كريتر نت – متابعات
عندما وقعت السعودية وإيران اتفاق المصالحة بينهما برعاية الصين في 10 مارس الماضي، اعتبر المحللون السياسيون في المنطقة العربية والعالم، وحتى بعض الدبلوماسيين، أن إنهاء الحرب في اليمن هي الاختبار الحقيقي لمتانة هذا التقارب الذي جاء بعد قرابة سبع سنوات من التوتر الحاد المستمر بين الدولتين.
مضى ما يقارب 4 أشهر على ذلك الاتفاق، اتخذت المملكة العربية السعودية خلالها خطوات عملية في إثبات حسن النية لاجتياز هذا الاختبار، حيث أوقفت تدخلها العسكري ضد ذراع إيران في اليمن، وقادت جهوداً دبلوماسية عبر سفيرها في اليمن، وبالتشارك مع سلطنة عمان، للتفاوض مع الحوثيين حول إجراءات إنهاء الحرب وإعادة الإعمار. وأبعد من ذلك، ما زالت السعودية تضغط على حلفائها من الأطراف اليمنية المناهضة للحوثيين للقبول بنتائج المفاوضات مع المليشيا، والتزام ضبط النفس تجاه خروق الأخيرة للهدنة التي دخلت عامها الثاني في أبريل الماضي. ورغم تصعيد المليشيا وخروقها للهدنة على أكثر من جبهة، وتحشيدها المستمر لمقاتليها وتهديدها باستئناف الحرب، ما زالت السعودية ماضية في سعيها إلى إنهاء تدخلها العسكري والضغط على خصوم الحوثيين من الأطراف اليمنية الأخرى، بوقف التصعيد العسكري أيضاً.
ماذا فعلت إيران؟
بالمقابل، لم تكتفِ إيران بعدم ممارستها أي ضغط على ذراعها في اليمن وحسب، بل استمرت في إرسال أسلحة إليها -الشحنة المضبوطة مؤخراً في مياه البحر العربي خير دليل على ذلك. وبينما انشغل خصوم الحوثيين، الذين تشكل منهم رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي، بخلافاتهم البينية، وجدت المليشيا الحوثية فرصة في الوقت الذي أتاحته الهدنة حتى الآن، لمزيد من الاستعداد لجولة قادمة من الحرب، والمضي قُدماً في استفزاز الأطراف الممثلة في المجلس الرئاسي والتمادي في تضييق الخناق اقتصادياً على المناطق المحررة.
لم تكن مليشيا الحوثي لتتمادى في التهديد والتصعيد الاستفزازي لمجلس القيادة الرئاسي لو كانت إيران تمارس عليها ضغطاً مماثلاً لما تفعله السعودية من الأطراف الممثلة في المجلس، ناهيك عن استغلالها للخلافات التي تطفح بين وقت وآخر من هذا الكيان الجامع الذي يعول عليه اليمنيون قبل الحلفاء الإقليميين، في كسر شوكة المليشيا المستقوية بدعم إيران سياسياً وعسكرياً.
إضافة لذلك، وبينما مضت إجراءات التقارب الإيراني السعودي في إعادة فتح السفارات وتبادل الزيارات بين الجانبين، رمت إيران بتصريح رسمي خطير على لسان رئيس شركتها النفطية الوطنية، محسن خجسته مهر، أواخر يونيو الماضي، وبالتزامن مع حلول عيد الأضحى. إعلان المسؤول النفطي الإيراني عن اعتزام بلاده التنقيب في “حقل الدرة” الغني بالنفط والغاز الواقع في “المنطقة المغمورة المقسمة” في الحدود البحرية بين الكويت والسعودية. وأضاف المسؤول الإيراني: “وافقنا على تخصيص موارد كبيرة لتنفيذ خطة تطوير هذا الحقل في مجلس إدارة شركة النفط الوطنية الإيرانية، وسنبدأ الحفر مع تهيئة الظروف”.
ماذا تعني “تهيئة الظروف”؟
في معرض تشكيكها في نوايا إيران على المدى الطويل في مسألة تقاربها مع السعودية، أشارت وسائل إعلام أمريكية في مايو الماضي إلى تصريح مسرب عن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي أثناء اجتماع عقده في يناير الماضي مع كبار مسؤولي الأمن، قال فيه إن المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني قام بتنفيذ تحوّل سلوكي مؤقت في المنطقة من أجل تخفيف الضغط على النظام في الداخل، حتى يحين الوقت لإنهاء أزمة الاحتجاجات الشعبية ضد النظام التي بدأت في سبتمبر 2022. وبحسب التسريب الذي نشره معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، لوح خامنئي “باستخدام إجراءات أكثر صرامة وحتى أكثر سرية وتحقيق الاستقرار”.
