كريتر نت – متابعات
تتجه الأزمة المستجدة بين إيران من جهة والكويت والسعودية من جهة ثانية نحو المزيد من التصعيد، لاسيما بعد رفض طهران أي مفاوضات لترسيم الحدود البحرية، قبل الاتفاق على تقاسم حقل “الدرة”، وهو الأمر المرفوض كليا من قبل الكويت والرياض.
ورفضت إيران دعوات التفاوض من الجانبين السعودي والكويتي لترسيم الحدود البحرية فيما بينها، ما يشي بأن الأزمة التي استجدت مؤخرا بين الأطراف الثلاثة مرشحة للتفاقم.
ولم تنجح المحادثات التي عقدت خلال الأيام القليلة الماضية بين وزيري خارجية إيران والكويت على هامش الاجتماع الوزاري لحركة عدم الانحياز في باكو، واللقاء الذي جمع وزير النفط الإيراني ووزير الطاقة السعودي على هامش مؤتمر أوبك في فيينا، في تبديد التوتر الذي برز على خلفية النزاع حول حقل الدرة للغاز.
وعاد التوتر بين إيران من جهة والكويت والسعودية من جهة ثانية، بعد تهديد طهران ببدء الحفر والتنقيب في الحقل الذي تقول التوقعات إنه يحتوي على نحو مليار قدم مكعبة من الغاز الطبيعي وقرابة 84 ألف برميل من النفط والمكثفات النفطية.
وعلى مدار الأيام الماضية وجهت كل من الكويت والرياض دعوات لإيران لترسيم الحدود بينها، مشددتان على أن حقل الدرة، الذي تطلق عليه طهران اسم “آرش” وتزعم أنها تمتلك أكثر من ثلثه، هما صاحبتا الحقوق الحصرية عليه.
إيران تعتبر أن حصتها من حقل “الدرة” تزيد على 40 في المئة، وتقول إنها لن تتراجع عن حقها لأي سبب كان
وقال مصدر رفيع المستوى بوزارة الخارجية الإيرانية الجمعة، إن بلاده لن تستجيب لدعوة الكويت والسعودية للعودة إلى مفاوضات ترسيم الحدود البحرية في الحد الشرقي للمنطقة المقسومة المغمورة، التي يقع فيها حقل الدرة.
ونقلت صحيفة “الجريدة” الكويتية عن المصدر الإيراني، قوله إن طهران تعتبر أن الكويت ترسل رسائل متناقضة في شأن “الترسيم”، بتأكيدها عبر وزارتي الخارجية والنفط أنها لا تعترف بأي حق لإيران في حقل الدرة، وهذا، بحسب تقدير الإيرانيين، يعني أنه لا معنى لموافقة طهران على دعوات الخارجية الكويتية ونظيرتها السعودية للعودة إلى مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع البلدين.
ولفت المصدر إلى أنه في ضوء الوضع الراهن، فإن نتيجة المفاوضات بالنسبة إلى الكويت والرياض محسومة مسبقا، وشدد على أن بلاده تتمسك بحل الخلاف عبر الدبلوماسية… وأن التفاوض حول الحدود يجب أن يكون ثنائيا مع الكويت، في إشارة إلى رفض طهران أن تكون الرياض طرفا ثالثا في المفاوضات.
وأوضح المصدر أن إيران تعتبر أن حصتها من “الدرة” تزيد على 40 في المئة، ولن تتراجع عن حقها لأي سبب كان، مضيفا أن عدم التوصل إلى اتفاق بين الدول الثلاث لن يكون لمصلحة أي طرف، لأن ذلك سيطلق سباقا لسحب موارد الحقل.
وزعم أن المسؤولين الإيرانيين، في كل تصريحاتهم، كانوا يؤكدون أن الحقل مشترك بين إيران والكويت والسعودية، لكن الكويت والرياض بدأتا أخيرا في التصريح بأنه لا حق لطهران في الحقل، وهذا ما ترفضه إيران، وبالتالي لن تجري أي مفاوضات على ترسيم الحدود قبل أن يقبل الطرف المقابل، وما دام ترسيم الحدود البحرية لم يتم بشكل رسمي بين الجانبين فإن موضوع استخراج الثروات يجب أن يتم الاتفاق عليه، أو أن يقوم كل جانب باستخراج الثروات بشكل أحادي، وهذا الأمر ليس مفضلا لدى إيران، لكن ستكون مجبرة على القيام بهذه الخطوات ردا على الموقف الكويتي ــ السعودي.
وأشار المصدر إلى أن موضوع الخلاف على ترسيم الحدود وحصص الدول المعنية في هذا الحقل يعود لأكثر من خمسين عاما، وإصرار الكويت والسعودية على عقد اتفاق ثنائي “غير شرعي” لاستخراج الغاز والنفط من الحقل دون إعطاء حصة لإيران، في إشارة إلى الاتفاق الموقع بين البلدين في مارس 2022 لاستثمار الحقل عبر شركة مشتركة، يعني أن البلدين يريدان فرض أمر واقع، وبالتالي على طهران القيام بالمثل ومحاولة فرض أمر واقع بدورها والبدء بالحفر.
رفض إيران التفاوض بشأن ترسيم الحدود قبل الاتفاق على تقاسم حقل الدرة، يعني أن الأمور تسير باتجاه التصعيد
وكان المدير التنفيذي لشركة النفط الوطنية الإيرانية محسن خجسته مهر صرح الأسبوع الماضي “نحن جاهزون تماما لبدء عمليات الحفر في حقل آرش”، وفق ما نقلت عنه وكالة أنباء فارس الإيرانية.
وقد أثار هذا التلويح الإيراني الذي لم ينفذ بعد غضب الكويت والسعودية، اللتين وإن دعتا إيران إلى التفاوض لكنهما شددتا على أن لهما “وحدهما كامل الحقوق السيادية لاستغلال الثروات في تلك المنطقة”.
ويرى متابعون أن رفض إيران التفاوض بشأن ترسيم الحدود قبل الاتفاق على تقاسم حقل الدرة، يعني أن الأمور تسير باتجاه التصعيد، وهذا من شأنه أن ينعكس بشكل سلبي على أجواء المصالحة بين إيران والسعودية والتي تحققت برعاية صينية.
ويشير المتابعون إلى أنه من غير المنتظر رؤية أي تنازل من قبل الجانب السعودي، ولاسيما الكويتي الذي يراهن على هذا الحقل لمضاعفة احتياطاته من الغاز الطبيعي، لافتين إلى أن المسار الحالي يشير إلى إمكانية اللجوء إلى التحكيم الدولي.
وتبعد السواحل الإيرانية عن الحد الشرقي للمنطقة المغمورة ضِعْف بُعْد السواحل الكويتية والسعودية عن الحد الشرقي، ما يجعل مطالبة إيران بأن يكون لها نصيب في ملكية حقل الدرة بعيدة عن المنطق.
وتماطل طهران في ترسيم الحدود بينها وبين الكويت والسعودية لأن أي ترسيم يجعل الخط الفاصل للحدود البحرية بعيدا بعشرات الأميال عن الحد الشرقي للمنطقة المغمورة، التي تعد – فضلا عن المسافات – جزءا موصولا بالجرف القاري السعودي والكويتي.
ويقول مراقبون إنه حتى لو أرادت إيران أن تحسب المسافة انطلاقا من جزيرة خرج الإيرانية، فإنه سيكون من الطبيعي للكويت أن تحسب المسافة انطلاقا من جزيرة فيلكة، وبالتالي تظل النتيجة هي نفسها لأن خرج تبعد عن الدرة ضِعْف بُعْد فيلكة عن الحقل.