نزهة بوعزة
باحثة مغربية
هل يعكس واقعنا أفق توقعنا؟ وهل ننطلق من تجاربنا الزمنية الراهنة من أجل رسم عتباتنا المستقبلية؟ أليس هناك غياب لتشخيص موضوعي لتجربتنا الزمنية، وفق توقعات تناسب هذه التجربة؟
إنّ واقعنا، كما هو معلوم، لا يترجم تصوراً دينياً، ورغم ذلك فنحن نتجادل حول خيارين: ضرورة التمسك بالقيم الدينية، أو وجوب تجديد الخطاب الديني ليتوافق مع التيار الحداثي الغربي؛ الأوّل ينطلق من أفق انتظاري ديني مأمول، والثاني يدعو لتجديد وفق آمال تخصّ حقلَ تجربة مختلفاً، والتياران معاً يرسمان أفق الانتظار، ولا يرتبطان بحقل التجربة في سياقها الراهن، بما هو كائن.
*المواطن العربي الإسلامي هو مواطن التصورات المجردة التي لا تعكس صورة واقعه*
المواطن العربي الإسلامي هو مواطن التصورات المجردة، التي لا تعكس صورة واقعه، بل تعكس منطق تعايش النومين الإسكاتولوجي (التصورات الأخروية)، والفينومين (المحسوس) الحداثي، يلتئمان داخل بنية واحدة، هو كائن ينشطر بين حقلين؛ حقل الواقع الذي يعيشه (واقع تفرضه السياقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الكونية المتولدة عن سياق تاريخي طويل، يستفيد من حسنات هذا الواقع، ويلعنه في الآن نفسه)، وحقل ما يرغب في تحققه (التصالح مع القيم الإسلامية التشريعية والعباداتية، القادرة على تحقيق الخلاص المزدوج هنا وهناك)، ازدواجية بقدر تقابلها الظاهري، بقدر انسجامها في بناء شخصية هذا المواطن، بشكل لا يطرح أيّ مفارقة قد تستدعي استبعاد أحد التوجهين على حساب الآخر.
لكنّنا في الواقع كائنات تعجز عن العيش تحت وطأة تيار في غياب الآخر، وإن اضطررنا لتغييب الآخر، فهو تغييب مؤقت إلى حين، مثلاً هل بالإمكان أن نعيش تحت وطأة مجتمع إسلامي بصورته السلفية أو الاجتهادية؟ أم أنّ الأمر لا يعدو أن يكون أفقاً انتظارياً صورياً لا نرغب في تحققه؟ وتجلى ذلك في هروب الآلاف من الأفغان من حكم إسلامي، وفشل حزب النهضة في تونس، والعدالة والتنمية في المغرب، وغير ذلك، فكلّ هذه الحركات الإسلامية خاطبت المواطن بما ينبغي أن يكون، وتناست بالمقابل ما هو كائن، فخلقت فجوة صعُبَ عليها ردمها، فجوة بين حقل التجربة، وسقف توقعاتنا.
*هل نستطيع عيش مجتمع إسلامي بصورته السلفية أم الأمر مجرد أفق انتظاري لا نرغب في تحققه؟*
لنقل ببساطة، وإن بدا الأمر سطحياً، إنّنا أمام واقع غير مشخص، نعيش تجربة وجودية مغتربة (اغتراب الذات عن ذاتها؛ أي إنّ المسألة هي مسألة تخصّ اغتراباً بين-ذاتي) إنّه اغتراب يجعلنا نطرح بالمقابل اغتراباً سجالياً، نتجادل حول آمالنا، لا حول حقل تجاربنا، وعليه فقد فشلنا في تحقيق التوازي، بين حقل التجربة وأفق الانتظار.
لذلك علينا:
– تشخيص واقعنا كما هو؛ لتحديد آفاق انتظارنا، وهو أمر يتعلق بالأساس بالنص الديني، بمعنى أن نأخذ النص الديني وفق حقل تجاربنا الحياتية، فليس النص الديني من يحدد آفاق انتظارنا، بل حقل تجاربنا المعيشية هو الذي يحدد أفقنا المأمول من النص الديني، ونستطيع أن نسمّيه نوعاً من الاستجابة لإلحاحية الواقع.
– ردم الهوة العميقة التي رسمت بدواعٍ سوسيوسياسية بين حقل واقعنا الراهن كما هو، دون إسقاطات أو قراءات فوقية أو هامشية، وما نسعى لتجاوزه لخلق بديل آخر.
*كلّ هذه الحركات الإسلامية خاطبت المواطن بما ينبغي أن يكون وتناست بالمقابل ما هو كائن*
– شرط توليد الفجوة الزمنية التي تنقلنا من عتبة سابقة إلى أخرى لاحقة، تتعلق بالأساس بالمسافة الفاصلة بين حقل التجربة وأفق التوقع، وبقدر إمكانيّة التحكم في هذه الفجوة أو المسافة، بقدر ما تعدد فرص تحقيق التجاوز، أو إمكانيّة الاتجاه نحو عتبة تجربة تاريخية أخرى.
– ترسيخ وعي مفهومي؛ أي محاولة قراءة حقل تجاربنا من زاوية مفهومية؛ تسمح لنا بإعادة بناء سياق التصورات الدينية، وفق معجم مفهومي يرسم التجارب التاريخية لكلّ سياق سوسيوسياسي، فالمفاهيم هي حدود لازمة لتسييج حقل تجاربنا، ومع تنوع التجارب تتنوع الآليات المترجمة لها، فمفاهيم: الكافر/ المرتد/ الجهاد/ المرأة/ الزواج مثلاً، لم تعد تحمل الدلالات نفسها التي كان عليها زمن التشريع ومقتضياته وتداعياته، وهو ما يستوجب بناء معجم مفاهيمي جديد، يرتبط بحقل تجربتنا؛ كشرط لرسم أفق تصورنا الديني، ومن ثمّ إمكانية توليد تصورات مغايرة تتماشى وواقع الحال، أو لنقل تستجيب لإطلاقية الواقع في راهنيته.
نقلاً عن حفريات