المجلس الأعلى للأمن القومي هو الجهة المسؤولة رسمياً عن المفاوضات الأمنية مع الدول المجاورة لإيران، بما في ذلك الاتفاق الذي وقعه في بكين علي شمخاني بصفته أميناً للمجلس، مع مساعد بن محمد العيبان، مستشار الأمن الوطني السعودي. في مايو الماضي عين الرئيس الإيراني أميناً جديداً للمجلس الأعلى للأمن القومي هو علي أكبر أحمديان، قبل انتهاء فترة شمخاني بثلاثة أشهر.
ورغم أن التصريح الذي استفز كلاً من الكويت والسعودية لم يأتِ على لسان مسؤول كبير في الدولة الإيرانية، إلا أن المراقبين للعلاقات الإقليمية في المنطقة نظروا إليه باعتباره رسالة لم تتضح معالمها بعد، ولكن فحواها “أنّ لا شيء يمكن أن يحصل في الخليج من دون موافقة إيران”- بحسب الكاتب خير الله خير الله.
الاختبار الجديد يزيد من هشاشة التقارب
أضاف خير الله، في مقاله ليوم الأحد، إن “أكثر ما يثير الغرابة، أن الكلام التصعيدي الإيراني في شأن حقل الدرّة، جاء بعد جولة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان على دول الخليج”، وأن الكويتيين سمعوا من عبداللهيان تحديداً “كل رغبة صادقة بالتعاون وأنه يجب تفعيل اللجان المشتركة للبحث في كل المواضيع بما فيها قضايا الحدود والترسيم”.
وأشار الكاتب إلى أن “هذه ليست المرة الأولى التي تهدد فيها إيران ببدء الحفر، لكن توقيتها الجديد يتزامن مع قرب انتهاء المخططات الدراسية التي طلبتها الكويت والسعودية لبدء العمل في الحقل، وربما في بداية آب – أغسطس المقبل”.
وتساءل الكاتب “ما الذي تريد إيران قوله في هذه الأيّام؟ الواضح أن الرسالة التي تودّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” توجيهها ليست إلى الكويت والمملكة العربيّة السعوديّة فحسب، بل هي أيضاً رسالة إلى الولايات المتحدة والقوى الدولية الأخرى”. وتابع: “ليس السلوك الإيراني تجاه الكويت سوى نموذج عن توجه معتمد من طهران في كلّ أنحاء المنطقة: في العراق وسوريا ولبنان واليمن وفي البحرين” ستكشف الأيّام المقبلة لماذا هذا التصرّف الإيراني الغريب والمستغرب في التعاطي مع دولتين عربيتين خليجيتين تعملان من أجل علاقة طبيعية بينهما من جهة وبين “الجمهوريّة الإسلاميّة” من جهة أخرى”.
وإلى ذلك، علق الأكاديمي الإماراتي عبدالخالق عبدالله، الثلاثاء، على الاستفزاز الإيراني الأخير بخصوص حقل الدرة، بأنه يهدد التقارب الخليجي الإيراني عموماً، واصفاً هذا التقارب بأنه “هش وفي خطر وقد لا يستمر طويلاً”، وذلك بسبب “التطاول الإيراني السافر على حقل نفطي كويتي سعودي”.
وأضاف الأكاديمي الإماراتي، في حسابه عبر تويتر: “الجار الإيراني الصعب لا يرد التحية بأحسن منها، بل يتصرف بعنجهية كالعادة دون اعتبار لمبدأ حسن الجوار والحوار”.
ورغم أن الكويت والسعودية ردتا على التصريحات الإيرانية عبر بيانين لوزارتي خارجية البلدين، للتأكيد على حقهما في استغلال ثروات المناطق المحايدة على حدودهما، ودعتا إيران إلى ترسيم الحدود البحرية، يرى المراقبون للعلاقات الإقليمية في المنطقة أن ادعاءات إيران بوجود حق لها في حقل الدرة، يمكن أن يكون مصدر توتر جديد في المنطقة، وقد تكون له تداعيات على المصالحة التي جرت مؤخراً بين السعودية وإيران.
في ظل هذه المؤشرات للاستفزاز الإيراني الكفيل بإعادة التوتر بين النظام الإيراني والدول العربية، تستعد مليشيا الحوثي- ذراع إيران في اليمن، لجولة جديدة من الحرب. وبالتزامن مع هذا التصعيد الإيراني ضد السعودية والكويت، حذر وكيل محافظة الحديدة وليد القديمي، من خطر التحركات والاستحداثات الأخيرة لمليشيا الحوثي في موانئ مدينة الحديدة، غربي البلاد.
وقال القديمي، إن المليشيا أنشأت لساناً بحرياً خارج ميناء الصليف خاصاً بالتهريب، تزامنًا مع إنشاء رصيف في ميناء رأس عيسى.
وأضاف، إن كل المؤشرات تنذر بمعركة قادمة ترتبط بالأجندة الإيرانية في المنطقة، وملف الملاحة الدولية على وجه الخصوص.