاريا والشيكونغونيا منذ مطلع العام الحالي حتى أوائل مايو (أيار) الماضي، وفقاً لمكتب الصحة في المحافظة.
وتشكو الأوساط الطبية اليمنية من عجز القطاع الصحي في اليمن عن مواجهة الحالات الصحية التي تستقبلها منشآته خلال مواسم الأمطار، في وقت لا تولي فيه الجهات الدولية التي تقدم المعونات الطبية لليمن الحميات التي تنتشر في مواسم الأمطار الاهتمام الكافي، رغم أنها تكون عادة مسببة لوفيات كثيرة.
وبالعودة للخبير البيئي عبد القادر الخراز؛ فإن الأمطار الغزيرة والفيضانات والتلوث البيئي من أهم أسباب انتشار الأمراض الخطيرة، بما فيها الحميات، فالمستنقعات التي تنشأ خلال مواسم الأمطار من أهم مراكز تكاثر البعوض الناقل للأمراض، إضافة إلى جرف القمامة إلى المناطق المأهولة، وزيادة رطوبتها، ما يتسبب في زيادة تكاثر البكتيريا والفيروسات، ويؤدي تكرار هطول الأمطار الغزيرة إلى استمرار انتشار الأمراض لوقت طويل.
وإلى جانب ذلك، فإن كثيراً من محطات الصرف الصحي تقع في مجاري السيول والوديان، ما يساهم في نقل محتويات الصرف إلى المستنقعات والأراضي الزراعية.
كما أن التلوث الهوائي في اليمن بسبب محطات الطاقة الكهربائية وحقول النفط التي تغير من خصائص ومكونات الهواء، ينتج أمراضاً تحسسية في الجهاز التنفسي والجلد حتى بعض أنواع السرطان.
المصدر الشرق الأوسط